ابنة السفير الفلسطيني الراحل: والدي اغتيل.. وتكتم على سير التحقيقات

رنا قالت لـ إن الإعلام التشيكي «يضخم» المسألة

السفير الفلسطيني الراحل جمال الجمل
السفير الفلسطيني الراحل جمال الجمل
TT

ابنة السفير الفلسطيني الراحل: والدي اغتيل.. وتكتم على سير التحقيقات

السفير الفلسطيني الراحل جمال الجمل
السفير الفلسطيني الراحل جمال الجمل

قالت رنا الجمل، ابنة السفير الفلسطيني الراحل جمال الجمل، الذي قضى في حادثة انفجار في منزله في السفارة الفلسطينية في العاصمة التشيكية براغ، الأربعاء الماضي، إن نتائج التحقيقات بشأن حادثة مقتل والدها لم تنته بعد.
وأضافت قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لم نتسلم بعد أي معلومات، ما زالوا يتكتمون على سير التحقيقات».
ورفضت رنا التصريحات الفلسطينية والتشيكية الرسمية حول حادثة مقتل والدها، وقالت إن الحادث «مدبر». وأوضحت: «كل المؤشرات تقول إنه كان مدبرا، نحن نعتقد أنها عملية اغتيال».
ولم تشر الجمل إلى أي جهة محددة، وقالت إنها لا تتهم أي طرف حتى الآن، لكن والدها كان «سفيرا لدولة تحت الاحتلال».
وكانت الشرطة التشيكية استبعدت أن يكون الانفجار في منزل السفير ناجما عن عمل «إرهابي»، وتحدثت عن انفجار عرضي سببه خلل في نظام حماية مخصص لخزنة في مسكن السفير.
بدورها، قالت الخارجية الفلسطينية في بيان: «إن الانفجار وقع عندما حاول السفير الجمل فتح خزنة قديمة نقلت من مقر السفارة القديم إلى المقر الجديد». وأضافت: «إن الانفجار وقع بعد دقائق من فتح الخزنة».
والجمعة الماضي وصل وفد فلسطيني للمشاركة في التحقيق في قضية مقتل الجمل.
ونفت رنا أن يكون الانفجار ناتجا عن قنبلة موضوعة في خزنة قديمة، أو نتيجة نظام أمني. وقالت: «الخزنة كانت تستخدم على الدوام من قبل موظفي السفارة منذ 30 عاما قبل نقلها إلى المقر الجديد». وأَضافت: «لم تكن مهملة أبدا، حتى والدي كان يستخدمها قبل عام 2006 قبل أن يغادر التشيك إلى مصر».
وشنت الجمل هجوما على الإعلام التشيكي، قائلة إنه يحاول تضخيم المسألة وحرف التحقيق عن مساره. وأضافت: «يتحدثون عن قنبلة داخل الخزنة وعن أسلحة داخل السفارة. أنا لا أفهم، هل يضع شخص خزنة فيها قنبلة في غرفة نومه؟ هل هذا معقول؟».
وأردفت: «الخزنة نقلت بمعرفة والدي إلى مكان سكنه، فتحها ولم تنفجر كما يقال. طلب من والدتي قلما وورقة وكأس ماء ثم وقع الانفجار». وتساءلت: «هل تحوي خزنة قديمة على تقنيات أمنية بهذه الطريقة.. أن تنفجر بعد فتحها؟».
ووصفت الجمل التركيز على وجود أسلحة داخل السفارة بمحاولة لتحويل الضحية إلى جان. وقالت: «أعتقد أن كل سفارة في العالم لديها أسلحة لحماية أمنها، ويجب عدم إعطاء الموضوع أكبر من ذلك».
وكانت الشرطة التشيكية أكدت أول من أمس، العثور على 12 قطعة سلاح داخل مقر السفارة بعضها غير مرخص.
ورد تيسير جرادات وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية الموجود في براغ بقوله إن الأسلحة كانت مجرد هدايا من حقبة سابقة وإنها كانت مخزنة. وأضاف: «أكدنا للسلطات أننا ملتزمون بالأعراف والقوانين التي تنظم العلاقات الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي ولم يسبق لأي سفارة فلسطينية أن تورطت في موضوع الأسلحة». وأردف في حديث لـ«صوت فلسطين»: «الأسلحة تعود إلى أكثر من 30 عاما».
وعقبت رنا بالقول: «والدي لم يكن مطلقا يعمل في هذا المجال (السلاح).. ولم نكن قلقين على حياته أبدا». واستبعدت وقوف جهة فلسطينية وراء الحادثة.
وكان الجمل شن هجوما عنيفا على حركة حماس أثناء وجوده في الإسكندرية العام الماضي، عندما كان قنصلا هناك، وردت حماس عليه باتهامات مماثلة.
وعقبت رنا: «لا أعتقد أن تكون جهات فلسطينية. أنا أستبعد ذلك تماما، الأكثر احتمالا أنه اغتيل لأغراض سياسية مثلما اغتيل سفراء آخرون في أوقات سابقة».
ومن المفترض أن يوارى جثمان الجمل إلى مثواه الأخير في رام الله غدا (الأربعاء) بحسب بيان للخارجية الفلسطينية. وقالت الوزارة إن «مراسم دفن السفير الراحل جمال الجمل، سفير دولة فلسطين لدى جمهورية التشيك، ستقام يوم الأربعاء الموافق الثامن من يناير (كانون الثاني) حيث سيورى الجثمان الثرى في مقبرة البيرة الجديدة (رام الله)، بعد صلاة الظهر في مسجد العين في مدينة البيرة، وسيقام بيت العزاء في قاعة الهلال الأحمر، نفس اليوم من الساعة الرابعة عصرا وحتى الثامنة مساء».
وتنتظر رنا وصول عائلتها من التشيك إلى رام الله، للمشاركة في مراسم التشييع.
وتنحدر عائلة الجمل من يافا، وهاجرت عام 1948 مع بقية المهاجرين.
والجمل من مواليد بيروت عام 1957، وهو متزوج وله ولدان وابنتان. والتحق بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عام 1975، وعمل مساعدا للسفير الفلسطيني في بلغاريا عام 1979. كما عمل دبلوماسيا في سفارة فلسطين لدى براغ في 1984، ثم عُين قائما بأعمال السفارة في وقت لاحق.
وشغل الجمل منصب قنصل عام لدولة فلسطين في الإسكندرية للفترة من 2005 إلى 2013، وعُين سفيرا لدولة فلسطين لدى جمهورية التشيك في أكتوبر (تشرين الأول) 2013.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.