السيناريوهات المحتملة أمام النظام الجزائري

TT

السيناريوهات المحتملة أمام النظام الجزائري

دفعت الاحتجاجات، التي شارك فيها مئات الآلاف من الجزائريين خلال الشهر المنصرم، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى التخلي عن الترشح لولاية خامسة، معلنا تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة أساسا في أبريل (نيسان) المقبل، وأن خبراء سيشرفون على الانتقال إلى «نظام جديد» في الأشهر المقبلة. لكن رغم ذلك استمرت المظاهرات التي أصبحت حدثا مألوفا في جل المدن الجزائرية، وأصبح معها السؤال التالي ملحا وفي غاية الأهمية: ما هي السيناريوهات المحتملة في الجزائر؟
قبل أيام أعلن بوتفليقة أن مؤتمرا وطنيا مستقلا وشاملا سيضع دستورا جديدا للبلاد، ويحدد موعدا للانتخابات، على أن يختتم عمله بحلول نهاية العام. وتشكلت حكومة جديدة مؤقتة من الخبراء. لكن هذه الخطة أصبحت موضع شك بسبب ضعف موقف بوتفليقة، في ظل إصرار المتظاهرين على تنحي الرئيس عندما تنتهي فترة ولايته، ومدتها خمس سنوات في أبريل المقبل، مشددين على أن هدفهم مواصلة الضغط ومنع تسلل «نظام بوتفليقة».
أما الجيش فقد نأى بنفسه عن التدخل في الأحداث السياسية، كما ينص على ذلك دستور البلاد، وقد قال رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح إن على الجيش أن يتحمل مسؤولية حل الأزمة، لكنه يترقب الموقف حتى الآن. غير أن الجيش يبدو في الوقت الراهن أكثر ترددا في التدخل مباشرة عن الماضي، خاصة أن قرار الجيش إلغاء الانتخابات البرلمانية عام 1992، والتي كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها قد أطلق شرارة الصراع، الذي خلف ما يصل إلى 200 ألف قتيل.
وفي ظل تراجع التيار الإسلامي، فقد يأتي زعيم جديد من التيار السياسي الرئيسي. ومن بين من برزوا كقادة للاحتجاجات رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور، والناشط الحقوقي والمحامي مصطفى بوشاشي.
ثمة سؤال آخر يطرح نفسه بقوة: ما هي المخاطر التي تنتظر الجزائر إذا لم يتم إيجاد حلول للأزمة السياسية؟
الحقيقة أنه يصعب تقديم أجوبة في الوقت الراهن، لكن الانعكاسات ستكون سلبية بكل تأكيد، على اعتبار أن الجزائر أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، ويربو عدد سكانها على 40 مليون نسمة. وهي منتج رئيسي للنفط والغاز، وعضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ومورد رئيسي للغاز إلى أوروبا. كما أن دول الغرب تنظر للجزائر على أنها شريك في مكافحة الإرهاب، وتلعب دورا عسكريا مهما في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، وتبذل جهودا دبلوماسية في الأزمات في مالي وليبيا. كما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو في الصحراء في خلاف مع جارها المغرب.
وفي ظل استمرار الاحتجاجات فإن التحديات التي تواجه المحتجين تكمن في خوفهم من أن تدفع فصائل داخل قوات الأمن المتظاهرين إلى العنف لتشويه سمعتهم، أو من أن تنحى المظاهرات منحى عنيفا، عندما لا تتم تلبية مطالب المحتجين. وهناك أيضا تحد آخر يتمثل في العثور على قادة يتمتعون بخبرة كافية، ودعم واسع النطاق في ظل افتقار من خدموا في عهد بوتفليقة للمصداقية في أعين المحتجين. كما يخشى المحتجون أن تتطلع الفصائل، التي تمسك بالسلطة وشبكات المحسوبية المرتبطة بها، إلى البقاء حتى عندما تتخلى عن بوتفليقة. فيما يعتقد معظم المراقبين بأنه عندما يترك بوتفليقة وجماعته السلطة، سيبقى النظام.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».