إذا كنت من عشاق كرة القدم فستدرك على الفور أن اسم الكيان يعني كل شيء بالنسبة لك. ودائماً ما كانت الأموال هي المحرك الأساسي لهذه الرياضة، لكن الهوس بتغيير أسماء الأماكن بداية من عام 1992 عندما انطلق الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد قد نقل الجانب التجاري في هذه الرياضة إلى مستوى جديد تماماً، للدرجة التي جعلت الأمر يمتد إلى الأماكن العامة أيضاً.
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل الجمهور يرتبط بالفريق الذي يشجعه، ومن بين هذه الأسباب بالتأكيد التاريخ والتقاليد والمجتمع الذي يوجد به هذا النادي. وقد يكون من المألوف أن يتم تصوير أولئك الذين يعارضون إعادة تسمية أنديتهم على أنهم مثل «الديناصورات» التي انقرضت ولم يعد لها وجود في العصر الحديث. لكن في عصر أصبحت فيه الأحياء المحلية تعاني من التمزق والتفكك، أصبح التشبث بالاسم الأصلي لفريقك أو ملعبك أو حتى محطة السكك الحديدية المحلية واحدة من الدلالات القليلة المتبقية على الروح التي يتحلى بها المجتمع.
وهذا هو السبب الذي يجعل حتى سكان شمال لندن الذين يشجعون نادي توتنهام هوتسبير يعارضون محو اسم «وايت هارت لين» والإلقاء به في مزبلة التاريخ. وتفيد تقارير بأن الملعب الجديد لنادي توتنهام هوتسبير والذي سيتسع لـ62 ألف متفرج وسيتم افتتاحه أخيراً الشهر المقبل بمباراة الفريق أمام كريستال بالاس، سيتم إعادة تسميته ليحمل اسم «ملعب نايكي».
ويؤكد رئيس نادي توتنهام هوتسبير، دانييل ليفي، على أنه لم يتم الاتفاق على مثل هذه الصفقة، لكن يبدو أن قراراً آخر مثيراً للجدل قد اتخذ مؤخراً وجعل هذه اللحظة أقرب للحدوث من أي وقت أخر. فبالنسبة لليفي وزملائه المسؤولين في توتنهام هوتسبير، فقد نجحوا في الضغط على عمدة لندن، صادق خان، وهيئة النقل في لندن لإعادة تسمية محطة «وايت هارت لين» للسكك الحديدية لتصبح محطة «توتنهام هوتسبير».
ويعني هذا أن «الديناصورات التقليدية» في شمال لندن - أو المشجعين المخلصين كما أفضل أن أسميهم - سيعانون بكل تأكيد من ضربة مزدوجة، حيث سيتم إلغاء اسم «وايت هارت لين» بالكامل من المنطقة، وسيتم محوه من التاريخ من قبل تلك الكيانات والشركات المصممة على إضفاء الجانب التجاري على المساحات العامة. لقد تم تسمية ملاعب كرة القدم في الأصل على اسم المناطق التي شيدت بها. ومع انطلاق الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد عام 1992. تحولت أندية النخبة إلى علامات تجارية، لتصبح مجرد أدوات في أيدي رجال الأعمال والشيوخ والرأسماليين الذين يفعلون أي شيء من أجل كسب الأموال. وقد فعل الغريم التقليدي لنادي توتنهام هوتسبير، وهو نادي آرسنال، نفس الأمر وغير اسم ملعبه ليصبح ملعب «الإمارات» - كما فعل برايتون الأمر نفسه مع ملعب «أميكس»، ومانشستر سيتي مع ملعب «الاتحاد». وهناك أوجه كثيرة للشبه في هذا الأمر، منها على سبيل المثال أن محطة أنفاق «غيليسبي روود» قد تم تغييرها لتحمل اسم «آرسنال» في عام 1932.
وفي الحقيقة، يعد تغيير اسم محطة الأنفاق إلى «توتنهام هوتسبير» بمثابة ضربة هائلة لتاريخ وتراث هذه المنطقة، نظراً لأن «وايت هارت لين» هو الاسم التاريخي للمحطة. وكما يشير الالتماس المقدم من السكان المحليين، «فإنه يعكس اسم الطريق والحي. كما أن تراث نادي كرة القدم يعني الحفاظ على الاسم كما هو بدلاً من تحويل المنطقة بأكملها إلى مجرد صخب لنادٍ لكرة القدم».
ويعد توتنهام بإعادة الأموال إلى المجتمع المحلي. لكن آرسنال وعد من قبل بدفع سبعة ملايين جنيه إسترليني من أجل القيام بعمل تحسينات في مجال النقل، بما في ذلك تطوير محطتي «هولواي روود» و«درايتون بارك»، لكن ذلك الأمر لم يحدث مطلقاً. وفي الواقع، يشعر السكان المحليون في فينسبري بارك وهيبري بالغربة والعزلة. وكما أشار زعيم حزب الخضر، سين بيري، فإن إعادة تسمية محطة وايت هارت لين «تفتح المنحدر نحو إضفاء الجانب التجاري للعلامات التجارية والشركات» على المحطات المعروفة الأخرى وشبكة النقل.
وبالتالي، فإن السؤال المطروح الآن هو: على من سيكون الدور التالي؟ هل ستصبح «نايتسبريدج» «هوم أوف هارودز»؟ أم ستتغير محطة «يوستن» لتصبح «فيرجين»؟ أم سنرى «بيربري» بدلاً من «بوند ستريت»؟ وخلال إعدادي لكتابي الجديد الذي يحمل اسم «تحريك قائمي المرمى»، أجريت لقاءات مع عدد من جمهور هال سيتي الذين نجحوا في منع تغيير اسم النادي ليصبح «هال تايجرز»، وقد قال لي أحد المشجعين: «لقد استثمر والدي الكثير من الوقت والكثير من المال في هال سيتي. لقد استمر الأمر على مدى عقود طويلة. هذه الأندية هي نتاج المدينة والمناطق المحلية التي نشأت بها. ويجب أن يكون الملاك حماة لتاريخ أنديتهم وتراثها. وكلما ذهبت لمشاهدة مباريات كرة القدم أشعر بأن هناك رجلاً عجوزاً بداخلي، فالأمر أكبر بكثير من مجرد تغيير الاسم، لأنه يبلور ويجسد ما نحن عليه كمجتمع».
إن هذا الولع بتغيير الأسماء في عالم كرة القدم يعد أحدث دليل على الكيفية التي تحولت بها هذه الرياضة الجميلة، خلال القرن الحادي والعشرين، إلى صناعة ترفيه عالمية تهيمن عليها الهيئات والمؤسسات التجارية. وكما يقول سيمون كوبر، مؤلف مشارك في كتاب عن كأس العالم، فإن «القصة الحقيقية للدوري الإنجليزي الممتاز تتمحور بالكامل حول الأموال».
وعلى مدار الأعوام السبعة والعشرين الماضية، تم استبعاد العديد من المشجعين من كرة القدم، نظراً لأنه منذ التسعينيات من القرن الماضي قد ارتفعت قيمة تذاكر حضور المباريات بنسبة 600 في المائة، وهو الأمر الذي جعل الحضور المنتظم للمباريات بمثابة شيء لا يمكن تحمله من قبل طبقة معينة في المجتمع. وقد كان هذا التحول في التركيبة الديموغرافية لجمهور كرة القدم متوقعاً من خلال التقرير الذي أصدره الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عام 1991 والذي أشار فيه إلى كيفية تحرك قطاع الترفيه في مجتمع استهلاكي «لكي يناسب المستهلك الثري من الطبقة الوسطى».
لكن هذه التغييرات تشهد مقاومة الآن من داخل وخارج الملعب، حيث يقف السكان المحليون في شمال لندن ضد هيمنة الشركات والعلامات التجارية، وما زالوا يؤمنون بفكرة الانتماء المحلي والمجتمعي والحفاظ على القيم المشتركة. وإذا كان هناك أمل في هذا الإطار، فإنه يكمن في «الديناصورات التقليدية» التي تعارض هذا التغيير!
تغيير أسماء الأماكن التاريخية يُظهر أن كرة القدم أصابها الجشع
إعادة تسمية محطة «وايت هارت لين» إلى «توتنهام هوتسبير» تعد ضربة قوية للجماهير المخلصة ولتاريخ المكان
تغيير أسماء الأماكن التاريخية يُظهر أن كرة القدم أصابها الجشع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة