روسيا تغازل أوكرانيا بالغاز

«غاز بروم» تبدي استعدادها لتصديره مباشرة وبأسعار مخفضة

أبدت شركة «غاز بروم» الروسية استعداداً لتصدير الغاز إلى أوكرانيا مباشرة وبأسعار تفضيلية (رويترز)
أبدت شركة «غاز بروم» الروسية استعداداً لتصدير الغاز إلى أوكرانيا مباشرة وبأسعار تفضيلية (رويترز)
TT

روسيا تغازل أوكرانيا بالغاز

أبدت شركة «غاز بروم» الروسية استعداداً لتصدير الغاز إلى أوكرانيا مباشرة وبأسعار تفضيلية (رويترز)
أبدت شركة «غاز بروم» الروسية استعداداً لتصدير الغاز إلى أوكرانيا مباشرة وبأسعار تفضيلية (رويترز)

فجر أليكسي ميللر مدير شركة «غاز بروم» الروسية مفاجأة حين أكد استعداد شركته تصدير الغاز لأوكرانيا مباشرة وبأسعار مخفضة. وجاء الإعلان عن هذا الموقف في وقت تستمر فيه الخلافات حول ملفات اقتصادية بين روسيا وأوكرانيا، تحت تأثير الخلافات السياسية المستمرة بينهما منذ نحو عقد ونصف.
ورأى خبراء أن تصريحات ميللر بهذا الصدد، والتي جاءت خلال لقاء مع سياسيين أوكرانيين نهاية الأسبوع الماضي، بينهم مرشح للرئاسة الأوكرانية، تحمل رسالة واضحة للجانب الأوكراني، حول إمكانية العمل على إيجاد حلول مناسبة لكل القضايا الاقتصادية العالقة، شرط تحسن مناخ العلاقات السياسية بين البلدين، الأمر الذي يرتبط بالضرورة بفوز مرشح للرئاسة تكون سياسته أكثر اعتدالاً نحو روسيا من سياسة الرئيس الحالي بيوتر بوروشينكو.
وكان رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف أجرى محادثات في روسيا مع يوري بويكو المرشح للرئاسة الأوكرانية، والسياسي فيكتور ميدفيدتشوك، سكرتير اللجنة السياسية لتجمع «من أجل الحياة» المعارض. وشارك في المحادثات من الجانب الروسي أليكسي ميلر مدير شركة «غاز بروم».
وفي مستهل حديثه، قال رئيس الوزراء الروسي إن العلاقات بين البلدين تمر عبر «أزمة عميقة»، وأشار إلى جملة قضايا حيوية يمكن بحثها، وتوقف بصورة خاصة عند التعاون في مجال الغاز، نظراً لانتهاء مفعول الاتفاقية الحالية بين البلدين نهاية العام الجاري، لذلك «يجب علينا أن نحدد ما الذي سنفعله بعد ذلك»، على حد قول رئيس الوزراء ميدفيديف، الذي حمل السلطات الأوكرانية الحالية المسؤولية عن تدهور العلاقات الثنائية، ووصف الأزمة حول صادرات الغاز إلى وعبر أوكرانيا بأنها «حادة بصورة استثنائية»، وعبّر عن قناعته بأن «الدينامية الاقتصادية في أوكرانيا يجب أن تفرض على أي شخص يأتي إلى السلطة أن يفكر ملياً».
من جانبه، سارع ميدفيدتشوك إلى التعبير عن المخاوف الأوكرانية من الوضع في مجال صادرات الغاز الروسي، وقال إن شبكة أنابيب الغاز الأوكرانية ستغدو فارغة، أي سيتوقف ضخ الغاز عبرها نهاية العام الجاري، مع بدء العمل عبر شبكة أنابيب «سيل الشمال - 2» التي توفر لروسيا إمكانية ضمان استقرار صادراتها إلى أوروبا، حتى بحال توقف التصدير عبر الشبكة الأوكرانية.
ورأى السياسي الأوكراني أن المخرج من هذا الوضع يكون بالعودة إلى اقتراح عرضه الرئيس السابق ليونيد كوتشما عام 2002، حول تأسيس «كونسورتيوم روسي - أوكراني» للغاز، يشرف على شبكة الأنابيب والصادرات الروسية لأوكرانيا، وعبرها إلى أوروبا.
وفي رده على كلام ميدفيدتشوك، قال ميللر إن «غاز بروم» كانت دوماً مع مشروع تشكيل كونسورتيوم للغاز، وأضاف: «إذا تقدم الجانب الأوكراني باقتراح بدء محادثات حول هذا الأمر، فنحن مستعدون للمشاركة فيها، وأن نكون طرفاً في كونسورتيوم نقل الغاز إلى وعبر أوكرانيا»، وعبّر عن قناعته بأنه «من شأن هذا المشروع أن يعزز الثقة والاستقرار بصادرات الغاز عبر أوكرانيا إلى المستهلكين في أوروبا». وزاد على ذلك بأن أكد استعداد شركته المحتكرة لصادرات الغاز الروسي، تمديد اتفاقية الترانزيت الحالية مع أوكرانيا، و«الانخراط في محادثات لتوقيع اتفاقية جديدة حول تصدير الغاز الروسي مباشرة لأوكرانيا (...) بأسعار للمستهلك النهائي أقل تقريباً بنسبة 25 في المائة من السعر الحالي».
وشكلت تصريحات ميللر مفاجأة غير متوقعة في الأوساط السياسية والاقتصادية، سيما وأنه رفض في وقت سابق فكرة تشكيل «كونسورتيوم» يشرف على شبكة الغاز الأوكرانية، وقال في تصريحات عام 2014: «غاز بروم غير مهتمة بالمشاركة في منظومة نقل الغاز الأوكرانية (...) القطار مضى». وفي أعقاب ذلك تبنت السلطات الأوكرانية قراراً يحظر مشاركة الشركات الروسية في كونسورتيوم كهذا، بينما أبقت الأبواب مفتوحة أمام الشركات الأميركية والأوروبية. ورأى خبراء أن إطلاق مدير «غاز بروم» تلك التصريحات «المفاجئة» مرتبط بـ«اللحظة السياسية» في أوكرانيا، في إشارة منهم إلى الانتخابات الرئاسية الأوكرانية نهاية شهر مارس (آذار) الجاري، وقالوا إنها مجرد وعود اقتصادية بخلفية سياسية.
وإلى جانب المضمون السياسي لتصريحاته، رأى مراقبون أن تصريحات ميللر ربما جاءت لأسباب اقتصادية، ترتبط باستراتيجية «غاز بروم» لرفع صادراتها إلى الأسواق الأوروبية. وبعد أن سجلت صادرات قياسية من الغاز إلى أوروبا بلغت 201.7 مليار متر مكعب من الغاز عام 2018، أكدت الشركة عزمها المضي في زيادة صادراتها. وهذا ما أعلنت عنه يلينا بوريميستروفا، مديرة «غاز بروم إكسبورت» التي قالت في وقت سابق: «أجل سجلنا صادرات قياسية. هذا واقع جديد. لا أعتقد أننا سنخفض صادراتنا في السنوات القادمة»، وتوقعت نمو الصادرات على المدى الطويل، منوهة إلى أن تراجع الإنتاج في أوروبا مع بقاء الطلب على حاله، سيخلق حاجة بصادرات إضافية تزيد على 81 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. ويقول الخبراء إن «غاز بروم»، حتى لو استفادت من الطاقة التصديرية القصوى لشبكات أنابيب «السيل التركي» و«سيل الشمال - 2»، والتي لا تزيد على 200 مليار متر مكعب سنوياً، فإنها ستكون بحاجة لشبكة الأنابيب الأوكرانية لزيادة صادراتها وتلبية احتياجات السوق الأوروبية.
تجدر الإشارة إلى أن بدايات أزمة الغاز بين روسيا وأوكرانيا تعود إلى عام 1991، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وحصولهما على استقلالهما. قبل ذلك كانت 95 في المائة من صادرات الغاز السوفياتي إلى أوروبا تمر عبر شبكة الأنابيب الأوكرانية. وفي عام 2009 وقعت «غاز بروم» وشركة النفط الأوكرانية «نافتو غاز» اتفاقيتين، واحدة تنظم تصدير الغاز إلى أوكرانيا، والأخرى نقله عبرها إلى السوق الأوروبية، وينتهي العمل بهما نهاية عام 2019.
وطيلة السنوات الماضية كانت الخلافات تتجدد حول مسائل متصلة بأسعار الغاز الروسي لأوكرانيا، وعجز الجانب الأوكراني عن تسديد التزاماته أمام الشركة الروسية، وعدم سحب أوكرانيا كميات الغاز الروسي المتفق عليها، وما إلى ذلك. وعلى خلفية تدهور العلاقات السياسية بين البلدين، وبصورة خاصة منذ عام 2015، توقفت أوكرانيا عن شراء الغاز الروسي، واعتمدت على «التصدير العكسي»، أي أنها بدأت تشتري الغاز الروسي لكن من أوروبا، وتعيده عبر الشبكة ذاتها إلى أراضيها. ويستمر النزاع بين «غاز بروم» الروسية و«نافتو غاز» الأوكرانية، وتحاولان حل خلافاتهما أمام محكمة التحكيم الدولية في استوكهولم.



الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
TT

الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)

قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، يوم الجمعة، إن اقتصاد ألمانيا سينكمش للعام الثاني على التوالي هذا العام، وسيكون تعافيه باهتاً، وربما يتفاقم بسبب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وتعاني ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، منذ سنوات، منذ أن فقد قطاعها الصناعي القوي القدرة على الوصول إلى الطاقة الروسية الرخيصة، وأيضاً مع تضاؤل ​​شهية الصين للصادرات الألمانية.

ومن المتوقع الآن أن يشهد الاقتصاد الألماني ركوداً خلال أشهر الشتاء ثم يتعافى بأبطأ وتيرة ممكنة؛ حيث سيكون الارتفاع المتوقع في الاستهلاك الخاص أقل ما كان مرتقباً، وقد يضعف سوق العمل أكثر وتتعافى استثمارات الأعمال ببطء.

وقال ناغل: «الاقتصاد الألماني لا يكافح فقط الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، ولكن أيضاً المشاكل البنيوية. كما تستجيب سوق العمل الآن بشكل ملحوظ للضعف المطول للنشاط الاقتصادي».

ويتوقع البنك المركزي الألماني الآن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، بعد أن توقع في يونيو (حزيران) توسعاً بنسبة 0.3 في المائة، بينما تم خفض توقعات النمو لعام 2025 إلى 0.2 في المائة من 1.1 في المائة سابقاً.

ولكن حتى هذه الأرقام قد تكون مفرطة في التفاؤل، كما حذر البنك، نظراً للتهديدات الناجمة عن الحمائية المتزايدة والصراعات الجيوسياسية وتأثير التغيير الهيكلي على الاقتصاد الألماني.

وأضاف البنك المركزي الألماني أن محاكاة الرسوم الجمركية المتزايدة المتوقعة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، تظهر أن الولايات المتحدة ستعاني من أكبر ضربة للنمو، ولكن ألمانيا ستخسر أيضاً ما بين 1.3 و1.4 في المائة من الناتج حتى عام 2027، وقد يرتفع التضخم أيضاً بسبب هذه التدابير.

وقال البنك المركزي الألماني إن التضخم سيرتفع بنسبة 0.1 إلى 0.2 في المائة سنوياً حتى عام 2027 بسبب سياسة الحماية التي ينتهجها ترمب، لكن نموذج المعهد الوطني للاقتصاد القياسي العالمي توقع انخفاضاً بنسبة 1.5 في المائة العام المقبل، و0.6 في المائة في عام 2026. وقال البنك المركزي الألماني: «المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي حالياً تميل إلى الجانب السلبي، والمخاطر التي تهدد التضخم تميل إلى الجانب الإيجابي»، مضيفاً أن الانتخابات الفيدرالية الألمانية في الأشهر المقبلة قد تغير التوقعات المالية.

وهذا الضعف المستمر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس، والتلميح إلى المزيد من التيسير في المستقبل، مع تراجع مخاوف التضخم إلى حد كبير وتحول التركيز نحو النمو.

لكن البنك المركزي الألماني ليس مستعداً بعد لإعلان الفوز في معركة التضخم؛ حيث قال يوم الجمعة إن تضخم أسعار المواد الغذائية قد يقفز، وإن تضخم الخدمات سيظل مرتفعاً، مما يبقي الزيادات في الأسعار أعلى من متوسط ​​منطقة اليورو.

وفي غضون ذلك، أظهرت البيانات يوم الجمعة تراجع الصادرات الألمانية على نحو ملحوظ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن أن الصادرات انكمشت في أكتوبر بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بسبتمبر (أيلول) السابق عليه، إلى 124.6 مليار يورو. كما انخفضت الصادرات بنفس النسبة على أساس سنوي.

وانخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة، أكبر سوق للصادرات الألمانية، بنسبة 14 في المائة على أساس شهري لتصل إلى 12.2 مليار يورو. وفي الوقت نفسه، انخفضت الصادرات الألمانية إلى الصين بنسبة 3.8 في المائة. وفي التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 0.7 في المائة.

وكتب كبير الاقتصاديين في مصرف «في بي»، توماس جيتسل، أن بداية الربع الأخير من عام 2024 لا تبشر بالخير مع الانخفاض الذي سجلته الصادرات في أكتوبر الماضي، وأضاف: «حتى لو كان الانخفاض الكبير في الصادرات إلى الولايات المتحدة يتعلق على الأرجح بالطلبيات الكبيرة، فإن التراجع يعطي لمحة عما يمكن أن يحدث في حالة حدوث نزاعات جمركية كبيرة مع الولايات المتحدة».

وتسببت المنافسة المتزايدة في الأسواق العالمية من الصين، على سبيل المثال، فضلاً عن مشكلات هيكلية في الصناعة الألمانية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والأعباء البيروقراطية الكثيرة، في إنهاك ألمانيا بوصفها دولة تصديرية لفترة طويلة. وكانت الصادرات قد انخفضت بالفعل في سبتمبر الماضي.

وانخفضت الواردات إلى ألمانيا بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر مقارنة بسبتمبر إلى 111.2 مليار يورو. وبالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، كانت هناك زيادة بنسبة 1.7 في المائة. وكان الميزان التجاري إيجابياً عند 13.4 مليار يورو.