قمة عون ـ بوتين تربط عودة النازحين بتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية

لبنان يراقب الموقف المتقدّم لواشنطن من عودتهم

TT

قمة عون ـ بوتين تربط عودة النازحين بتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية

تقول مصادر وزارية لبنانية معنية مباشرة بعودة النازحين السوريين في قراءتها لما ورد في البيان اللبناني - الروسي في ختام المحادثات التي أجراها الرئيس ميشال عون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، إن عودتهم لا تزال على لائحة الانتظار إلى حين تهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية من خلال إعادة الإعمار في سوريا، وتلازمها مع دعوة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى تأمين المساعدات الممكنة لهذه العملية.
وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن بوتين وعون اتفقا على تفعيل العمل اللبناني - الروسي المشترك لتسهيل عودة النازحين السوريين، وأن خطوات ملموسة ستبرز في المرحلة المقبلة، وأدرجت ضمن هذا الإطار التعميم الذي أصدرته وزارة الداخلية السورية تزامناً مع زيارة الرئيس عون وطلبت فيه من قادة الوحدات العسكرية والأمنية السورية على الحدود معاملة النازحين السوريين العائدين بالحسنى.
وتلفت إلى أن هذا التعميم جاء بناء على طلب موسكو ويأتي ضمن لائحة الضمانات السياسية لعودتهم والتي كانت تقدّمت بها إلى النظام السوري، وهي تنتظر من دمشق إصدار دفعة أخرى من الضمانات أبرزها إلغاء «التشريعات» العقارية التي كانت أصدرتها والتي تحاول إحداث تغييرات ديموغرافية في عدد من البلدات يمكن أن تشكّل إخلالاً بالتوازنات الطائفية، إضافة إلى إصدار عفو عام عن المتخلّفين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية وتأجيل دعوة المدعوين إلى هذه الخدمة لمدة عامين.
وترى المصادر الوزارية أن المبادرة الروسية لإعادة النازحين ما زالت قائمة وأن تفعيلها ينتظر مبادرة موسكو إلى تسمية من يمثلها في اللجنة اللبنانية - الروسية المشتركة. وتقول إن الموقف الذي نُسب إلى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو حول النازحين ينم عن وجود تقدُّم في موقف واشنطن حيال تعاطيها مع هذا الملف.
ومع أن هذه المصادر تدعم موقف رئيس الجمهورية بعدم ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا وتقول إنه يحظى بتأييد جميع الأطراف، فإنها في المقابل تسأل عن الجهة القادرة على تهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية لعودتهم، خصوصاً أنها جاءت مقرونة بإعادة الإعمار وتوفير الدعم الدولي لإنجاح هذه العملية.
وبكلام آخر فإن عدم الربط بين عودتهم وإيجاد الحل السياسي في سوريا قوبل بربط من نوع آخر والمقصود به الفقرة الواردة في البيان الختامي حول تهيئة الظروف لعودتهم، وهذا يحتاج إلى دعم مالي من المجتمع الدولي تعويضاً عن عدم قدرة موسكو على تأمينه.
وتكشف المصادر أن ما يؤخر تفعيل المبادرة الروسية لضمان عودة النازحين يكمن في أن المحادثات التي جرت سابقاً بين موسكو والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لم تحقق التقدُّم المطلوب، وتعزو السبب إلى أن موسكو طلبت تأمين الدعم المالي لتسهيل انتقال النازحين ولو على دفعات إلى بلداتهم، وأن المفوضية أحالتها إلى الدول المانحة.
وفي هذا السياق، تتوقف المصادر أمام ما صدر عن مؤتمر بروكسل - 3 الذي خُصّص لتوفير الدعم للحكومة اللبنانية التي ترزح تحت وطأة الأكلاف المالية المترتبة على استضافة لبنان نحو مليون ونصف المليون نازح، وتقول إن رئيس الحكومة سعد الحريري شدّد أمام المؤتمرين على ضرورة اعتماد سياسة براغماتية تتيح تأمين المال المطلوب لإعادة تأهيل البنى التحتية في عدد من البلدات المؤهلة لاستقبال النازحين بضمانة روسية.
وتؤكد المصادر الوزارية أن الأجواء التي سادت قمة موسكو أدت إلى سحب المزايدات الشعبوية التي يرعاها «التيار الوطني الحر» ويتهم فيها بأن هناك من يستمهل إعادة النازحين ويربطها بالحل السياسي، وبالتالي فإن عودتهم باتت مرتبطة حكماً بتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومسؤولية إعادتهم لا تقع على عاتق فريق دون الآخر، لأنها أصبحت خارجة عن إرادة اللبنانيين.
وتسأل المصادر: لماذا قامت الدنيا ولم تقعد على خلفية عدم اصطحاب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى بروكسل ليكون في عداد الوفد اللبناني برئاسة الحريري، فيما غُيِّب عن الوفد الذي رأسه رئيس الجمهورية في زيارته إلى موسكو، رغم أن ملف النازحين كان البند الأول على جدول أعمال القمة الروسية - اللبنانية؟ وتدعو إلى التريُّث لمراقبة ما إذا كان لتبدّل الموقف الأميركي من النازحين السوريين مفاعيل سياسية ومالية لدعم انتقال القسم الأكبر ممن يقيمون في لبنان إلى بلداتهم في سوريا، وتلفت إلى أن أطرافا لبنانية سعت إلى توظيف حملة ضد الحريري وآخرين بذريعة أنهم يؤمّنون الدعم المالي لبقاء النازحين في لبنان، وهذا ما روّج له رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في تبريره لعدم التوجّه في عداد الوفد اللبناني إلى بروكسل.
وتؤكد المصادر أن بعض الأطراف أخطأ في حساباته التي اعتمدها في تعاطيه مع ملف النازحين، وكان يراهن على ما أحيط به من معلومات تبين أن مصدرها محور «الممانعة» في لبنان الحليف للنظام السوري ولإيران، وفيها أن كثيرا من الدول العربية بدأ يبدّل موقفه من دمشق وأخذ يعد العدّة لإعادة فتح سفارته التي كان أغلقها مع اندلاع الحرب في سوريا. إضافة إلى وجود استعداد لدى الشركات العالمية للتوجّه إلى سوريا للمشاركة في إعادة إعمارها.
لكن كل هذه المعلومات بقيت في حدود الرغبة ولم تُترجم إلى خطوات ملموسة، وهذا ما يدفع للرهان على تشجيع العودة الطوعية للنازحين إلى بلداتهم ريثما يتأمّن ما هو مطلوب لإعادة تعويم المبادرة الروسية التي كان الرئيس الحريري وراء إطلاقها في زيارته الأخيرة لموسكو.
وعليه، فإن فك الارتباط بين عودة النازحين والحل السياسي يصطدم حالياً بربط عودتهم بتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، إلا إذا كان هناك من لديه تفسير آخر لما ورد في البيان الختامي لمحادثات الرئيس اللبناني مع نظيره الروسي.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».