شاشة الناقد

{لوسي} تؤكد إن {1+1} لايساوي 2

سكارلت جوهانسن تحمل مسدسا في «لوسي»
سكارلت جوهانسن تحمل مسدسا في «لوسي»
TT

شاشة الناقد

سكارلت جوهانسن تحمل مسدسا في «لوسي»
سكارلت جوهانسن تحمل مسدسا في «لوسي»

الفيلم: لوسي Lucy
إخراج: لوك بيسون
أدوار أولى: سكارلت جوهانسن، مورغان فريمان، عمرو واكد
الولايات المتحدة - فرنسا (2014)
تقييم الناقد: (2*)

في محاولتها تفسير حالة لم يمر بها مخلوق من قبل تنظر لوسي (سكارلت جوهانسن) إلى البعيد وتقول «واحد زائد واحد لا يساوي اثنين، كما اعتقدنا». من الصعب تجاوز هذه النقطة في فيلم تكلّف نحو خمسين مليون دولار لصنعه، ونصف هذا المبلغ لترويجه، لكن لوسي كانت تناولت، غصبا عنها، مخدّرا صناعيا خطرا تفشّى مفعوله في دماغها وغيّر نظرتها إلى الحياة والتاريخ وكل المسائل بينهما. غيّـر أيضا سكارلت جوهانسن من ممثلة لها حضور مثير للاهتمام إلى أخرى تشبه في جمود انفعالها الدور الذي أدّاه الراحل يول برينر في فيلم «وستوورلد» (إخراج مايكل كريتون، سنة 1973) حين لعب دور روبوتس لا يمكن إيقافه عن القتل.
الحكاية، التي تنطلق من العاصمة الكورية وتحط في باريس بعد قليل، تختلف إلى حد بعيد. المخرج الفرنسي لوك بيسون كتب سيناريو يرفع فيه القبعة تحيّة لستانلي كوبريك في «2001: أوديسا الفضاء»، ثم يحاول تقليده فيخفق. ففيلم كوبريك قراءة بصرية لمستقبل من صراع الإنسان والآلة لامتلاك صرح المعرفة، في حين أن الصراع هنا هو بين امرأة وعصابة كورية زرعت في أحشائها كيسا من المخدرات لكي تهرّبه. لكن بيسون يحاول أن يأتي ببصريات متلاحقة وسريعة وملوّنة كما فعل «أوديسا الفضاء» في نهايته لكي تعكس الحالة الذهنية المتطوّرة التي أصابت لوسي بعدما تمزّق الكيس في أحشائها وأثّر على قدراتها الدماغية لدرجة تستطيع معها أن تقود السيارة في الاتجاه المعاكس للسير تماما كما يفعل بطل كل فيلم بوليسي آخر هذه الأيام من دون أن يتناول أي مخدر.
عندما يتمزّق الكيس بمحتواه في أحشائها لا تموت، كما يقول المنطق، بل تستولي عليها قوّة بدنية خارقة. تقتل خمسة من أفراد العصابة وتجمع في حقيبة بيضاء كل ما وجدته من أسلحة متنوعة ثم تخرج إلى الشارع. هناك سائقا تاكسي تسأل أحدهما «هل تتكلم الإنجليزية؟»، يجيب لا. فتقتله. إما أن هذا امتداد لكره الفيلم وصانعه للكوريين، وإما أنه تجريم للشخصية، والأكثر ترجيحا الأول، فقتلها أفراد العصابة مفهوم ومبرر لكن قتلها سائق التاكسي لأنه لا يتحدث الإنجليزية أمر مشين يسألنا المخرج التغاضي عنه ونكاد لولا أنها في المشهد اللاحق تقتل مريضا كان الأطباء يجرون عليه جراحة. وفّرت عليهم المشاق وأخذت مكانه وطلبت منهم إخراج الكيس من معدتها.
مورغان فريمان يفسّر خلال ندوة علمية كيف أننا لا نستخدم أكثر من عشرة في المائة من قدراتنا الذهنية. هذا واضح من خلال صنع هذا الفيلم، لكن ما يقصده هو أننا حتى من خلال هذه النسبة المتدنية حققنا الكثير. والمخرج يريد التأكيد على ذلك. حين يذكر العالم القرد، تبنيا لمفهوم داروين، نرى قردا. حين يتحدّث عن الزمن يقطع علينا المخرج بلقطة لساعة. والمنوال ذاته حين تجد لوسي، وهي ما زالت فتاة تستخدم العشرة في المائة أو أقل، نفسها في فخ العصابة فإذا بالمخرج يستعين بشريط يبدو أنه استعاره من قناة «أنيمال بلانِت» يصوّر غزالا يدرك أنه سقط وسط مجموعة من الفهود المفترسة. يا للبلاغة.
عمرو واكد في دور رئيس جهاز البوليس الفرنسي وهو يفوز بقبلة خفيفة على الفم من الآنسة سكارلت، ربما لأنها كانت دخلت حالة اللاوعي واكتشفت أن 1‪+‬1 يساوي 11.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).