صحافيو معارك «داعش»... تغطيات تحت «مطر» الشظايا

حملوا عتادهم وتنقلوا في صحراء مترامية الأطراف لرواية فظائع التنظيم

الصحافية ناز السيد مراسلة قناة «الغد» العربية أثناء تغطيتها في جبهة الباغوز
الصحافية ناز السيد مراسلة قناة «الغد» العربية أثناء تغطيتها في جبهة الباغوز
TT

صحافيو معارك «داعش»... تغطيات تحت «مطر» الشظايا

الصحافية ناز السيد مراسلة قناة «الغد» العربية أثناء تغطيتها في جبهة الباغوز
الصحافية ناز السيد مراسلة قناة «الغد» العربية أثناء تغطيتها في جبهة الباغوز

صحافيون وصحافيات يقطعون مئات الكيلومترات، حاملين عتادهم من كاميرات وعدسات تصوير وأدوات الحماية الشّخصية. من مكان إلى آخر يتنقلون وسط صحراء مترامية الأطراف، سالكين طُرقاً وعرة وأماكن خطرة. من قلب الأرض المحفوفة بالمخاطر، حيث موت المئات من الأبرياء في كل لحظة، يروي لنا هؤلاء الصّحافيون تجربتهم الشّخصية لدى تغطيتهم المعارك ضدّ تنظيم «داعش» في شمال شرقي سوريا. هناك حيث تستعرّ المعارك صوّروا للعالم أحداث وروايات أشخاص عايشت الحرب، وكتبوا قصصاً وتقارير عن الفظائع والجرائم التي ارتكبها التنظيم المتطرف.
أجروا المقابلات مع أخطر المقاتلين في العالم، وشاهدوا كيف يستسلمون ويعلنون خسارتهم العسكرية، وتعرفوا عبر تسجيلاتهم على المتطرفين القادمين من جميع أنحاء العالم. فقبل سنوات عمدوا إلى نشر الرّعب والهلع بمشاهد قطع الرؤوس، وحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ونحر أبناء عشيرة الشعيطات السورية. واليوم قد جاء ليشهد هؤلاء الصّحافيون نهاية التنظيم في أكثر بقع الشرق الأوسط سخونة منذ ثمان سنوات.
- هشام وتحدي نقل الحقائق
هشام عرفات المتحدر من مدينة رأس العين أو (سري كانيه)، كما يسميها سكانها الأكراد، وتقع أقصى شمال سوريا، صحافي كردي سوري، غطى المعارك ضد «داعش» في كل من مدينة الموصل في العراق، ومدن وبلدات منبج والرّقة ودير الزور في سوريا أخيراً. يكتب باللغة العربية والإنجليزية منذ عام 2006 في صحف محلية وعالمية. عمل محرّراً للأخبار ومعدّاً للبرامج في «تلفزيون الشارقة» بالإمارات، من ثمّ مراسلاً لجريدة «الإندبندنت» البريطانية في إقليم كردستان العراق، أثناء تغطية المعارك ضد «داعش» المتطرف، ويعمل حالياً كاتباً في القسم الإنجليزي لموقع فضائية «كردستان 24».
خلال تغطيته معركة الباغوز، وقبلها معركة هجين في ريف دير الزور الشمالي، نشر عرفات، العشرات من التقارير الإخبارية باللغة الإنجليزية، وقد كان يسلّط الضوء على المجرى الرئيس للأحداث، خلافاً لباقي الصّحف والمواقع الأجنبية التي كانت تنشر قصصاً ومواضيع معينة. وعن تجربته يقول إنّ «معظم المواضيع التي ركّزت عليها كانت عن المناطق التي حُرّرت حديثاً من قبضة التنظيم. أتناول التفاصيل والمواضيع التي تكشف حكم عناصر (داعش) ووسائل دفاعه وهجماته».
يرى عرفات أنّ الصحافي مطالب بالمزيد من الدّقة والموضوعية في توضيح مجرى الحدث، خصوصاً إشكالية التقدم والتحرير لكل طرف عسكري والحرص في نقل صورة المدنيين، وتجنبهم من القتال في الوقت ذاته، كما أجرى الكثير من اللقاءات مع عناصر التنظيم الإرهابي أثناء خروجهم من الباغوز واستسلامهم، وفي السجون.
وكان التنظيم قد أعلن في يناير (كانون الثاني) 2014، سيطرته على مساحات واسعة، خصوصاً في ذروة قوته، أي منتصف عام 2015، ليعود بعدها ويشهد خسائر ميدانية كبرى خلال العامين الأخيرين، على وقع هجمات شنتها أطراف عدة، أبرزها «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ومشاركة 79 دولة غربية وعربية.
يتحدث عرفات عن أبرز التحديات والعقبات التي كانت تواجه عملهم أثناء هذه التغطية قائلاً: «بدءاً بنيران المعارك، ومروراً بخطر القناصين والألغام والصّواريخ الحرارية التي كان يطلقها التنظيم، وانتهاءً بشظايا طائرات التحالف». يذكر أنه في معركة الباغوز منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي، كادوا يُصابون بشظية كبيرة من نيران طائرات التحالف، وأضاف: «كنا موجودين في نقطة متقدمة نحو 400 متر فقط من عناصر التنظيم. كان بالإمكان رصد حركتهم بوضوح خلال هدنة مؤقتة، وعند القصف تطايرت الشّظايا بالقرب منّا. حقيقة، المشهد كان مرعباً».
وأعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية، بدء مرحلة جديدة في محاربة «داعش» في سوريا، عبر كلمة ألقاها القائد العام مظلوم عبدي في مراسيم إعلان القضاء على التنظيم الإرهابي في 23 مارس (آذار) الماضي، حين قال: «نعلن عن بدء مرحلة جديدة في محاربة (داعش)، وذلك من خلال الاستمرار بحملات عسكرية وأمنية دقيقة بالتنسيق مع قوات التحالف الدُّولي بهدف القضاء الكامل على الوجود العسكري والسّري للتنظيم»، مشيراً إلى خطورة خلاياه النائمة «التي لا تزال تشكل خطراً كبيراً على منطقتنا والعالم بأسره».
- ناز في مواجهة غسل الأدمغة
ناز السيد، مراسلة قناة «الغد» العربية. تتحدّر من مدينة القامشلي الواقعة أقصى شمال شرقي سوريا. كانت من بين أول المراسلين الذين أعلنوا خبر القضاء على تنظيم «داعش» في 23 مارس من العام الحالي، وانتهاء «خلافته» المزعومة. وأعربت السّيد عن مشاعرها قائلة: «هذا يجعلك تنسى كل ما عانيناه خلال الشهور الطّويلة التي قضيناها في الصّحراء القاحلة وسط معارك عنيفة ونيران الصّواريخ وأصوات لم تهدأ». وتضيف: «لا أحد سوى زملائي الصّحافيين يستطيع مشاهدة الحدث من زاويتنا». وتقول: «لن أنسى هذه اللحظات طوال حياتي».
وبعد إعلان تحرير بلدة الباغوز، دخلت إلى المخيم؛ البقعة الجغرافية الأخيرة حيث يتحصّن عناصر «داعش». وقالت السيد: «استهدفنا من قبل القناصة الموجودين في أحد جحور التلال المطلّة على البلدة. أيقنت حينها، أنّهم بالفعل متمسكون بأفكار التنظيم المتطرف وعقيدته. وتبادر إلى ذهني أسئلة كثيرة، من هو هذا المقاتل؟ ومن يكون؟ وما الذي يجعله متمسكاً بهذه العقيدة على الرّغم من سقوط خلافته المزعومة».
وتروي المشاهد الأولى من المخيم الذي وصفته السّيد، بأنّه كومة خردة من سيارات مكسّرة وخيم مهترئة، ووجود شبكة أنفاق محفورة تحت الأرض وسواتر ترابية، وتزيد: «تدلّ هذه المناظر على أنّ مقاتلي التنظيم وعائلاتهم كانوا مقتنعين بعقيدته، كما ثقتهم بزعيمهم البغدادي، وبأنّه سيبقى كما العقيدة». وتضيف: «الحرب لم تنته والمرحلة المقبلة هي الأصعب، في محاربة خلاياه النائمة».
وعملت ناز السيد مراسلة حربية غطت معركة عفرين في ريف حلب الشمالي، وقبلها معركة الرقة وسقوط «داعش» و«خلافته» المزعومة هناك، إلى جانب تغطيتها معركة منبج منتصف 2016، وبعدها جبهة الطبقة، وتضيف: «كانت معركة الباغوز الأصعب، نظراً لوعورة المنطقة الصحراوية، وجغرافيتها مترامية الأطراف». وتابعت «أنّ أصعب ما عايشته، مشاهدة أشخاص لا يزالون يحملون فكر التنظيم على الرّغم من القضاء عليه عسكرياً. والمعركة الأهم هنا، هي كيف نستطيع توعيتهم، وتأهيلهم وإعادتهم إلى الحياة الطبيعية، لا سيما الأطفال منهم».
معركة الباغوز لم تكن تشبه أي معركة أخرى، فقد كانت حاسمة. فيها أصيب صحافي إيطالي بجروح بليغة، جراء تغطيته لها. وتابعت ناز قائلة: «بعد إصابته، انتابتني مشاعر مشوشة، هل أستمر في تغطية المعركة؟ التحديات كانت كبيرة بالفعل».
وتُخبر ناز: «واجهتني مواقف صعبة، فعندما كنت أوّجه أسئلة إلى أسر التنظيم وعائلاته، تعرضت لكلمات وشتائم وصراخ. مشهد سأبقى أتذكره مهما حييت. فالنساء كن يصرخن: إنّها باقية وتتمدد (أي «داعش»)، والأطفال يرفعون الإبهام ويرددون شعارات متطرّفة تعلموها من التنظيم».
- قاطرات «مركونة» بذاكرة رامان
بالنسبة لرامان عيسى، مدير مكتب شبكة «أورنينا»، السوري من الحسكة، لم تكن هذه أول تجربة في تغطية المعارك، لكن معركة دحر الإرهاب في ريف دير الزور الشّمالي كانت من أقوى المعارك، حسب رأيه، وقال إنّ «اختلاف الجغرافيا وتقلبات المعركة كانت تخلق مناخاً من الخوف والهلع بالنسبة للمصور والصحافي، خصوصاً أثناء الوجود في نقاط الاشتباك»، وأضاف: «بكل تأكيد أشعر بالفرح لهزيمة التنظيم. وأعتبرها لحظة الانتهاء من حقبة سوداء عاشها الكثير من أبناء منطقة شرق الفرات. نعم كانت حقبة من الظلام والإرهاب».
وأشار إلى أنّ أكثر الصّور التي تتوارد على ذهنه، هي مشاهد الناقلات والقاطرات التي كانت تحمل عوائل وأسر من يشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى المناطق المحررة، وأضاف عيسى: «أنّه بعد الهزيمة، كان الأطفال يلوحون رافعين أيديهم الصغيرة راسمين بأصابعهم شارة النّصر، يلقون التحية على الصحافيين أثناء عبورهم من الممر الإنساني. والفرحة على وجوههم واضحة بعد خلاصهم من ظلم التنظيم».
من ناحيته، استعبد رامان عيسى القضاء على التنظيم جغرافياً، كما زواله عسكرياً عن الأرض. بمعنى انتهاء حقبة «داعش» بشكل كامل، نظراً لانتشار خلاياه النائمة في أغلب المناطق، خصوصاً في ريف دير الزور وبادية الشّام. وقال: «كنا نسمع أحاديث من المدنيين كيف يخرجون في الليل، أو عند اشتداد العواصف والأمطار، ويرعبون الناس وينشرون الخوف باغتيال شخص ما أو بعملية انتحارية».
- عندما صلب شقيق رضوان أمامه
من قناة «كردستان 24»، يقول مراسلها رضوان بيزار المتحدر من مدينة تل أبيض التابعة لريف الرقة الشّمالي، إنّه تعرض وعائلته للتهجير على يد فصائل وجهات «إسلامية متشددة» منتصف 2013، ولجأوا إلى مدينة أورفا التركية المجاورة لسوريا. وبسبب أنشطته وتغطياته الإعلامية، نشر عناصر تنظيم «داعش»، اسمه وأسماء عدد من زملائه، ولصقوا القائمة على جدران تل أبيض التي كانت خاضعة لسيطرتهم آنذاك، قبل طردهم صيف 2015، وذلك للتحذير من التعامل معهم. بعد طرد «داعش» من مدينته، عاد بيزار إليها واستأنف عمله في الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة. يروي أنّ أول المشاهدات التي لاحظها في مدينته، كانت قفصاً حديدياً موضوعاً في مركز تل أبيض، وهو عبارة عن مكان لمعاقبة المخالفين لقوانين التنظيم، يتذكر صوت الرجل الذي قال له إنّ عناصر «داعش» صلبوا أخاه أمام ناظريه، وتُرك ثلاثة أيّام من دون السماح بدفن جثته.
وقال رضوان: «أثناء تغطيتي لمعركة طرد التنظيم من الطبقة، اجتزنا نهر الفرات بقوارب صغيرة تسمّى محلياً بـ(البرك)، يومذاك حلّقت طائرة مسيرة عائدة للتّنظيم فوقنا وأطلقت قنبلة، ولكن لم يصب أحد منّا بأذى». وتعرض رضوان لحادث آخر أثناء تغطية معركة الرقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، حيث استهدف من قبل عناصر «داعش» بقنبلة فراغية عبر طيارة من دون طيار، فأصيب بجروح طفيفة مع اثنين من زملائه. كما يخبرنا بأنّه تعرض لحادث كاد أن يودي بحياته: «عندما فجّر اثنان من الانتحاريين من (داعش) نفسهما بسيارة مفخخة في حي المشلب شرق الرقة، أصبت مع زميلي علاء سعدون بجروح بليغة، وعلى الفور أسعفنا إلى المستشفى وبعد أيام تماثلنا للشفاء».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».