ما القاسم المشترك بين كل من ديكلان رايس، وكالوم هودسون أودوي، وديلي آلي، وجيمس تاركوفسكي، وترينت ألكسندر أرنولد؟ تكمن الإجابة في أن كل لاعب من هؤلاء اللاعبين كان بإمكانه أن يلعب مع دولة أخرى غير إنجلترا في نهاية هذا الأسبوع.
وفي كل هذه الحالات تقريباً، كانت إنجلترا هي الخيار الواقعي الوحيد المطروح على الطاولة أمام هؤلاء اللاعبين، على الرغم من أن المذيع الإنجليزي النيجيري الأصل جون فاشانو، قد قام بمحاولة فاشلة وصاخبة لإقناع ديلي آلي باللعب في صفوف منتخب نيجيريا، عندما كان اللاعب الشاب يلعب مع نادي ميلتون كينز دونز. وفي هذه الحالات، كان المكسب الذي حصل عليه المنتخب الإنجليزي بضمه هؤلاء اللاعبين يعني الخسارة، بدرجات متفاوتة، لبلدان، مثل: جمهورية آيرلندا، وغانا، ونيجيريا، وبولندا، والولايات المتحدة الأميركية.
وكان رايس قد لعب بقميص منتخب آيرلندا في مباريات دولية ودية قبل أن ينضم لقائمة المنتخب الإنجليزي لمواجهة جمهورية التشيك والجبل الأسود. ورغم أن والد رايس آيرلندي ويعشق منتخب بلاده، فإن نجله قد نشأ في مقاطعة ساري البريطانية، ويمكن القول بأنه قد «صُنع» في الدوري الإنجليزي الممتاز، إن جاز التعبير، وهو الأمر الذي يمكن الاعتماد عليه بقوة عند الحديث عن أحقية المنتخب الإنجليزي في ضم هذا اللاعب.
وكان غاري نيفيل قد نشر تغريدة على حسابه الخاص على «تويتر» العام الماضي، يقول فيها: «يجب أن تعرف أين يكمن ولاؤك». ويبدو أنه كان متفاجئاً بحقيقة أن يشعر اللاعب ذو الأصول العرقية المختلطة ببعض الشك والحيرة فيما يتعلق بالمنتخب الذي سيلعب معه. لكن بعد ذلك، انتشرت هذه اللهجة في الحديث عن «الولاء» الرياضي، وكان هناك اعتقاد سائد بأنه إذا لم يكن لدى اللاعب حالة من «اليقين التام» بشأن المنتخب الذي سيمثله، فإن هذا يعني أنه لاعب ضعيف وقليل الخبرة.
وعندما اختار ويلفريد زاها أن يلعب لمنتخب ساحل العاج قبل ثلاث سنوات، قالت صحيفة «ديلي ميل» في عنوانها، إن المدير الفني الحالي للمنتخب الإنجليزي غاريث ساوثغيت يعتقد أن زاها «ليس لديه القلب» الذي يمكنه من اللعب مع المنتخب الإنجليزي، ونشرت مقالاً كاملاً يتحدث فيه ساوثغيت عن هذا الأمر؛ لكن الشيء الملاحظ أن ساوثغيت نفسه لم يستخدم كلمة «قلب» ولو لمرة واحدة داخل المقال! ويجب الإشارة إلى أنه من بين 16 لاعباً شاركوا لأول مرة مع المنتخب الإنجليزي منذ المباراة الودية أمام ألمانيا في عام 2017 تحت قيادة ساوثغيت، كان هناك 10 لاعبين مزدوجي الجنسية. وإذا نظرنا إلى الفئات العمرية الأصغر في المنتخبات الإنجليزية المختلفة، فسوف نكتشف أن هذا الأمر أصبح طبيعياً.
وقد أشار ساوثغيت إلى أن أكثر من نصف لاعبي المنتخب الإنجليزي تحت 16 عاماً هم من مزدوجي الجنسية. وقد تحدث اللاعب الإنجليزي السابق دان آشورث عن الأمر نفسه قائلاً: «من بين 75 لاعباً تحت 15 عاماً يخضعون للمتابعة من جانبنا، هناك 55 لاعباً يحق لهم اللعب لأكثر من دولة واحدة. ولا يمكننا أن نكون متعجرفين ونفترض أن أي طفل يعيش هنا يريد أن يلعب بصورة تلقائية في صفوف المنتخب الإنجليزي، فالناس لديها روابط عاطفية مختلفة، كما أن الدول الأصغر قد تكون قادرة على تقديم مسار مختلف لهؤلاء اللاعبين».
وهناك بعض الأرقام والإحصائيات المذهلة التي يجب الإشارة إليها في هذا الصدد. فخلال السنوات القليلة المقبلة، قد يواجه 75 في المائة من لاعبي المجموعة العمرية الحالية في المسابقات التابعة للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قراراً مماثلاً للقرار الذي اتخذه رايس وزاها. ولا يوجد شك في أن كثيرين في الخارج سوف يتبنون وجهة نظر نيفيل نفسها، وهي أنه مهما كانت الروابط العاطفية التي قد يشعر بها مراهق من ذوي الجنسيات المزدوجة، فإنه يجب عليه ألا يغير قراره خلال السنوات العشر القادمة، وإلا سيتم تصويره على أنه شخص شرير يغير من قناعاته وأفكاره، وهي الاتهامات التي باتت تمثل جزءاً من الخطاب الحالي في عالم كرة القدم.
أما في العالم الحقيقي، فيجب الإشادة بوجهة نظر آشورث، التي ترى أن الزمن قد تغير، وأن السبب وراء حدوث هذه الظاهرة يعود في الأساس إلى قضية اجتماعية. ففي العقد الأول من هذا القرن، جاء نحو 70 في المائة من إجمالي الزيادة السكانية في المملكة المتحدة من الهجرة المولودة في الخارج، مع دخول كثير من هؤلاء الأشخاص إلى التكوين الديموغرافي الذي يُنتج عادة لاعبي كرة القدم. ويتم تمثيل أماكن مثل جنوب لندن بشكل غير متناسب في هذا الأمر، ويعزى ذلك جزئياً إلى الارتفاع الكبير في عدد الشباب المهاجرين. وبالتالي، باتت فرق الفئات العمرية المختلفة التي تلعب في بطولات تابعة للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم تمثل انعكاساً لهذا الأمر، وتتأثر بشكل كبير بالجيل الجماعي للهجرة.
وتجب الإشارة هنا إلى نقطة مهمة، وهي أن الفكرة التي كانت تقوم على أن أي لاعب يتردد في تحديد «هويته الرياضية» هو لاعب مخادع ولا يحترم العلم البريطاني، قد تلاشت بوضوح خلال الفترة الماضية. لكن قواعد كرة القدم ما زالت بحاجة إلى بعض التغيير والتشديد؛ لأنه يبدو من الخطأ من منظور التخطيط والموارد، أن تكون المشاركة في مباريات ودية مع المنتخب الأول لا تمثل عائقاً أمام اللاعب لكي يغير الدولة التي يمثلها، وأنه يمكن للاعب من الناحية النظرية أن يلعب لخمس دول مختلفة قبل أن يتخذ قراره النهائي! وبالتالي، يجب إلغاء كلمة «مباراة ودية» من هذه القواعد، بحيث يلتزم اللاعب بتمثيل المنتخب الذي لعب له أول مباراة مع الفريق الأول، سواء كانت هذه المباراة ودية أو رسمية.
أما بالنسبة لأولئك الذين يختارون ويدعمون المنتخبات الإنجليزية ويعلقون على أدائها، فربما أصبحوا يواجهون تحدياً أكبر فيما يتعلق بتصوراتهم المسبقة، وبات يتعين عليهم الإجابة على سؤال أوسع حول الهدف الذي تُلعب من أجله كرة القدم الدولية في الأساس!
وهناك شيئان يجب التأكيد عليهما في هذا الأمر: أولاً، هناك حاجة لإدراك أن العالم قد تغير، وأن ما يبدو أنه خيار بسيط لرجل في منتصف العمر لديه جنسية واحدة، قد لا يكون هو الحال بالنسبة لمراهق يحرص على تكريم كل من عائلته وبلده. وهناك حاجة إلى قبول أن هذا الموضوع يتسم بالتعقيد الشديد، وأنه لا يوجد شخص يجب تحميله الخطأ، وأن ما يحدث لا يعد مؤشراً على ضعف الانتماء والولاء.
وثانياً، لقد حان الوقت لقبول فكرة أن كرة القدم الدولية هي اختبار للأنظمة وليس للجينات، وأن هذه المنافسة الرياضية ليس الهدف منها مثلاً أن تثبت أن الشعب التشيكي أفضل بطبيعته من الشعب الإنجليزي أو العكس؛ لكنها منافسة رياضية من أجل المتعة والإثارة في المقام الأول. إن الأمر يتعلق بالتخطيط والتصميم وتحقيق أفضل النتائج. وعندما ننظر إلى الأمور من هذا المنطلق، فسوف ندرك أن رايس قد اتخذ القرار الصحيح، وأنه مهما كانت جيناته، فإنه نتاج للنظام الإنجليزي بسبب نشأته في إنجلترا.
وقد تطغى فكرة العلاقات العاطفية على الجنسية الرياضية في أماكن أخرى، كما هو الحال مع زاها. لكن من دون قبول مبدأ أن الرياضة تدور حول «الرعاية وليس الطبيعة»، فإننا نخطو خطوة إلى الوراء، إلى الأيام التي تم فيها استبعاد جاك ليزلي، لاعب بليموث آرجيل، من صفوف المنتخب الإنجليزي، عندما أدرك الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أنه يملك بشرة غير بيضاء، وعندما تعرض جون بارنز لصافرات الاستهجان في ملعب «ويمبلي»، وعندما كان من المقبول الهجوم على زاها عبر الإنترنت لمجرد اختياره اللعب للبلد الذي ولد فيه. لكن الأمر الذي يبدو مؤكداً هو أن هناك تغييرات عميقة تجري على قدم وساق الآن، وأن أولئك الذين يشعرون بأن قرار اللاعب باللعب لمنتخب ما يعني عدم الولاء للمنتخب الآخر، هم مخطئون تماماً.
اللاعبون مزدوجو الجنسية... خسارة لبلادهم مكسب لإنجلترا
قرار اللاعب المشاركة مع منتخب ما لا يعني عدم الانتماء والولاء للمنتخب الآخر
اللاعبون مزدوجو الجنسية... خسارة لبلادهم مكسب لإنجلترا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة