انقسام أوروبي حول «خطورة» التمدد الاستثماري والتجاري الصيني

شي يبدأ جولة أوروبية وعينه على اتفاقات استراتيجية

يبدو الانقسام واسعاً بين الشركاء الأوروبيين حول التوسع الصيني الهائل في القارة (رويترز)
يبدو الانقسام واسعاً بين الشركاء الأوروبيين حول التوسع الصيني الهائل في القارة (رويترز)
TT

انقسام أوروبي حول «خطورة» التمدد الاستثماري والتجاري الصيني

يبدو الانقسام واسعاً بين الشركاء الأوروبيين حول التوسع الصيني الهائل في القارة (رويترز)
يبدو الانقسام واسعاً بين الشركاء الأوروبيين حول التوسع الصيني الهائل في القارة (رويترز)

يبدأ الرئيس الصيني شي جينبينغ جولة أوروبية اليوم الخميس يستهلّها بإيطاليا. ويؤكد مراقبون أنه يصل إلى قارة منقسمة حيال التعامل مع التوسع الصيني الهائل في عدد من الدول الأوروبية، خصوصاً في قطاعات استراتيجية تندرج في إطار مشروع «طريق الحرير» أو ما بات يعرف بـ«الحزام والطريق» الذي يزعج الولايات المتحدة ويثير مخاوف في باريس وبرلين وبروكسل.
لكن الصين تعرف جيداً كيف تلعب على التناقضات وتتلمس المصالح المشتركة، وفق خبراء بالشأن الصيني؛ إذ سيجري السبت المقبل في إيطاليا توقيع اتفاقيات تريدها روما رغم كل المخاوف الأوروبية من التوسعات الاستثمارية الصينية. وهذه الاتفاقيات تشمل مشاريع بنى تحتية في قطاعات السكك الحديدية والنقل البحري، والتي تجتاز دولاً آسيوية قبل أوروبا، وذلك لتسهيل التبادل التجاري عبر القارتين.
وفي التفاصيل؛ ستشمل الاتفاقيات مع إيطاليا مرافئ تستطيع إذا توسعت استقبال البواخر التجارية الصينية العملاقة. ويقول محلل في «هارفرد كيندي سكول» إن بكين تركز توسعاتها الاستثمارية في مناطق تشكل في نهاية المطاف دائرة محكمة الرسم تخدم أغراضاً جيوسياسية، إلى جانب تحقيق الأهداف الاقتصادية المباشرة.
وبالنسبة لإيطاليا، فإن الهدف هو جذب البواخر الصينية إلى موانئ جنوا وتريست وباليرمو لتفريغ بضائع وجهتها الأسواق الأوروبية، وتريد روما بذلك منافسة موانئ هامبورغ وروتردام. ولتوسيع وتطوير تلك الموانئ تحتاج إيطاليا إلى استثمارات صينية بعضها بدأ بالدخول؛ والبقية تأتي.
وتشير تقارير أوروبية إلى أن إيطاليا أتت خلال السنوات العشر الماضية في المرتبة الثالثة أوروبياً من حيث جذب الرساميل الصينية، وبمبالغ متراكمة وصلت إلى 26 مليار دولار. ومن بين الاستحواذات هناك حصص في شركات: «بيرللي» و«إيني» للطاقة، و«إينل» للكهرباء، و«أنتيسا» و«يوني كريديت» في القطاع المالي والمصرفي.
كما أن فرنسا بين الأهداف الأوروبية التي تضعها الصين في خططها؛ ففي 2018 فقط دخلت رساميل صينية بنحو 6.3 مليار دولار للاستثمار في شركة «سانت هوبير» للأغذية، ومجموعة «آكور» للفنادق، فضلاً عن شركات صناعية؛ أبرزها واحدة مختصة في تكنولوجيا البطاقات الإلكترونية المتطورة.
في المقابل، أشار مراقبون إلى أن الهجمة الاستثمارية الصينية قد تتراجع لأن عام 2018 شهد تشديداً في بكين على خروج الرساميل، وبنتيجة ذلك تراجع الاستثمار الصيني في أوروبا بنسبة 40 في المائة، ليهبط إلى 19.6 مليار دولار، لكن ذلك التراجع لم يشمل إلا القطاعات التي باتت تراها بكين هامشية على أن يبقى التركيز حالياً على القطاعات الاستراتيجية والتكنولوجية فقط، وبمبادرات من شركات عامة، مقابل تراجع الاستثمارات الصينية الخاصة في دول الاتحاد الأوروبي.
ودفع ذلك الهجوم الاستثماري والتجاري دولاً أوروبية إلى إعادة تصنيف الصين في خانة المنافس لا الشريك. وتعلو أصوات في مقر المفوضية في بروكسل حالياً ضد المبالغة في انفتاح إيطاليا على الاستثمارات الصينية من دون استشارة الشركاء الأوروبيين الآخرين، لأن ما ترمي إليه بكين هو الهيمنة على شبكة نقل ذات أهمية جيو - استراتيجية.
ويستحضر المعارضون أيضاً تقريراً سابقاً صادراً عن البيت الأبيض يحذر فيه بوضوح من التمدد الصيني في أوروبا؛ الشريك السياسي والأمني الأول للولايات المتحدة الأميركية. والتحذير الأميركي أتى على ذكر قطاعات محددة، مثل التكنولوجيا الحساسة أمنياً. وعلى سبيل المثال لا الحصر، حذرت واشنطن الأسبوع الماضي من سيطرة صينية محتملة على شركة كهرباء برتغالية، ووجهت لوماً إلى لشبونة لأنها لا تحذر من التمدد الصيني بما فيه الكفاية.
ويقول مفوضون أوروبيون إن دول الاتحاد تتأخر في أخذ موقف مشترك صارم، ويعولون على اجتماع يضم الدول الـ28 الأعضاء مساء اليوم الخميس لتخصيص حيز من الوقت لمناقشة المسألة الصينية. وقال مفوض: «إنها المرة الأولى التي تناقش فيها توسعات بكين على مستوى قادة دول الاتحاد، وسيتناول النقاش أيضاً تحضير قمة أوروبية - صينية الشهر المقبل تضع أمام بكين حقائق عن التغير المناخي، وحقوق الإنسان، إلى جانب المعاملة التجارية والاستثمارية بالمثل».
لكن أوروبيين لا يعولون كثيراً على تماسك اللهجة الصارمة، لأن دولاً وازنة مثل ألمانيا لا ترغب في عرقلة قنوات الاستثمار والتجارة، ومع ذلك لا تعارض المستشارة أنجيلا ميركل بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع المصالح الأوروبية على طاولة الحماية النسبية.
ويؤكد مستشارون في المفوضية أن هناك وعياً بخطورة ترك الصين تتوسع كما تريد، لكن لا استراتيجية أوروبية موحدة تقف إزاء ذلك التمدد. ومن علامات الارتباك أن الدراسات والتقارير تقول الشيء ونقيضه أحياناً، وأن دولاً تقدم مقترحات جديدة إلى جانب أخرى قديمة عفا عليها الزمن في هذا المجال، مثل استحضار توصية عمرها 7 سنوات خاصة بضرورة فتح الصين سوق مناقصاتها العامة أمام الشركات الأوروبية. فهذه المناقصات حجمها 9 تريليونات دولار سنوياً، منها 1.6 ترليون في الصين وحدها، لكن السوق الصينية مغلقة.
ويسعى مفوضون لخلق آليات تحقيق عندما يتعلق الأمر بشروط تمييزية أو حصرية واحتكارية تفرضها السلطات الصينية. وهناك اقتراح بوضع قيود على الشركات الصينية الداخلة في مناقصات أوروبية، مثل رسوم بنسبة 20 في المائة إضافية بالنظر إلى عدم المعاملة بالمثل. بيد أن كل تلك المقترحات لا تجد إجماعاً حتى الآن. وهناك اختلاف واضح في وجهات النظر بين دول شمال أوروبا ودول جنوبها؛ فالأولى تدافع عن مصالح تجارية بالدرجة الأولى، بينما الثانية ترمي لأهداف صناعية قبل كل شيء، مقابل انفتاح بلا قيود لدى دول أوروبا الشرقية على الاستثمارات الصينية، لأن الأموال تنقصها وبناها التحتية بحاجة للتطوير.
ويذكر أن التشاؤم ليس شاملاً في بروكسل، فهناك من يعطي أهمية بالغة لاتفاق أوروبي ممكن على صعيد «فلترة» الاستثمارات الصينية، خصوصاً تلك التي تستهدف القطاعات الاستراتيجية. وثمة تفاؤل بشبه توافق شامل لوضع أطر وضوابط عامة. وما يشجع على إقرار ذلك أن الدول الأوروبية لا تخاف فقط من الاستثمارات الصينية؛ بل من الروسية أيضاً. لذا؛ فالضوابط العامة تحول دون أي تغلغل غير مرغوب فيه، سواء أتى من بكين أو من موسكو أو غيرهما. وما هو معمول به حالياً لا يتجاوز حد تبادل المعلومات ومرصد مراقبة عامة يطلق تحذيرات. فعندما تضع دولة ما تحفظاً يدور نقاش حول المسألة المعنية لإيجاد حل مبدئي لها. لكن الهدف النهائي أكبر من ذلك، فالطريق مقطوع نصفها لأن 14 دولة تضع حالياً ضوابط، والمراد هو ضم الـ14 الأخرى ليصبح الاتحاد الأوروبي كتلة واحدة صادة للتوسع الصيني الرامي للهيمنة الاستراتيجية.



«المركزي التركي» يعدل من توقعاته للتضخم في ظل تفاؤل باستمرار التراجع

أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
TT

«المركزي التركي» يعدل من توقعاته للتضخم في ظل تفاؤل باستمرار التراجع

أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)
أتراك يتجولون بين المقاهي على كوبري عالاطا في إسطنبول مطلع العام الجديد (د.ب.أ)

عدل البنك المركزي التركي من توقعاته للتضخم وأسعار الفائدة والصرف ومعدل النمو بنهاية العام الحالي، وسط تحذيرات من تداعيات السياسات الاقتصادية «الخاطئة» وأزمة التضخم وزيادة الضرائب التي دفعت الأفراد إلى سلوكيات استهلاكية مفرطة.

وحسب «استطلاع يناير (كانون الثاني) 2025 للمشاركين في السوق»، الذي تم إجراؤه بمشاركة 68 ممثلاً من القطاعات المختلفة، ونشره البنك المركزي، بلغ متوسط توقعات التضخم السنوي، حتى نهاية العام، 27.05 في المائة.

وتراجعت توقعات التضخم للأشهر الـ12 المقبلة، بدءاً من يناير الحالي، إلى 25.38 في المائة من 27.07 في المائة في الاستطلاع السابق، ما اعتبر إشارة إلى تحسن نسبي في التوقعات قصيرة الأجل مقارنة بالعام بأكمله.

متسوقة تعاين الأسعار في سوبر ماركت بإسطنبول (إعلام تركي)

كما تراجعت توقعات سعر الفائدة لشهر يناير الحالي إلى 45 في المائة، مقابل 48.59 في المائة في الاستطلاع السابق، ما يعكس تفاؤلاً بالاستمرار في الانخفاض التدريجي في أسعار الفائدة.

وبالنسبة لسعر الصرف توقع المشاركون في الاستطلاع أن يرتفع سعر صرف الدولار إلى 43.03 ليرة تركية في نهاية العام الحالي، وأن يرتفع خلال الأشهر الـ12 المقبلة إلى 43.81 ليرة من 43.23 ليرة في الاستطلاع السابق، ما يعزز القلق بشأن استمرار ضعف العملة التركي.

وبالنسبة لتوقعات النمو، ظلت ثابتة دون تغيير عند معدل 3.1 في المائة كما في الاستطلاع السابق، بينما ارتفعت التوقعات لعام 2026 إلى 3.9 في المائة.

وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك (إكس)

وفي تقييمه لنتائج استطلاع المشاركين في السوق لشهر يناير، قال وزير الخزانة والمالية التركي، محمد شيمشك، إنه من المتوقع أن يشهد التضخم السنوي تراجعاً كبيراً خلال العامين المقبلين؛ إذ يتوقع أن ينخفض بمقدار 17 نقطة ليصل إلى 27.1 في المائة بنهاية العام الحالي.

وأضاف شيمشك أن التوقعات الخاصة بالتضخم السنوي تتحسن مع تقدم جهود مكافحة التضخم، وقد انخفضت على مدار 15 شهراً متتالياً، وفي عام 2024، شهدنا انخفاضاً بمقدار 20 نقطة في التضخم السنوي.

وأكد شيمشك أن الحكومة ستتخذ خطوات جديدة في مجالات الغذاء والإسكان والطاقة بهدف دعم جهود مكافحة التضخم، لافتاً إلى أهمية استمرار تحسن التوقعات.

وأضاف: «نخطط لتنفيذ سياسات عرضية لدعم هذه المجالات الحيوية إلى جانب السياسات التي تركز على الطلب».

في السياق ذاته حذر الخبير الاقتصادي الأكاديمي التركي، مهفي إيغيلماز، من «تداعيات السياسات الاقتصادية الخاطئة»، موضحاً أن أزمة التضخم وزيادة الضرائب دفعت الأفراد إلى سلوكيات استهلاكية مفرطة، وصفها بمصطلح «المنفق الهالك».

ولفت، عبر حسابه في «إكس» إلى أن السياسات الحالية المرتبطة بخفض أسعار الفائدة تسببت في تعقيد الوضع الاقتصادي، موضحاً أن المقصود بمصطلح «المنفق الهالك» هو الشخص الذي يفتقر إلى الأمل في المستقبل ويختار الإنفاق الفوري بدلاً من الادخار، وهو ما يعكس تأثيرات السياسات الاقتصادية غير المدروسة في السنوات الأخيرة.

وذكر إيغيلماز أن خفض الفائدة في عام 2021 أدى إلى قفزات كبيرة في معدلات التضخم، مؤكداً أن خفض الفائدة لمحاربة التضخم كان خطأ فادحاً، ما حول التضخم المرتفع إلى تضخم مفرط».

وأضاف أن رفع الفائدة كان هو الحل الأنسب للخروج من هذه الأزمة، وأن السياسات المالية خلال عام 2022 شجعت على زيادة الاستهلاك بشكل كبير، حيث دفعت الفائدة السلبية الحقيقية المواطنين إلى الاقتراض والإنفاق بدلاً من الادخار، ما أدى إلى اعتماد الكثيرين على القروض لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (الرئاسة التركية)

وأصر الرئيس التركي على مدى سنوات على خفض الفائدة معتبراً أن الفائدة المرتفعة هي السبب في زيادة التضخم، مخالفاً في ذلك النظريات الاقتصادية الراسخة.

وعزل إردوغان 5 رؤساء للبنك المركزي التركي في 3 سنوات، لإصراره على المضي في خفض الفائدة، إلى أن عاد وتقبل السياسة العقلانية التي أعادها وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، عقب تعيينه في منصبه، في يونيو (حزيران) 2023، عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي أجريت في مايو (أيار) من ذلك العام.

وأكد إردوغان، مراراً خلال الأسابيع الأخيرة، أن الحكومة ستواصل عملها على خفض التضخم، مطالباً المواطنين بالمزيد من الصبر.

وحذر إيغيلماز من أن استمرار السياسات الخاطئة سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. ودعا إلى مراجعة عاجلة للسياسات النقدية لتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.