السودان: تجدد أزمة «شح النقود» والطوابير حول الصرافات الآلية

الاحتجاجات تدخل شهرها الرابع من دون توقف

TT

السودان: تجدد أزمة «شح النقود» والطوابير حول الصرافات الآلية

احتجاجات دخلت الاحتجاجات السودانية شهرها الرابع، دون أن تفلح الحكومة في تقديم معالجات فعلية لأسباب الأزمة السياسية وتداعيتها، وفي حين زادت أزمة «السيولة» وشح النقود حدة، تواصل ارتفاع أسعار السلع الرئيسية، وانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.
ففي الوقت الذي توعد فيه «تجمع المهنيين السودانيين» وحلفاؤه، بمواصلة الاحتجاجات حتى تنحي الرئيس عمر البشير، أطلت من جديد «أزمة السيولة» وشح النقود، وبحسب متابعين، توقفت البنوك عن تغذية الصرافات طوال الثلاثة الأيام الماضية، دون تفسير من جهة رسمية عن أسباب الأزمة. ورغم «خلوها» من النقود فإن «طوابير» طويلة من المواطنين، شوهدت حول ماكينات صرف النقود الآلية في العاصمة الخرطوم ومدن الولايات، فيما ظلت البنوك «عاجزة» عن توفير السيولة اللازمة لعملائها بأي شكل من أشكال الدفع النقدي.
وبعيد طباعة عملات من فئة مائة ومائتين، تعهد بنك السودان المركزي، بتغذية الصرافات يومياً بمائتي جنيه، لمواجهة حاجة المواطنين من النقد، ورفع سقف السحب الآلي إلى ألفي جنيه يومياً بعد أن كان في حدود ألف جنيه. لكن سياسات الطباعة لم تفلح في مواجهة شح السيولة، فاضطر البنك المركزي لمواصلة طباعة فئات كبيرة، ونقلت صحيفة «الصيحة» المقربة من الدوائر الحكومية، أن بنك السودان سيصدر ورقة نقدية من فئة 500 جنيه (الدولار 47.5 جنيه بالسعر الرسمي، و70 جنيها في السوق السوداء)، كأكبر فئة في تاريخ العملات السودانية، وأن الفئة الجديدة ستكون متاحة للتداول أواخر شهر مارس (آذار) الحالي.
ومن قبل أعلن أنه بدأ ضخ 200 مليار جنيه للبنوك والمصارف خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن المحصلة التي تؤكدها الطوابير داخل البنوك وحول الصرافات الآلية تقول: «لا نقود في البنوك أو ماكينات الصرف الآلي».
وتداولت وسائط إعلامية، أن شحنة من النقود في طريقها للبلاد لحل أزمة السيولة، بيد أن نائب الرئيس عثمان محمد يوسف كبر أرجع في تصريحات تأخر وصول الشحنة «لأسباب فنية»، بعد أن تمت طباعتها خارج البلاد.
بينما نقل «المركز السوداني للخدمات الصحافية» - حكومي - أن شحنة من النقود بمبلغ 1.2 مليار جنيه وصلت إلى البلاد أمس، ويتوقع وصول شحنة بمبلغ 2.5 مليار جنيه ستصل إلى البلاد بعد الفراغ من طباعتها، بما يسهم في توفير السيولة وتلبية احتياجات المواطنين.
ويقول عاصم إنه يرغب في السفر خارج البلاد، لكنه لا يستطيع دفع ثمن تذكرة السفر، لأن شركات الطيران لا تقبل الشيكات أو الدفع الآلي، وهو لا يستطيع سحب مدخراته من البنك، ما جعله يقف عاجزا عن فعل أي شيء، أما خديجة فهي موظفة بالمعاش تقول إنها لا تقضي وقتاً طويلاً للحصول على جزء من معاشها لتواجه حاجاتها اليومية، بل لا تستطيع السحب من وديعة بأحد البنوك.
ونقلت تقارير صحافية أن تجدد أزمة السيولة يرجع إلى أن البنك المركزي ووزارة المالية، وجها المليارات من الجنيهات لشراء محصول القمح المحلي من المزارعين، بعد تحديد سعره بنحو 1850 جنيها - 38 دولارا - للطن، وقال وكيل وزارة المالية عمر فرج الله بحسب المركز السوداني للخدمات، إن وزارته وجهت بنك السودان بتوفير السيولة لشراء القمح.
ووفقا لتقارير البنك المركزي للعام الحالي، فإن حجم النقود المتداولة في البلاد يبلغ 13 مليار جنيه، يتداول الجمهور منها 12 مليار جنيه، ولا يستحوذ الجهاز المصرفي منها إلاّ على مليار واحد.
وكان مأمولاً أن تؤدي طباعة كميات كبيرة من النقود إلى تحقيق وفرة في السيولة، لكن المحصلة أن طباعة عملات بفئات كبيرة، لم تحقق الغرض المرجو، ويقول مراقبون إن الفئات الكبيرة تسهل حفظ النقود في المنازل والخزائن الخاصة، وإنها لن تعود قبل استرداد الجهاز المصرفي للثقة التي فقدها.
وفي الوقت ذاته، ارتفع حجم التضخم «سعر المستهلك» في البلاد خلال شهر فبراير (شباط) الماضي إلى 44.45 في المائة، بعد أن كان في حدود 43.29 في يناير، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء - حكومي - وذلك بسبب ارتفاع «مجموعة الأغذية والمشروبات».
وعلى الرغم من الإعلان أن أحد دواعي فرض «حالة الطوارئ»، هو مواجهة المضاربات في العملات الأجنبية، فإن سعر صرف الجنيه السوداني تراجع مجدداً ليعود إلى وضعه قبل إعلان حالة الطوارئ في حدود 70 جنيهاً للدولار الواحد، فيما تزايدت أسعار السلع الرئيسية بشكل مضطرد الشهر الحالي.
وتقول ربة منزل، إن سعر كيلو اللحم ارتفع الشهر الحالي إلى 260 جنيهاً بعد أن كان في حدود 180 جنيهاً قبل شهر، فيما ارتفع سعر الحليب المجفف عبوة 2.5 كيلوغرام إلى 700 جنيه بعد أن كان في حدود 590، وعبوة زيت الطعام 4.5 لتر إلى 460 من 420 جنيها، فيما تواصل ارتفاع الأسعار في بقية السلع والخضر بأرقام مخيفة.
من جهة أخرى، دخلت الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد في 19 ديسمبر (كانون الأول) شهرها الرابع، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية، ثم رفعت سقفها للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته على الفور. وضمن تنويعاته لمواصلة المقاومة، قال التجمع إن مهندسين في الكهرباء، وأطباء بياطرة، وعمالا في شركة «بيبسي كولا»، استجابوا لدعوته لإضراب «المهنيين والحرفيين والعمال» أمس، فيما ينتظر أن يشهد عدد من أحياء العاصمة الخرطوم ومدن البلاد، مظاهرات ليلية استجابة لتلك الدعوة.
وقال التجمع بحسب صفحته على «فيسبوك»، إن المواطنين يسيرون بخطوات ثابتة ومتقدمة للوصول للإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل، من أجل إسقاط النظام و«تفكيك مؤسساته الشمولية وبناء البديل الديمقراطي»، وتابع: «هو طريق لن نحيد عنه بأمر جماهير شعبنا العظيم، شعبنا قائدنا، الملهم الفذ».
وبحسب التجمع، نجح الإضرابان اللذان دعا لهما يومي 5 مارس وأمس، في القطاعين العام والخاص، وأعطت تلك الخطوات مؤشراً جيداً لمرحلة إعلان الإضراب السياسي الشامل، وقال إنها «هزمت السلطة في مواقع تمكينها، وأضافت قطاعات جديدة للمساهمة في الحراك، وكسبت بعض أرباب العمل، وقوت العلاقات المهنية، ودعمت الهيئات والمنظمات العمالية».
ومنذ اندلاع الاحتجاجات في السودان قبل أربعة أشهر، درج تجمع المهنيين على تنويع وسائل المقاومة، وتراوحت بين المظاهرة، والاعتصام، والعصيان، ورفع العلم، وحملات إصحاح البيئة، والوقفات الاحتجاجية، لتتوج جميعها بمظاهرة عامة يوم الخميس من كل أسبوع.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.