ميلوول... فريق إنجليزي اشتهر بسوء السمعة منذ عقود

في عالم كرة القدم، دائماً ما يكون الحصول على سمعة سيئة أسهل من التخلص منها. والآن، ما أول شيء يتبادر إلى ذهن عشاق كرة القدم عندما يسمعون اسم نادي ميلوول، الذي نجح في الوصول إلى دور الثمانية لكأس الاتحاد الإنجليزي وخسر أمام برايتون بركلات الترجيح بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل بهدفين لكل فريق؟ الشغب الجماهيري خلال مباراة الفريق أمام إيفرتون في وقت سابق من المسابقة يؤكد أنه لم يتغير أي شيء منذ أحداث العنف التي وقعت في الدور نصف النهائي للبطولة عام 2013.
ولسوء حظ جميع من حاولوا تغيير الصورة السيئة المرتبطة بنادي ميلوول على مر السنين، لا أعتقد أن من يُطرح عليهم هذا السؤال سيقولون مثلاً إنه أفضل نادٍ عائلي في دوري الدرجة الثانية لعام 2017 أو أن صادق خان، عمدة لندن، قد أشاد أخيراً بالأعمال الخيرية والاجتماعية لهذا النادي! وقد لخص غاري روبسون، المؤلف وعالم الاجتماع الشهير، هذا الأمر في كتابه «لا أحد يحبنا... ونحن لا نهتم»، عندما قال: «لقد أصبح نادي ميلوول مرادفاً، من بين أشياء أخرى، لبلطجة الغوغاء والعنف، والرجولة التي لم تتم إعادة بنائها، والثقافة الحضرية المظلمة التي لا يمكن اختراقها، وفاشية الطبقة العاملة». وأضاف: «إن الحالة النموذجية لجمهور ميلوول هي حالة مُحيرة ومُعقدة، قد تشابكت فيها الأساطير والواقع معاً بشكل وثيق، لدرجة أن بعض المتورطين في الأمر عن قرب ليسوا متأكدين من معرفة من أين يبدأ الشخص ومن أين ينتهي. إنها قصة عنف وفساد حقيقي وغير ملفق، لأنماط معينة ومحلية من الثقافة الذكورية». وبعبارة أخرى، لقد أصبح الوضع في ميلوول غريباً وصعباً إلى درجة كبيرة.
ولم يكن من السهل بكل تأكيد على المسؤولين عن نادي ميلوول أن يغيروا الطريقة التي ينظر بها الناس إلى دور هذا النادي في كرة القدم الإنجليزية، نظراً لأن النادي قد كون هذه السمعة السيئة على مدى عقود، وقد زاد الأمر سوءاً في الآونة الأخيرة بعد مشاهدة مقطع الفيديو الذي يظهر فيه أحد مشجعي إيفرتون وهو يعاني من جرح كبير في وجهه وفمه، نتيجة الهجوم عليه من قبل جمهور ميلوول قبل مباراة الفريقين في كأس الاتحاد الإنجليزي في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وحتى مثيري الشغب الأكثر تطرفاً في مجال كرة القدم يتصرفون في ضوء حدود معينة، لكن هذا الحادث أظهر أن جمهور ميلوول يختلف عن الآخرين تماماً ولديه قدر أكبر من الشر والعنف ولا يلتزم بالقواعد العادية التي تسري على الجميع، وهو ما يجعل من الصعب على أي شخص أن يدافع عن هذا النادي وما يقوم به جمهوره، إلا إذا كان هناك من يريد أن ينكر الحقيقة التي نراها جميعاً! ومن الغريب أن تكون هناك وجهة نظر أخرى ترى أن ملعب نادي ميلوول يعد واحداً من الملاعب الأكثر أماناً في العاصمة البريطانية لندن، وأن هذا الملعب أصبح أقل ضغطاً وعصبية من تلك الأيام التي وصفت فيها المجلة التي تصدر باسم نادي آرسنال تجربة الدخول إلى ملعب «كولد بلو لين» والخروج منه بأنها «تشبه الوجود في مناورات عسكرية في بعض المواقع التي ينتشر فيها العدو في فيتنام».
وعندما تخرج من محطة «ساوث بيرموندسي» هذه الأيام، تجد هناك اتجاهاً خاصاً تم إنشاؤه بالخارج مباشرة لتوجيه الجمهور إلى الملعب. وفي الأيام التي لا تقام فيها أي مباريات، يكون هذا المسار عبارة عن طريق طبيعية للمشاة ومن يريد أن يركض، في الوقت الذي تظهر فيه القطارات القريبة على جسر لندن. وعندما يلعب نادي ميلوول إحدى المباريات على أرضه، فإن الأمر يختلف تماماً، حيث يمتد هذا المسار بالتوازي مع خطوط القطار، وقد تم تصميمه بشكل استراتيجي لإبقاء مستخدميه بعيداً عن الشوارع المحيطة بالملعب. وعلاوة على ذلك، فإنه محاط بسياج معدني بارتفاع 6 أقدام، فضلاً عن سلسلة من البوابات المسدودة لمنع أي شخص من السير في الاتجاه الآخر. ويسير الشخص في هذا المسار الخلفي لبضع مئات من الأمتار قبل أن يخرج من نهايته مباشرة.
إنها طريقة مفيدة إذا كانت الفكرة تتمثل في إبقاء جمهور كل فريق بعيداً عن الجمهور الآخر. لكن عندما تتوقف وتفكر في الأمر بشكل صحيح ترى أن هذا النظام كان ضرورياً مع نادي ميلوول وجمهوره. وأتساءل هنا: هل يوجد مكان آخر في كرة القدم الإنجليزية يكون فيه من الضروري الفصل التام بين جمهور النادي الضيف وجمهور الفريق المضيف، خارج الملعب وداخله؟ وبالمناسبة، يعرف هذا المسار باسم «طريق الجبناء»! وفي آخر مرة مشيت فيه، كان الأمر كأنه تذكير بمدى انحدار سمعة ميلوول. ويمكنك رؤية كثير من الأدلة على هذا الأمر من خلال الملصقات الموضوعة على حوائط هذا المسار، التي تحمل كثيراً وكثيراً من كلمات التعصب والتطرف، كما يوجد كثير منها على أعمدة الإنارة المختلفة. وقد زاد الأمر سوءاً بعد الهجوم العنيف على جمهور نادي إيفرتون.
ولكي نكون منصفين ونشير إلى الأمور بقدر أكبر من التوازن والحيادية، يجب أن نشير إلى أن «الرابطة الاجتماعية» لنادي ميلوول تقيم عدداً من الفعاليات اليومية الجيدة، كما تجب الإشارة إلى حقيقة أن هناك جيلاً جديداً من مشجعي النادي الذين أصبحوا أكثر تقبلاً للآخر بعيداً عن العصبية والتطرف. وفي مقهى ميل على طريق إيلدرتون، تجد الملصقات على الحائط تقول: «الأسود لها كبرياء، وهذا ليس تعصباً». ومن الجدير بالذكر أيضاً أن نادي ميلوول يرتبط بعلاقات إيجابية مع مجموعات مناهضة للعنصرية مثل «شو راسيزم ذا ريد كارد» أو «البطاقة الحمراء للعنصرية»، كما تبنى مشروعات محلية مثل حملة إنقاذ مستشفى «حي ليوشام».
وهناك كثير من الأشخاص المتصلين بالنادي الذين يؤكدون أن الأشياء الجيدة بالنادي أكثر من الأشياء السيئة، وأنه يتعين على وسائل الإعلام أن تغير طريقة تناولها للأخبار المتعلقة بالنادي، وأن كثيراً من الأشياء قد تغيرت منذ تلك الأيام التي كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تتحدث فيها عن «الزلازل والحروب التي يشهدها ميلوول». وفي الحقيقة، قد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما. لكن قد يكون من الصعب في بعض الأحيان قبول وجهة النظر هذه عندما ترى مقطع فيديو لجمهور النادي خلال مباراة الفريق أمام إيفرتون وهو يغني قائلاً: «أفضل أن أكون باكستانياً أو آسيوياً ولا أكون من مدينة ليفربول».
وقد تحدث المدير التنفيذي لنادي ميلوول، ستيف كافانا، في وقت لاحق عن أن سمعة النادي قد تأثرت سلبياً بسبب ما قام به 30 أو 40 شخصاً. لكن في الحقيقة يبدو أن العدد أكبر من ذلك بكثير. وقال كافانا: «هذا شيء لا يقتصر على نادي ميلوول فقط، لكن هذا يحدث في جميع أنحاء المجتمع، ولا يمكننا أن نكون مسؤولين عن تعليم الجميع في جنوب شرقي لندن». لكن قد يكون من الصعب رؤية المشاهد نفسها في نادٍ آخر مثل تشارلتون أو كريستال بالاس. وقد دافع كافانا عن ناديه، وقال إن مثل هذه الهتافات قد تم ترديدها في ملاعب أخرى هذا الموسم. لكن بكل بساطة يمكن أن يتصل كافانا بحملة «كيك آت أوت» لمكافحة العنصرية لكي يتأكد من أنه لم يكن هناك أي تقارير عن حدوث أي شيء مماثل في أماكن أخرى.
وتتمثل الحقيقة المؤلمة بالنسبة لنادي ميلوول في أن الأحداث العنصرية قد زادت بدرجة قد تجعل من الصعب على النادي نفسه تذكر عددها. ولكي نكون منصفين أيضاً تجب الإشارة إلى أن نادي ميلوول كان أول نادٍ يُشكل لجنة لمناهضة العنصرية، وواحداً من أوائل الأندية التي ضمت لاعبين من أصحاب البشرة السمراء والآسيويين وأصحاب العرقيات المختلفة (وكان اللاعب المصري حسين حجازي هو أول لاعب يضمه الفريق من هذه الفئة في عام 1912).
ومع ذلك، فقد رأينا الصحافي رود ليدل، وهو من أنصار نادي ميلوول، يكتب باسم مستعار على الموقع الإلكتروني لنادي ميلوول وينشر تعليقات مهينة عن الصوماليين، ويلقي نكاتاً عن معسكر أوشفيتز للاعتقال من قبل النازيين، ويدعو إلى محو المنظمات التي تضم أصحاب البشرة السمراء فقط، حيث كتب يقول: «تباً لهم، أغلقوا هذه المنظمات. لماذا يريد السود منتديات خاصة بهم؟».
وفي البداية، زعم ليدل في صحيفة «ميل أون صنداي» البريطانية أن حسابه قد يكون تم اختراقه، ثم اعترف بعد ذلك بنشر معظم التعليقات، لكنه نفى مسؤوليته عن أحد التعليقات التي أشارت إلى أن السود كانوا أقل ذكاءً من البيض أو الآسيويين. وقال: «كل هذه الأشياء قد خرجت عن السياق لكي تجعلني أبدو أحمق. ربما أبدو أحمق، لكنني لست عنصرياً».
وبالعودة إلى النقطة الأصلية، فإن مشكلة ميلوول الكبرى تتمثل في أنه لن يكون من السهل على النادي تغيير السمعة التي التصقت به، نظراً لأنه لا يوجد ملعب في إنجلترا قد أغلق أكثر من ملعب ميلوول بسبب الشغب الجماهيري (وكانت المرة الأولى في عام 1920، بعدما تم قذف حارس مرمى نادي نيوبورت بالألعاب النارية). وأصبح الهتاف ضد إيفرتون محل دراسة الآن من قبل اللجنة التأديبية التابعة للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لكي ترى ما إذا كانت ستفرض عقوبات على النادي أم لا. وقد خسر ميلوول أمام برايتون في دور الثمانية لكأس الاتحاد الإنجليزي بركلات الترجيح، لكننا لا نزال نتذكر آخر مرة وصل فيها ميلوول إلى الدور نصف النهائي لكأس الاتحاد الإنجليزي، وكان ذلك أمام ويغان أتليتيك عام 2013، لكن هذا الإنجاز الكبير قد أفسده جمهور النادي بعدما التقطت عدسات التلفزيون صوراً للعشرات وهم يتشاجرون مع بعضهم.
وقد صرح القسم الإعلامي بنادي ميلوول للصحافيين في وقت لاحق بأن النادي سوف يتحمل المسؤولية «إذا» ثبت أن جمهوره هو من قام بذلك! وعندما قرر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم إصدار بيان يدين فيه العنف، أجرى اتصالاً مع مسؤولي نادي ميلوول، الذين شعروا بالإهانة وأصروا على ألا يشير البيان إلى «جمهور ميلوول»، وبالفعل تم تغيير البيان ليشير إلى وقوع مشكلة «في ملعب ميلوول». وفي الأيام التالية، واصل ميلوول العمل على إلقاء المسؤولية على الآخرين. وقال رئيس النادي، جون بيريلسون: «لقد كان هناك أشخاص من كلا الفريقين».
ويروي المدير الفني الآيرلندي ميك مكارثي قصة معبرة في ذلك الأمر، حيث يقول إنه التقى بصديق قديم في أوائل التسعينات من القرن الماضي وأبلغه بأنه يلعب في صفوف نادي ميلوول ويتولى تدريبه في الوقت نفسه، لترد زوجة الصديق بصورة تلقائية قائلة: «يا له من أمر محرج!». وفي الحقيقة، يمكن استخدام العبارة نفسها لوصف كيف حاول النادي إعادة كتابة قصة ما حدث في ويمبلي في ذلك اليوم. وخلاصة القول، يتعين على مسؤولي ميلوول أن يدركوا أن «المجد لا يأتي من الفريق، لكن من سمعة جمهوره!».