تحذيرات دولية من «عواقب وخيمة» لحرب بين إسرائيل و«حماس»

ملادينوف يشير إلى شح التمويل والنشاطات الاستيطانية في التصعيد

TT

تحذيرات دولية من «عواقب وخيمة» لحرب بين إسرائيل و«حماس»

رأى المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أن الأيام الأخيرة «أظهرت كم نحن قريبون من حافة الحرب» بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، محذراً من «عواقب وخيمة» لأي نزاع جديد كهذا.
وكان ملادينوف يتحدث مع أعضاء مجلس الأمن في نيويورك باسم غوتيريش، فأعلن أنه يكرس إحاطته حول «الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسألة الفلسطينية» للتقدم المحرز في تنفيذ قرار المجلس 2334.
وبينما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحافيين إنه «الأهم الآن هو وقف التصعيد وضبط النفس»، عزا ملادينوف الدورة الجديدة من العنف بين إسرائيل وحركة «حماس» إلى إطلاق صاروخ من غزة أصاب منزلاً قرب تل أبيب، مما أدى إلى جرح سبعة أفراد، بينهم ثلاثة أطفال. ثم قيام القوات الإسرائيلية بشن 42 غارة جوية وعمليات برية وبحرية على مواقع مختلفة في القطاع، مما أدى إلى إصابة سبعة فلسطينيين. واعتبر أن الهجمات التي استهدفت منطقة تل أبيب «تمثل تصعيداً بالغ الخطورة»، مضيفاً أنه عمل وفريقه مع السلطات المصرية وكل الأطراف المعنية من أجل «ضمان ألا يخرج الوضع عن السيطرة». وأكد أن «نزاعاً جديداً في غزة سيكون مدمراً للشعب الفلسطيني، وستكون له عواقب على الإسرائيليين، الذين يعيشون في محيط غزة، ويحتمل أن تكون له تداعيات إقليمية». وطلب من أعضاء المجلس «الانضمام إلى الأمم المتحدة في التنديد باستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ من (حماس) على إسرائيل»، داعياً كل الأطراف إلى «ممارسة أقصى قدر من ضبط النفس لأن الوضع لا يزال متوتراً للغاية».
وبالعودة إلى القرار 2334، أكد أن إسرائيل «لم تتخذ أي خطوات للوقف الفوري والكامل لكل النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية على النحو المطلوب في القرار 2334»، بل واصلت «أعمال الهدم والمصادرة للمباني التي يملكها الفلسطينيون في كل أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية».
وقال: «لم تشهد الأيام القليلة الماضية حلاً لأزمة التمويل الناجمة عن قرار إسرائيل حجب 6 في المائة من الإيرادات التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية»، التي «رفضت قبول أي تحويلات ما لم يُستعد المبلغ الكامل»، مشيراً إلى أن الحكومة الفلسطينية «بدأت تنفيذ تدابير تقشف شديدة» تشمل خفض الرواتب بنسبة 50 في المائة لنحو 60 في المائة من موظفي الحكومة الفلسطينية، فضلاً عن وقف الترقيات والتعيينات والمكافآت وشراء الممتلكات والسيارات وخفض 20 في المائة من النفقات التشغيلية في كل المجالات، بما في ذلك نفقات السفر والضيافة والوقود. ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية تخطط للاقتراض من البنوك المحلية من الآن وحتى يوليو (تموز) المقبل، علما بأنه «سيكون لهذا تأثير كبير على الاقتصاد الفلسطيني مما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية ومزيد من الانخفاض في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الضفة الغربية وقطاع غزة».
وعبر عن «القلق لأننا قد نواجه مرة أخرى تصعيداً خطيراً للعنف في غزة وله عواقب وخيمة»، محذراً من أن «اليومين الأخيرين أظهرا لنا كيف نحن قريبون للغاية من حافة الحرب». ورأى أن «الإطلاق العشوائي للصواريخ وقذائف الهاون ضد البلدات والقرى الإسرائيلية ينتهك القانون الدولي». وأضاف أنه «لا يزال يشعر بقلق بالغ من عدد الوفيات والإصابات بين الفلسطينيين على طول السياج مع غزة»، مشدداً على أن إسرائيل «تتحمل مسؤولية ممارسة ضبط النفس». ونصح بـ«استخدام القوة فقط عندما لا يمكن تجنبها». وإذ انتقد أعمال القمع التي تنفذها «حماس» في القطاع، أفاد بأن «الشعب الذي طالت معاناته في غزة لديه الحق في الاحتجاج من دون خوف من الانتقام».
ونبه إلى أن «عدم وجود حل لأزمة تمويل السلطة الفلسطينية يهدد بزيادة زعزعة الاستقرار بالفعل»، داعياً الطرفين إلى «مواصلة تنفيذ اتفاقاتهما الثنائية وتجنب اتخاذ إجراءات أحادية تقوض حل الدولتين». وعبر عن «قلق عميق من عدم إحراز تقدم نحو تحقيق حل الدولتين تمشياً مع قرارات الأمم المتحدة (...) المرجعيات الدولية».
وقال رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر، إن «الوضع على الأرض بالغ الصعوبة ويبعث على القلق»، محذراً من أن «قطاع غزة على وشك الانهيار، وعلى وشك نزاع جديد».
وأفاد القائم بأعمال البعثة الأميركية جوناثان كوهين بأن «الولايات المتحدة تندد بشدة بالهجوم الصاروخي على إسرائيل من غزة»، مؤكداً «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». وأضاف: «يتحمل كل منا حول هذه الطاولة مسؤولية التنديد بالهجمات الصاروخية»، ملاحظاً أنه «بالإضافة إلى إرهاب المدنيين الإسرائيليين، فشلت حماس في توفير الدعم للفلسطينيين في غزة، وفي الآونة الأخيرة، قامت بحملة عنيفة ضد المحتجين الفلسطينيين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.