فيصل الحفيان: أكثر من نصف مخطوطاتنا خارج الوطن العربي

مدير معهد المخطوطات العربية يدعو إلى سن تشريعات قانونية لمنع بيعها

د. فيصل الحفيان
د. فيصل الحفيان
TT

فيصل الحفيان: أكثر من نصف مخطوطاتنا خارج الوطن العربي

د. فيصل الحفيان
د. فيصل الحفيان

يحل معهد المخطوطات العربية ضيف شرف على الدورة الخامسة عشرة لمعرض الإسكندرية الدولي للكتاب. المعهد التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) تأسس عام 1946، تابعاً لجامعة الدول العربية، بإيعاز من عميد الأدب العربي طه حسين، ليقوم على خدمة التراث العربي المخطوط. «الشرق الأوسط» التقت د. فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية صاحب كثير من المؤلفات في مجال اللغويات وتحقيق التراث، الذي تحدث عن دور المعهد كبيت خبرة عربي في مجال المخطوطات، وأحدث مطبوعاته، واحتفالية يوم المخطوط العربي، وتركيزها على «المخطوط المهجّر» والمخطوطات المهربة للخارج... وهنا نص الحوار:
> اختيار معهد المخطوطات العربية ضيف شرف لمعرض الكتاب بالإسكندرية هل يعد مؤشراً على الاهتمام بالمخطوط بوصفه وعاءً معرفياً وليس تراثياً فقط؟
- معرض الكتاب في الإسكندرية يأتي امتداداً لتاريخ من الاهتمام بالعلم، وهي عاصمة علمية منذ العالم القديم. وبالطبع، وجود المعهد كضيف شرف دلالة على الاهتمام بالمخطوطات كحقل معرفي له قيمته في عصر المعرفة، بعد أن كان التراث في النصف الأول من القرن الماضي يحظى باهتمام كبير، خفت تدريجياً، وغلبت النظرة للمخطوط كورق وتراث بالٍ. لكن حان الوقت لنشر الوعي بقيمة المخطوطات العربية، وتوعية المواطن العربي بضرورة الفصل بين التاريخ والتراث، حيث إن التاريخ قد يموت لكن التراث حي باقٍ.
> هل يمكن أن يعود الاهتمام بالمخطوط في ظل صورة تكنولوجيا المعلومات أم أن التحديات لا تزال كبيرة؟
- أرى اليوم وعياً بقيمة التراث، بعد أن خفت الانبهار بمنتجات الحضارة الغربية. وأعتقد أن المنافس الحقيقي للمعرفة والثقافة قد يكون الصورة، لكنها بقدر ما تساعد بقدر ما تمثل خطورة، فهي تمثل ثقافة هشة متلاشية، وعلينا أن نرسخ الوعي بالتراث العربي الثري.
> برأيك، هل يمكن أن يساعد استجلاء التراث والتنقيب فيه على تحسين صورة العرب في العالم؟
- بالتأكيد، خصوصاً أننا نواجه الهجوم على رموز الحضارة الإسلامية، ونجد الطعن في البخاري وصلاح الدين، وغيرهما... لكن لا ننسى أن «الفضل ما اعترفت به الأعداء». أنوار النهضة الأوروبية قامت على التراث اللاتيني والتراث العربي الإسلامي. وللأسف، الغرب قرأوا تراثنا أكثر منا، ويدرسونه في جامعاتهم إلى الآن، وقراءاتهم رغم أنها عميقة فإنها ليست قراءة بعيون عربية، القراءة بالعين العربية مختلفة بلا شك، وهي ما نحرص عليه، لا سيما من الناحية اللغوية وفهم مقاصدها. الاعتناء بالتراث لا يعني السكن فيه، بل استجلابه ليكون وقوداً للمستقبل، ولكي نوظفه ونفيد منه. أي نهضة لا بد أن تقوم على أسس، حتى الذين لا يملكون لغة أو تاريخاً يصطنعون لغة وتاريخاً.
> ما استراتيجية المعهد في انتقاء المخطوطات التي يجري تحقيقها وفهرستها؟
- لدينا أكثر من 200 كتاب، والعام الماضي نشرنا نحو 40 عنواناً في مختلف فروع المعرفة، ودائماً ما نحرص على الرؤية الشمولية، وأن التراث ينبغي أن يؤخذ كله، لا أن نركز فقط على المخطوطات العلمية أو الأدبية، هناك أكثر من 300 علم وفقاً للبيبلوغرافيا العربية. وهناك مخطوطات في الفقه والطب والصيدلة وعلم الاجتماع وغيرها. وما يعيبنا في المراحل السابقة أن التركيز كان على تراث العلوم الدينية والأدبية والنقدية، والتراث العلمي المخطوط أكثر الفروع المعرفية إهمالاً، لأن تلك المتخصصة في الطب تحتاج لتحقيقها عدة مقومات لغوية ومعرفية، ومعرفة بالمنجز الطبي الحديث، لكي يوضح قيمة المخطوط والرجوع إليه. وهنا، يجب أن أشير إلى ضرورة الاهتمام بتاريخ العلوم العربية والإسلامية الممتد عبر أكثر من 10 قرون، فالحضارة العربية ونتاجها العقلي من أهم المنجزات في تاريخ البشرية، وقيمته أنه قريب ومتجدد، وليس موغلاً في التاريخ، فكثير من التراث اللاتيني والإغريقي لم يعد موجوداً.
> هناك عدة إصدارات تركز على المخطوطات العراقية والسورية وغيرهما، ما هو دور المعهد تجاه المخطوطات المفقودة؟
- لا شك أن التراث المخطوط (الورقي) أكثر أنواع التراث هشاشة، عكس ما تحتمل التماثيل الحجرية... ولا شك أيضاً أن الحراك الذي حدث في البلاد العربية أثر كثيراً، وتضررت مخطوطات عربية كثيرة، كالتي احتوتها المكتبة الوقفية في حلب بسوريا، ومكتبة الأوقاف في بغداد، والمتحف العراقي في بغداد، ومكتبة الموصل، واليمن فقد كثيراً من المخطوطات التي تعتبر كنوزاً لا بد أن نحافظ عليها. التشريع موجود لكن غير مفعل، ونسعى لوجود تشريعات قانونية تمنع «سلعنة» المخطوطات، فهي كالآثار، ولا بد أن تظل في الأماكن التي وجدت فيها تاريخياً.
> ما محور يوم المخطوط العربي في عامه السابع؟
- يوم المخطوط العربي الذي يعقد في الرابع من أبريل (نيسان) من كل عام، في دورته السابعة هذا العام، نرفع شعار «المخطوطات المهجّرة»، لننظر في هذه القضية من النواحي القانونية والفقهية والتاريخية، حتى تظل القضية مثارة، لأن أكثر من نصف مخطوطاتنا العربية، خارج الوطن العربي، خرجت على مدار القرون، وسوف تقام ضمن فعاليات يوم المخطوط العربي 3 معارض: الأول للوحات المخطوطات المهجرة، والثاني لأدوات صناعة المخطوط العربي وحفظه، والثالث لإصدارات معهد المخطوطات العربية.
> ماذا يعني قولكم إن «التراث المخطوط متجدد»؟
- المخطوط ذاكرة الإنسان، ليس ملكاً للعرب والمسلمين، بل ملكاً للإنسانية. كل يوم تظهر مخطوطات جديدة كانت محفوظة في البيوت، أو في قبة مسجد، أو غيرهما، وهناك تقديرات بأن هناك 5 ملايين مخطوط عربي، أو مليون كحد أدني، بينما يوجد نحو 50 ألف مخطوط إغريقي، و300 ألف مخطوط لاتيني، وهي أرقام تقديرية. إلى الآن، لا توجد خريطة معرفية للتراث، والسبب تقصير من الأجهزة المعنية بالتراث في العالم العربي، والسبب الثاني أنه تراث متجدد، فهناك أسر في الجزائر والمغرب وموريتانيا واليمن يحفظون مخطوطات يتبركون بها إلى أن تبلى وتتلف وتصبح فتاتاً. لا بد أن يعي أصحاب القرار السياسي أن يتم جمع هذا التراث وترميمه والحفاظ عليه.
> ما أحدث إصدارات معهد المخطوطات العربية؟
- أحدث إصدارات المعهد «المجادلة بين الحكيمين»، وهو يعود للقرن السابع الهجري؛ الكتاب علمي فلسفي، وهو محاورة افتراضية طريفة بين فيلسوف وكيميائي، ويأتي ضمن سلسلة كتب الموفق البغدادي، وأصدرنا من قبل كتاب «النصيحتين»، ويوجه فيه الانتقاد الشديد للحكماء، وهو يعد شاهداً على الحراك العلمي في القرن السابع الهجري، رغم أنه القرن الذي اتهم بالفتور والخمول، والحقيقة أنه ليس كذلك.
> اتخذ المعهد خطوات حثيثة في سبيل النشر الإلكتروني، وأطلقتم مبادرة «تراثنا»، من هي الفئات المستهدفة منها؟
- المشروع انبثق من فكرة أن الشباب لا يجد من ينشر له، مع ارتفاع نفقات النشر، وكذلك النشر الورقي يستغرق وقتاً طويلاً، لذا استهدفنا فئة الشباب الذي يريد نشر بحوثه بشكل سريع، وتحكيم هذه البحوث، ونكون شركاء علميين لهم، وننشرها على موقع المعهد، ثم ننوي أن يتم نشر عشرت الكتب والبحوث على موقع خاص. وهناك مقالات محكمة، ومقالات ثقافية، ورسائل جامعية، وكتب يعاد نشرها، وهي التي طبعت في أوائل القرن العشرين ونفدت طبعاتها، ونحاول إخراجها بشكل لائق.
> ماذا عن شراكات المعهد مع المؤسسات الثقافية والمعاهد المتخصصة؟
- لدينا شراكات مع المؤسسات المعنية بالتراث، في داخل وخارج الوطن العربي، ونصدر مجلة محكمة عمرها نحو 68 عاماً، وسيصدر عددها الجديد قريباً، وقد صدر منه 124 عدداً، وكان المستشرقون - وإلى الآن - يحرصون على النشر فيها، ونحرص على تطويرها لتظل محتفظة بمكانتها. كما أن لدينا شراكات كثيرة، من بينها شراكة ممتدة مع الأزهر الشريف ومكتبة الإسكندرية، سواء للنشر المشترك أو تبادل صور المخطوطات النادرة، وإقامة الدورات والندوات خلال العقدين الماضيين، وذلك عبر مركز المخطوطات بالمكتبة.
> ما مشروعات المعهد في المستقبل؟
- التحول الكبير في عمل المعهد هو جعل تحقيق التراث عملاً أكاديمياً، ونقدم «دبلوم المخطوط العربي» كحقل معرفي مستقل، فيه الفهرسة والتحقيق، وفنون المخطوط، والترميم، والتشريعات... كتلة من المعارف التي تحيط بالمخطوط؛ إذ كان الاهتمام في الماضي يهتم بالنص ولا يهتم بالوعاء. ولا يصح هذا لأن الوعاء التاريخي يؤثر على المعرفة في مسألة التوثيق، ومسألة الضبط والإضافة.



تمثال غريب الشكل في الكويت يُحيِّر علماء الآثار

الغرابة (SWNS)
الغرابة (SWNS)
TT

تمثال غريب الشكل في الكويت يُحيِّر علماء الآثار

الغرابة (SWNS)
الغرابة (SWNS)

اكتُشف رأسٌ غريب الشكل لكائن غير معروف، من الفخار، يعود إلى آلاف السنوات خلال عملية تنقيب في الكويت، مما أثار حيرة علماء الآثار بشأنه.

وأوضح بيان نشرته جامعة وارسو، ونقلته «فوكس نيوز»، أنّ باحثين من البعثة الأثرية الكويتية - البولندية وجدوا ذلك الأثر في بحرة 1؛ وهو موقع أثري في منطقة الصبية بالكويت.

ووُصف الأثر بأنه «أحد أبرز الاكتشافات» في عملية التنقيب، مع الإشارة إلى أنه «رأس صغير مُتقن الصنع من الفخار، جمجمته طويلة وممدودة، مع عينين منحرفتين وأنف مسطَّح».

يعود تاريخ التمثال الصغير إلى فترة العبيد في بلاد الرافدين القديمة التي تسبق العصر البرونزي. وأُنجز خلال الفترة بين الألفية السادسة قبل الميلاد، وفق تقدير العلماء، ما يجعل عمره يتراوح بين 7 و8 آلاف عام.

وأشار البيان إلى العثور على تماثيل صغيرة مُشابهة تعود إلى فترة العبيد قبل ذلك، لكنَّ هذا الأثر يُعدُّ الأول من نوعه الذي يُعثر عليه في منطقة الخليج.

وذكر الأستاذ بيوتر بيلينسكي في البيان الصحافي: «يثير وجوده تساؤلات بشأن غرضه وقيمته الرمزية، أو ربما الطقسية بالنسبة إلى الناس في ذلك المجتمع القديم».

الفريق الأثري الكويتي - البولندي المشترك (SWNS)

كذلك أشار علماء الآثار إلى اكتشافهم نوعَيْن مميّزين من الآنية والأعمال الفخارية في الموقع عينه، واصفين الاكتشاف بأنه «محوري» لدراسة فترة العبيد: «أثمرت عمليات التنقيب في الموقع منذ بدايتها نوعَيْن من الآنية الفخارية، هما عبيد، المعروف أنه كان يُستردُّ من بلاد الرافدين، وآخر مختلف تماماً يُعرف باسم الآنية، وهي حمراء خشنة الملمس، جرت معرفتها من مواقع في شبه الجزيرة العربية»؛ علماً بأنّ النوع الثاني يوصف بأنه محلّي الصنع في الخليج، لكنْ لا تزال الأماكن الفعلية لصنعه مجهولة.

وظهر أخيراً دليلٌ قاطع من موقع بحرة 1، يشمل إناء من الفخار غير المحترق. وتؤكد النتائج أنّ بحرة 1، الذي يُعدُّ واحداً من أقدم المواقع السكنية وأكبرها في شبه الجزيرة العربية، هو أيضاً أقدم موقع معروف لتصنيع الآنية الفخارية ومنتجات الفخار في الخليج العربي.

كذلك عثر المنقّبون على بقايا أثرية من النباتات التي كانت تُضاف إلى طين الفخار خلال عملية التصنيع. وسيجري الباحثون بعد ذلك تحليلاً نباتياً أثرياً للمادة النباتية لمعرفة النباتات المحلّية التي وُجدت خلال تلك الحقبة الزمنية. علَّق الدكتور رومان هوفيسبيان في البيان: «كشفت التحليلات المبكرة عن آثار لنباتات برّية، خصوصاً القيصوب (الغاب) داخل الأعمال الفخارية محلّية الصنع، في حين عُثر على آثار وبقايا نباتات مزروعة من بينها الحبوب، مثل الشعير والقمح، في الآنية المستوردة خلال حقبة العبيد».

وتُخطّط البعثة الأثرية الكويتية - البولندية لمواصلة دراسة الموقع، وتأمل في العثور على «مزيد من الاكتشافات والتبصّرات في مواضع التقاطع بين ثقافة كلّ من العصر الحجري في الجزيرة العربية وعصر العبيد في بلاد الرافدين، إلى جانب تحقيق مزيد من التعاون بين متخصّصين بولنديين وكويتيين في التراث»، وفق البيان، الذي أوضح: «تكشف عمليات التنقيب المستمرّة أنّ موقع بحرة 1 مهمّ وحيوي لفَهْم التبادل الثقافي بين مجتمعات العصر الحجري الحديث في الجزيرة العربية وثقافة العبيد الممتدّة من بلاد الرافدين إلى منطقة شاسعة من الأناضول، فشبه الجزيرة العربية».