رحيل الفنان الهادي التركي أحد مؤسسي «مدرسة تونس للرسم»

أبدعت ريشته أكثر من ألف لوحة فنية

الهادي التركي
الهادي التركي
TT

رحيل الفنان الهادي التركي أحد مؤسسي «مدرسة تونس للرسم»

الهادي التركي
الهادي التركي

غيب الموت أمس الفنان التشكيلي التونسي الهادي التركي الرئيس السابق لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وأحد رواد «مدرسة تونس للرسم»، وهو كذلك أحد رموز الفن في تونس، تميز ببحثه المتواصل عن تزاوج مقنع بين الأصالة والحداثة ودافع عن الخصوصية الثقافية للضفة الجنوبية للمتوسط.
عرف عن التركي تنويع التقنيات والأنماط الفنية في رسومه، وبدأ دراسة الرسم في أكاديمية «لاغراند شوميير» بباريس (فرنسا)، ثم درس في أكاديمية روما (إيطاليا) للفنون الجميلة، وتأثر ببعض التوجهات الفنية الأميركية قبل أن يتركها ويلتفت إلى المخزون التراثي التونسي.
وعن التوجه الفني للهادي التركي، يقول عمر الغدامسي الفنان التشكيلي التونسي، إنه نوع تعامله مع مجموعة من النماذج النسائية في رسوماته ورحل بنا من المرأة الشابة إلى الأم المثالية إلى المرأة التقليدية المرتدية للحاف «السفساري» التونسي المعروف، وذلك من خلال عين فنان مختلفة عن بقية الأعين كما تميز بخصاله الإنسانية وبتأثير البيئة والتربية العربية الإسلامية في فنه، إذ إنه كرس حياته من أجل الانفتاح بالفن التونسي على الضفة الشمالية للمتوسط دون أن يقلد الآخرين أو ينقل التجارب الغربية إلى الوسط الفني التونسي.
زار الهادي التركي جل دول العالم معرفاً بفنه ودافع بشراسة فنية عن مدرسة تونس في الرسم وأبدعت ريشته أكثر من ألف لوحة ستظل معروضة في الرواق الفني الذي يحمل اسمه.
تخصص الهادي التركي في الرسم باستعمال الرصاص والحبر الصيني، وهو أحد رواد الرسم التجريدي في تونس والعالم العربي. وكان أحد مؤسسي «مدرسة تونس للرسم» ودافع عن خياراتها وتوجهاتها المرتبطة بالحضارة الإسلامية والعربية، وكان إلى جانب الرسامين التونسيين عمار فرحات وشقيقه زبير التركي وجلال بن عبد الله وحسن الوافي وعلي بلاغة من أهم الرسامين المنتمين إلى هذه المدرسة الفنية.
حصل التركي على عضوية الاتحاد العربي للفنون التشكيلية وعضوية الهيئة التنفيذية للجمعية العالمية للفنون التشكيلية التابعة لليونيسكو.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.