سوف تتحول توجهات مصادر الطعام في المستقبل إلى الوجبات النباتية ضمن الجهود العالمية للحفاظ على البيئة وعلى الصحة العامة وأيضا للتغلب على تحديات توفير ما يكفي من عناصر البروتين اللازمة لصحة الإنسان في المستقبل، حيث لا تكفي المصادر الحيوانية المتاحة حاليا.
وسوف تنظر الحكومات في المستقبل إلى التحول الغذائي نحو الوجبات النباتية تماما كما تنظر إلى التحول الكهربائي في إنتاج السيارات. فالتوسع في تربية الحيوانات على نطاق واسع يساهم بشكل كبير في إفراز غازات الكربون الضارة بالبيئة وبنسبة أكبر من السيارات على مستوى العالم، وفقا لتقرير من الأمم المتحدة. ولذلك فالنصيحة العامة للأفراد للمساهمة في الحفاظ على البيئة العالمية من ظاهرة الانحباس الحراري هي الإقلال من تناول اللحوم والتوجه إلى طعام نباتي صحي.
ولا يتعلق الأمر فقط بصحة الكوكب وإنما أيضا بصحة الأفراد. فمن الأسباب الأخرى المهمة التي توفرها أبحاث البيئة أن التحول إلى النظام الغذائي النباتي ضروري، وربما حتمي، للأسباب التالية:
* خفض أهم أسباب أخطر أمراض العصر ومنها أمراض القلب: الوجبات الغذائية تكون بطبيعتها أقل تشبعا بالدهون الضارة والكولسترول وبها من الفيتامينات والمعادن أكثر مما تحتوي عليه الوجبات المعتمدة على اللحوم. وتثبت الأبحاث أن النباتيين لديهم فرصة أفضل بنسبة 24 في المائة لتجنب أمراض القلب مقارنة بآكلي اللحوم. كما أن التحول إلى غذاء نباتي يمكنه في كثير من الحالات أن يعكس حالات أمراض القلب.
* تجنب الإصابة بالسرطان: التعود على نظام غذائي يعتمد على تناول كثير من الفواكه والخضراوات يخفض مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. ويعرف الأطباء أن النباتيين تكون فرص إصابتهم بالسرطان، خصوصا سرطان الأمعاء، أقل من غيرهم خصوصا من آكلي اللحوم الحمراء. والنصيحة العامة هي الإكثار في كل الحالات من تناول الفواكه والخضراوات من أجل تحسين الصحة.
* التخلص من السمنة واستعادة الرشاقة: لا يختزن النباتيون كميات من الدهون في أجسامهم تعادل تلك التي يعاني منها آكلو اللحوم. وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن نسبة الذين يعانون من السمنة في التعداد العام وصلت إلى 68.8 في المائة. وكشفت دراسة من جامعة أكسفورد أن تراجع نسبة الدهون في أجسام النباتيين تعم جميع الأعمار ومن الجنسين. ويعود هذا إلى استهلاك النباتيين لنظام غذائي مرتفع في الألياف، ومنخفض في نسبة الطاقة مثل الخضراوات والفواكه.
* الصحة وطول العمر: أشارت دراسة من جامعة أكسفورد ونشرت في مجلة طبية بريطانية إلى أن النباتيين يعيشون في المتوسط فترة أطول من آكلي اللحوم تصل في المتوسط إلى ست سنوات. والسبب هو الريجيم الغذائي الذي يحتوي على الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، ويقوي بدوره نظام المناعة في الجسم ويساهم في تأخير وصول الشيخوخة. كما أن الحمية النباتية تمنع وتعكس بعض الأمراض المزمنة مما يطيل من سنوات العمر.
* الابتعاد عن السموم الغذائية: من يمتنع عن أكل اللحوم يمتنع أيضا عن تناول بعض المواد الضارة بالصحة والمتضمنة في اللحوم ذاتها مثل الهرمونات والمضادات الحيوية والأسمدة الكيماوية الضارة. وكل هذه السموم تذوب في الدهون ويتم اختزانها في أجسام الحيوانات. ويضاف إلى هذه السموم مجموعة من الفيروسات والبكتريا والطفيليات وكلها تهدد من يتناول هذه اللحوم وبعضها يبقى في اللحوم حتى بعد الطهي.
* أحد الأسباب التي تدعو إلى تدخل الحكومات لتعميم الوجبات النباتية تحسين قدرة الاقتصاد بشكل عام حيث تمنع هذه الوجبات كثيرا من الأمراض المستعصية. وهذه الأنواع من الأمراض التي تتطلب علاجا مدى الحياة تكلف دولة واحدة مثل أميركا تريليون دولار سنويا. وهذا التقدير يشمل التكاليف الطبية وأيضا الإنتاجية المفقودة نتيجة للمرض أو الموت المبكر من حالات أمراض القلب والسكتة القلبية والسمنة والسكري والسرطان. وتشير أبحاث من شركات تأمين حول تكاليف العناية الصحية في مرحلة التقاعد إلى أن زوجين متقاعدين هذا العام سوف يحتاجان إلى مبلغ 260 ألف دولار لتغطية تكاليف العناية الصحية أثناء التقاعد. وهناك علاقة بين معظم الأمراض التي يتعرض لها العجائز والحمية الغذائية، التي يمكن تغييرها لتجنب الأمراض. والرسالة التي توجهها شركات التأمين هي اتباع حمية صحية الآن أو تحمل تكاليف أكثر للرعاية الصحية مع تقدم العمر.
- حل مشكلة الجوع: على الرغم من التقدم العلمي والتقني الذي حققه العالم في القرن الأخير، فإن هناك شخصا واحدا يموت كل 3.6 ثانية بسبب الجوع. وأغلب الضحايا هم من الأطفال تحت سن خمس سنوات. وفي المتوسط يتم استهلاك 40 في المائة من محاصيل العالم علفا للحيوانات، وترتفع هذه النسبة في الدول الصناعية الثرية إلى نسبة 70 في المائة. وهذه المحاصيل والحبوب يمكن أن تضاف إلى المخزون العالمي لتغذية الإنسان بدلا من الحيوان. ومن شأن هذا التحول أن يساهم في تغذية أربعة مليارات إنسان حول العالم. وهو عدد أكبر من نسبة هؤلاء الذين يعانون من الجوع يوميا على المستوى العالمي وعددهم نحو 795 مليون نسمة.
- الاستمتاع بالحمية النباتية: يتيح التحول إلى حمية نباتية الاستمتاع بوجبات خفيفة ومتنوعة وذات مذاق جيد وبعضها يمكن أن يكون بديلا للحوم ويوفر مذاقا مماثلا. وهناك كثير من كتب الطبخ النباتية التي يمكن أن توفر تنوعا في الوجبات سواء بالإعداد السريع لها أو تناولها طازجة.
- إنهاء المعاناة الحيوانية: هناك حركات قوية في الغرب يزداد نفوذها عاما بعد عام تطالب ببعض الضمانات القانونية لحماية الحيوانات في المزارع من سوء المعاملة التي تصل أحيانا إلى التعذيب الممنهج خصوصا للحيوانات التي يتم تربيتها داخل صوامع مغلقة في مساحات ضيقة لا ترى من خلالها الشمس طوال حياتها القصيرة. ويقارن هؤلاء بين الحياة التعسة لحيوانات المزارع في الغرب قبل ذبحها، والرفاهية والعناية التي تتمتع بها الحيوانات الأليفة مثل القطط والكلاب. ويرى هؤلاء أن التحول إلى الحمية النباتية يرفع درجة الوعي بحيث تكون المعاملة الإنسانية للحيوان هي السائدة في المستقبل.
من أجل كل هذه الأسباب وغيرها طالبت الأمم المتحدة في عام 2010 العالم بالتحول نحو نظم غذائية تعتمد على النباتات من أجل صحتهم وصحة المناخ. ومنذ ذلك الحين وأعداد النباتيين في العالم تزداد باضطراد مدفوعين في ذلك بالرغبة في تجنب الأمراض واستنزاف البيئة والتخفيف من معاناة الحيوانات في المزارع المكدسة.
وهناك كثير من المؤشرات على هذا التحول في بعض الدول التي زادت فيها أعداد النباتيين مثل إسبانيا التي تضاعف فيها عدد المطاعم التي تقدم وجبات نباتية فقط. وبوجه عام تراجع استهلاك اللحوم في إسبانيا بنسبة ملحوظة.
وفي بريطانيا تحول واحد من كل ثمانية أشخاص إلى اتباع حمية نباتية. وتصل نسبة النباتيين إلى التعداد العام نحو 12 في المائة ولكنها تصل إلى 20 في المائة في الفئة العمرية ما بين 16 و24 سنة. هذا بالإضافة إلى ملايين أخرى خفضت استهلاكها من اللحوم بنسب ملحوظة.
من التحولات الأخرى حول العالم وصول نسبة النباتيين في السويد إلى 10 في المائة وتفكير الحكومة في فرض ضريبة على مبيعات اللحوم. وفي الهند التي تتبع نظاما غذائيا نباتيا بصفة عامة تحولت مدن بأكملها إلى الطعام النباتي وحده وألغت مسالخ الحيوانات.
وفي ألمانيا وصل عدد النباتيين إلى سبعة ملايين نسمة وزاد الطلب على المطاعم النباتية، وذلك على رغم شهرة ألمانيا بصناعة السجق. وتوفر معظم المطاعم الألمانية خيارات نباتية، وهو تحول لم يكن متاحا قبل عدة سنوات.
وفي الثلاث السنوات الأخيرة خفض الكنديون استهلاك اللحوم بنسبة 10 في المائة ومن منتجات الألبان بنسبة 25 في المائة. كما يزيد الاستثمار في الولايات المتحدة في مصانع ومطاعم توفر بدائل اللحوم ضمن توجهات لتجنب أمراض العصر التي يعاني منها التعداد بشكل عام.
مؤشرات على أن التوجه النباتي يتوسع
يقود الجيل الجديد من مواليد القرن الـ21 التوجه نحو الطعام النباتي وتؤكد إحصاءات شركة «غوغل» أن البحث عن الحميات النباتية يزداد عاما بعد عام كما أن المطاعم لم تعد تنظر للخيار النباتي على قوائم الطعام كإضافة غير ضرورية وإنما كوجبات أصيلة تطلبها نسبة عالية من الزبائن.
وفي الثلاث السنوات الأخيرة زادت نسبة هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بأنهم نباتيون في أميركا ستة أضعاف من نسبة واحد في المائة عام 2014 إلى 6 في المائة في العام الماضي. وفي الصين تشجع الحكومة التعداد البالغ 1.3 مليار نسمة على التوجه إلى الحمية النباتية. ويتصدر البحث عن المنتجات النباتية محركات غوغل في كثير من الدول، كما أن كثيرا من الرياضيين في مختلف المجالات يصرحون بأنهم يعتمدون على الوجبات النباتية في أسلوب حياتهم.