«التعاون الإسلامي» تدعو إلى تحرك دولي ضد الكراهية و«الإسلاموفوبيا»

دعت منظمة التعاون الإسلامي إلى عقد دورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لـ«إعلان الإسلاموفوبيا شكلاً من أشكال العنصرية» وإعلان يوم 15 مارس (آذار) تاريخ مجزرة المسجدين في نيوزيلندا، يوماً دولياً للتضامن ضد «الإسلاموفوبيا».
وأدانت المنظمة، في البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية للمنظمة على مستوى وزراء الخارجية، الذي عقد في مدينة إسطنبول أمس الجمعة، بدعوة من تركيا، لبحث تداعيات مجزرة المسجدَين في نيوزيلندا، بأشد العبارات، الهجوم الإرهابي المروع والشنيع في نيوزيلندا، الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصاً، يوم الجمعة قبل الماضي.
ودعت الأمم المتحدة إلى تعيين مقرر خاص معني بمكافحة «الإسلاموفوبيا»، وطالبت الأمين العام أنطونيو غوتيريش بالتواصل مع آليات المنظمة الدولية ذات الصلة، لتوسيع نطاق القرار 1267 بشأن العقوبات، ليشمل الأفراد والكيانات المرتبطة بالمجموعات العرقية المتطرفة.
كما دعت منظمة التعاون الإسلامي، في بيانها، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، إلى إنشاء مرصد يعنى بأعمال الكراهية ضد المسلمين، ويرفع تقارير عنها إلى الأجهزة المعنية. وأشار البيان إلى ضرورة انخراط الأمم المتحدة مع منصات التواصل الاجتماعي، لاتخاذ التدابير المؤسسية والتقنية لحظر أي محتوى يحرض على العنف والكراهية ضد المسلمين.
وأعربت المنظمة عن تقديرها لحكومة نيوزيلندا؛ لإدانتها الصريحة للهجمات الإرهابية، لا سيما الموقف الحازم الذي اتخذته رئيسة وزراء البلاد جاسيندا أرديرن.
وكان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين، قد حذر في كلمته في افتتاح الاجتماع الطارئ، من أن الفوضى ستطرق أبواب العالم، إذا لم يتم التصدي لخطاب الكراهية و«الإسلاموفوبيا».
وأكد العثيمين أن خطاب الكراهية و«الإسلاموفوبيا» يزداد يوماً بعد يوم، والملمح المشترك بين الأحزاب اليمينية المتطرفة، المناهضة حتى للمؤسسات الرسمية، هو «الإسلاموفوبيا»، وأعداد هذه الأحزاب تزداد بشكل غير مسبوق. وأضاف أنه «إذا لم يتم لجم هذا الخطاب بشكل فوري وعاجل، فإن الفوضى ستطرق البلدان المستقرة والعالم وترعب الآمنين».
وتابع: «إذا لم نمنع خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا، فسنشهد هجمات مماثلة لهجوم نيوزيلندا»، معتبراً أن هذا الخطاب «بات يهدد المجتمعات المسالمة في العالم». وأضاف أن «خطاب الكراهية القائم على الفكر اليميني المتطرف، لا يستهدف الإسلام والمسلمين فحسب؛ وإنما يستهدف كذلك الأنظمة والدول الغربية الليبرالية الديمقراطية».
وقال العثيمين: «لا يمكننا التغاضي عن الأنشطة التي تحرض على العنف، والتي يقوم بها المتعصبون جماعات أو أفراداً، وأياً كانت معتقداتهم الدينية»، معتبراً أن التعاون الإيجابي بين الدول الإسلامية الأعضاء بمنظمة التعاون، سيساعد في القضاء على التطرف والإرهاب، وعلينا التأكيد على أن الإرهاب لا دين ولا عرق له.
وأضاف أن منظمة التعاون الإسلامي تؤكد على تعزيز المبادرات التوافقية، مثل القرار رقم 16 - 18 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعنوان محاربة التعصب والقولبة النمطية السلبية، والوصم والتمييز والتحريض على العنف، وممارسته على الأشخاص بسبب المعتقد.
ووصف «مجزرة المسجدين» في نيوزيلندا بأنها «أمر بشع»، و«له تبعات خطيرة على العالم». وقال إن هذا الهجوم الإرهابي جرح مشاعر المسلمين والبشر بأسرهم، وأياً كانت الدوافع، فإن مرتكبه إرهابي يستحق أشد العقاب. وأشاد بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة النيوزيلندية عقب الهجوم.
وقال: «إننا نعرب عن كامل تقديرنا للحكومة النيوزيلندية التي اتخذت ما يلزم؛ حيث فتحت تحقيقاً فورياً في هذا الحادث، وقدمت الدعم للمجتمعات المسلمة المتضررة التي تعيش في تلك البلاد»، مؤكداً «أهمية وجود تشريعات حاسمة في الفضاء الإلكتروني الذي - للأسف الشديد - تحول إلى ساحة لتفريغ الأفكار المتطرفة».
وأعرب العثيمين عن أمله في أن يتمخض عن الاجتماع خطوات وقائية لاحتواء التطرف والإرهاب، الذي يستهدف المسلمين أينما كانوا.
وفي كلمته في افتتاح الاجتماع، طالب وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، باتخاذ إجراءات تجاه زيادة الحملات والهجمات العنصرية على الإسلام، قائلاً: «لا نقبل أن يوصم ديننا بالإرهاب».
وحمّل الوزير التركي وسائل الإعلام والسياسيين، الذين قال إنهم «ينشرون خطابات معادية للإسلام»، إضافة إلى الأجانب والمهاجرين، مسؤولية «ازدياد الإرهاب العنصري»، مشيراً إلى أن عدد الحملات والهجمات العنصرية في زيادة بالعالم، وفي الاتحاد الأوروبي.
وأكد نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية النيوزيلندي، وينستون بيترز، أن الإرهابي الذي نفذ الهجوم على مسجدَين في مدينة كرايستشيرش: «سيقضي بقية حياته في زنزانة انفرادية».
وقال في كلمته، خلال افتتاح الاجتماع: «إن شخصاً جباناً سعى قبل أسبوع لأن يرهبنا جميعاً، وأن يمزّق بلادنا، وقد تعرض الأشخاص الذين ذهبوا إلى المسجد لصلاة الجمعة لهجوم جبان وشنيع، أدى إلى مقتل 50 وإصابة 50 آخرين، ويتم علاج كثير من الأشخاص في المستشفيات».
وأكد أن الحكومة النيوزيلندية تسعى لأن يشعر المسلمون بالأمان في البلاد، «وقد كلّفت أفراداً من الشرطة لحراسة المساجد في هذا الصدد، وإن هذا أمر مهم للغاية، دولتنا تولي أهمية كبيرة للحرية الدينية، والهجوم على المسلمين هجوم علينا جميعاً».
وشدّد على أن نيوزيلندا أطلقت أكبر تحقيق في تاريخها لضمان التدقيق في كافة أبعاد الهجوم، «ولكن لا يمكن لأي عقوبة أن تعادل حجم قبح الجريمة»، موضحاً أن هدفهم الأساسي هو التأكيد على إدانتهم للهجوم على المسجدين في نيوزيلندا، مضيفاً: «نعيش في ظل ظروف صعبة للغاية، وقد جئنا إلى هنا لإدانة الهجوم الإرهابي الشنيع».
والتقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بيترز والوفد المرافق له، على هامش الاجتماع. وحضر اللقاء المغلق وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون.
وتم خلال الاجتماع بحث أبعاد الهجوم الإرهابي على المسجدين، والتصريحات التي أدلى بها إردوغان، والتي رأت فيها نيوزيلندا استغلالاً سياسياً من جانب إردوغان لما حدث، في إطار حملة الدعاية لحزبه (العدالة والتنمية) في الانتخابات المحلية التي تشهدها البلاد نهاية شهر مارس الجاري، لا سيما بعد أن قام بعرض فيديو المجزرة الذي تدخلت نيوزيلندا لحذفه من مختلف مواقع التواصل، وشبكة الإنترنت.
وبحسب مصادر قريبة من الاجتماع، حرص الجانب التركي على استبعاد فكرة الاستغلال والتوظيف السياسي للحادث، والتأكيد على أن تصريحات إردوغان لم تستهدف نيوزيلندا، في مسعى لإزالة التوتر الذي نتج عن عرض الفيديو في التجمعات الجماهيرية.
وكان إردوغان قد أشاد في كلمة خلال اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بموقف رئيسة وزراء نيوزيلندا، وتحركها بعد مجزرة المسجدين؛ مؤكداً أنه موقف يجب أن يحتذى به.
ودعا الرئيس التركي إلى ضرورة أن يعمل المسلمون معاً على قلب رجل واحد، في القضايا المتعلقة بمستقبل الأمة الإسلامية، قائلاً: «علينا إعطاء رسالة قوية للذين يتشاطرون النوايا نفسها مع الإرهابي منفذ الهجوم، عبر معاقبته بالعقوبة التي يستحقها، والكشف عن جميع ارتباطاته».
وأضاف أن «على السياسيين الذين يربحون الانتخابات بتبني مواقف تدعو لإقصاء المسلمين وكراهية اللاجئين، أن يضبطوا خطاباتهم. نحن نبدي موقفنا بوضوح حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي، وكي لا تغرق المساجد في الدماء».
وأشار إردوغان إلى وجود حاجة لتأسيس آلية قوية ترصد وتتابع جرائم الكراهية التي يتعرض لها المسلمون، ومن ثم تطرحها في الأجندة العالمية بشكل دائم، قائلاً: «وعلينا أن نزيد شركائنا، من خلال نقل قضية العداء للإسلام إلى منصات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي».
وقال: «استهدافي أنا شخصياً، وجعلي هدفاً للكراهية في الغرب، بسبب حديثي عن الحقائق، لن يعود بالفائدة على أحد». وأكد أنهم لم ولن يترددوا على الإطلاق في قول الحقيقة، ولن يخضعوا أمام خطابات الإعلام العنصري والنازيين الجدد، وضغوط السياسيين المعادين للأتراك والمسلمين. وفي مؤتمر صحافي، عقب الاجتماع، دعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، العالم، إلى التعاون في مكافحة ظواهر معاداة الإسلام والتعصّب والعنصرية والإرهاب.
وأضاف: «عبرنا خلال الاجتماع عن تضامننا ووحدتنا مع جميع المسلمين، وعلى رأسهم النيوزيلنديون، مثلما تحركنا سابقاً بخصوص فلسطين والقدس، ووجه الاجتماع رسالة تاريخية إلى معاداة الإسلام والعنصرية وكراهية الأجانب».
ورحب بالموقف الذي تبنته نيوزيلندا شعباً وحكومة، حيال الهجوم الإرهابي، مضيفاً: «نأمل أن يكون هذا الموقف مثالاً للسياسيين في جميع دول العالم، وخصوصاً في البلدان التي تتصاعد فيها العنصرية، ونحن سعداء للغاية بتلبية أصدقائنا النيوزيلنديين دعوتنا للمشاركة في الاجتماع ورؤيتهم بيننا».