نظرة فاحصة إلى أفلام سعودية جديدة

مواهب تتقدم بثقة وأخرى تسبقها الطموحات

من فيلم «ولد سدرة»
من فيلم «ولد سدرة»
TT

نظرة فاحصة إلى أفلام سعودية جديدة

من فيلم «ولد سدرة»
من فيلم «ولد سدرة»

أتاحت الدعوة الكريمة التي وجهت إلي لأكون عضو لجنة تحكيم الأفلام الروائية في الدورة الخامسة من «مهرجان الأفلام السعودية»، الاطلاع - وإن ليس للمرة الأولى - على الأفلام الروائية القصيرة والطويلة التي عرضت في تلك المسابقة وتقييمها مع الأديب السعودي عبده خال (الذي ترأس اللجنة) ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي المنتج محمد حفظي.
معاً ساد اليقين بأننا في مرحلة من النشاط الثقافي للمملكة بحيث لا بديل لوضع أقصى الشروط الفنية في تحكيمنا لكي يستفيد الفائز وغير الفائز. الأول إدراكاً منه بأنه على الطريق الصحيح، والثاني لكي يزداد عزماً في تحسين مفرداته الفنية في المستقبل.
إنها 21 فيلماً دخلت هذه المسابقة بينها فيلمان روائيان طويلان في مقابل تسعة عشر فيلماً قصيراً. البعض تساءل كيف يمكن الجمع بين الفيلم الطويل والفيلم القصير في مسابقة واحدة. وهو سؤال محق لكن الجواب عليه محق أيضاً.
لم يكن من الممكن تخصيص مسابقة لفيلمين طويلين فقط. الوضع لو حدث لنتج عنه فوز أحدهما فقط بكل ما هناك من جوائز كونه الأجدر على كل صعيد. لذلك كان لا بد من وضع كل الأفلام الروائية على شاشة واحدة.
معالجة طموحة
والحال أنه لا توجد جوائز تقررها أي لجنة تحكيم في أي مهرجان سينمائي، إلا في حالات نادرة تنجح في نيل قبول الجميع. والذي يحدث أن الأفلام أو الشخصيات الفائزة إذ أثارت تقدير لجان التحكيم تواجه آراء النقاد خارج اللجنة وآراء السينمائيين عموماً وآراء الجمهور العام فإذا حازت على ثقة النقاد فإنه ليس من الضروري أن تحوز على إعجاب القطاعين الآخرين والعكس صحيح.
لكن في هذه الدورة، التي هي الأكبر والأهم بين دورات المهرجان السابقة والتي أدارها السينمائي أحمد المللا وفريقه المتفاني بكل جدارة، حظيت بوجود عدة أفلام كانت تستحق الفوز وبعضها فاز بالفعل. ولو كانت هناك جوائز أكثر (في مجالات الصورة والتوليف والسيناريو والإنتاج إلخ…) لكان عدد الأفلام الفائزة ارتفع قليلاً.
الفيلم الذي منحناه «النخلة الذهبية» كأفضل عمل هو «المسافة صفر» لعبد العزيز الشلاحي الذي، للصراحة، لم يخل من هنات (بينها نهاية مستعجلة)، لكنه بقي أفضل ما تم عرضه كجهد فني مبذول وكأسلوب سرد يضع المشاهد دائماً أمام أسئلة تطرحها المادة الدرامية المسرودة. حكاية ذلك الرجل الذي وجد نفسه غير قادر على تذكر أحداث وقعت قبل ساعات أو أيام تؤكد دلالاتها على أنه ارتكب خلالها جريمة قتل. الموقف تشويقي - بوليسي لكن المعالجة الطموحة شاءت أن لا تنتج فيلماً من هذا النوع بل تشده أكثر إلى الدراميات التي تبحث - مستغلة الحبكة - في هوية الشخص والشخصيات المحيطة به وكيف تتداخل لتزيد الريبة مؤثرة على خيارات بطل الأحداث.
لدى الشلاحي طموح لتطوير ملكية السرد لدى الفيلم السعودي. في بعض الحالات يتأخر التطبيق على اللحاق بالطموح، لكن الفيلم لا يخفق في تأكيد جدارة المخرج وموهبته.
هو أجدر، بمراحل عديدة، من الفيلم الروائي الطويل الآخر «نجد» لسمير العارف الذي ارتاح لإعادة سرد حكاية توارثتها السينما في كل مكان حول العالم: الشاب الذي يحب فتاة وطلبها للزواج. الأب الذي يمانع ويزوّج ابنته إلى آخر غصباً عنها. العودة إلى الحارة والمواجهة بين مختلف الشخصيات والجوانب ثم اعتراف الأب لابنته بذنبه وصولاً إلى نهاية تراجيدية. الإضافة الوحيدة هي توريط البطل في حكاية مرادفة حول حمايته لأحد المجتمعات البدوية من عصابة محدقة بعدما انضم إلى سلك القانون. لكن التنفيذ يبقى على هوانه طوال الوقت.
لا شيء هنا يمكن الإعجاب به. لا الحكاية ولا إدارتها ولا التمثيل أو الشخصيات التي تمثلها. السيناريو تقليدي تماما والتصوير لا فن فيه وإذ تقع الأحداث في زمن مضى، فإن مساحيق التجميل حديثة وعصرية. لافت تصميم حي قديم، لكن المخرج يتعامل وذلك كديكور ضروري فقط.
طموحة
هناك حالات طغى فيها جانب على آخر بحيث لم يكن من الممكن إلا تقدير المحاولة واعتبارها على قدر من النجاح ولو بصورة غير كافية. فيلم «الظلام هو لون أيضاً» لمجتبي سعيد و«خمسون ألف صورة» لعبد الجليل الناصر و«الجرذي» لفيصل العامر من بينها.
«الظلام هو لون أيضاً» يسوق طموحاً للاختلاف يكاد يتحقق لولا أن الفيلم ينتهي بلمسة مخففة من الجهد الإبداعي. يتركنا بإعجاب للفكرة وبرودة في بلورة المضمون.
«خمسون ألف صورة» يعرض فكرة جميلة (أهمية الصورة الفوتوغرافية وارتباطها بالذاكرة في حياة رجل يبحث عن صورة أبيه) لكن الإخراج رتيب ويكتفي بالعرض المبسط.
أما «الجرذي» فيملك فكرة رمزية يحسن المخرج كتابتها حول الشاب الذي عانى من سلطة الأب بحيث حولته في النهاية إلى مجرد منفذ.
وثمة مثال واضح حول كيف يستحوذ الممثل على العمل إذا ما أتيحت له الفرصة وهذا في فيلم «أغنية البجعة» للمخرجة هناء العمير، وهو الفيلم الذي نال عنه الممثل أسامة القس جائزة أفضل تمثيل رجالي. الفيلم القصير يدور حول رجل يصحو من النوم وهو على منصة مسرحية. يقف ويبدأ بتمثيل «أغنية البجعة» (ثالث مسرحية من أعمال الروسي أنطون تشيخوف) باللغة الفصحى قبل أن يتداخل النص الأصلي برغبة الممثل التواصل مع حاضره (باللهجة المحلية) وعكس هواه الفني في كلتا الحالتين. بوضوح هو فيلم ممثل (أداه القس بتفوق) تابعته الكاميرا والمخرج بتأييد مطلق إنما مساند وليس كعنصر قرار.
الجائزة النسائية في هذا المجال نالتها زارا البلوشي عن فيلم «ستارة» لمحمد السلمان (الأفضل من بين فيلمين قدمهما المخرج للمسابقة) حول ممرضة تخفي وجهها بالنقاب واضعة ستارة بينها وبين محيطها في عملها الجديد. لكن معاملة بعض المرضى وفضول بعض الممرضين المتحرشين بها وخلفيتها الاجتماعية في زمن التحوّلات الحالي، أمور تضعها في مواجهة هذه العوامل ومواجهة نفسها ودورها أيضاً. الممثلة عكست كل ذلك بصمتها (غالباً) وبعينين معبرتين.
وهذه التحوّلات ذاتها موجودة في فيلم «صلة» لحسام الحلوة الذي فاز بجائزة أفضل إخراج. الحكاية هنا تدور حول العلاقة الصامتة (غالباً أيضاً) بين الأب الذي يمثل الماضي والابن الشاب الذي يمثل الحاضر. العلاقة عادية في المظهر لكنها تنضوي على فتور في الداخل. هذا الأب الذي لم يعد يجد ما يثير اهتمامه بابنه سوى سؤاله حول إذا ما قام بإداء فريضة الصلاة. والابن الذي يدرك الثوابت لكنه يبغي تقدير المتغيرات.
بعيداً عن ذلك ذهب «ولد سدرة» للمخرجة ضياء يوسف للبحث في الأساطير التي تحوم حول شجرة «السدرة» التي يقال بأنها ملبوسة بروح طفل. تعبير المخرجة عن تلك الميثالوجيا وحسن مزجها لحاضر الفيلم في قريته الصغيرة ومنطقته النائية بالماضي من خلال ذلك التراث استوجب تقدير الفيلم ومنحه جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
على كل ذلك هناك خلاصات مهمّـة عانت منها معظم الأفلام المتنافسة بما فيها بعض تلك الفائزة:
- ضعف الكتابة كون المخرجين اكتفوا بالنسخة الأولى منها علماً بإن إعادة الكتابة والتمعن في هوية الفيلم الدرامية وطموحاته ضروري لإجادة صنع الفيلم على نحو أفضل.
- الموسيقى الطاغية والهادرة (وفي عديد من الأحيان) غير الضرورية مطلقاً كما لو أنها أهم من الصورة ذاتها.
- التوليف الذي إما يمنح الصورة الماثلة وقتاً أطول مما يلزم أو يقتنص من أهمية الفكرة وراء المشهد بانتقال مبتور. في الحالتين يخسر الفيلم قدرته على وحدة إيقاعه.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.