ترمب يناقش سوريا وأفغانستان مع مجلس الأمن القومي

للمرة الثالثة في أقل من عام زار الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة مبنى وزارة الدفاع، حيث التقى قادة البنتاغون، على رأسهم وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان ورئيس هيئة أركان القوات المشتركة الجنرال جو دنفورد ورؤساء أركان القوات المسلحة ووكالتي الاستخبارات العسكرية الـ«دي آي إيه» ومديرية الاستخبارات الوطنية الـ«دي إن آي». وحضر الاجتماع نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو ليتحول إلى ما يشبه الاجتماع المصغر لمجلس الأمن القومي.
وعلى الرغم مما يوصف «بالتهميش» الذي يشكو منه قادة البنتاغون في ظل إدارة ترمب، و«النزف» الذي شهدته الوزارة جراء خروج كثير من قادتها، سواء بالاستقالة أو التقاعد أو تبديل المواقع، بدءا بوزير الدفاع جيم ماتيس وليس آخرا بقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل، يكتسب الاجتماع أهمية خاصة لأسباب عدة. فقد عقد الاجتماع في غرفة العمليات العامة أو ما يعرف بـالـ Tank، حيث تمكن خلالها الرئيس من الاطلاع من كثب وعبر الخرائط الحية وصور الأقمار الاصطناعية، على واقع الوضع العسكري في أكثر من منطقة نزاع حول العالم، وعلى رأسها سوريا وأفغانستان.
مصادر عسكرية قالت إن الرئيس استفسر من قادة البنتاغون عن أسباب تأخر حسم المعركة بشكل سريع في آخر الجيوب التي يقاتل فيها مسلحو تنظيم داعش في سوريا، خصوصا أنه كان قد أعلن مرات عدة عن قرب انتهاء المعارك هناك، من دون أن يحصل ذلك حتى الساعة. وتولى القادة العسكريون شرح العوامل التي أدت إلى تأخير حسم المعركة، وهي: إفساح المجال أمام خروج المدنيين واستسلام من يريد إلقاء السلاح من المقاتلين، بعدما ظهر أن حجم السكان الذين يسكنون منطقة الباغوز كبير جدا. وهو ما ظهر في الأعداد الضخمة التي خرجت منها، التي استخدمها «داعش» لفترة طويلة دروعا بشرية، لتأخير الهجوم إلى أطول مدة ممكنة. أما السبب الآخر فهو محاولة الحصول على معلومات دقيقة عن مكان وجود أبو بكر البغدادي، لتأمين عملية اعتقاله، (وهنا تحدثت بعض الأوساط أن الرئيس ترمب يسعى إلى تحقيق إنجاز شبيه بالإنجاز الذي حققه الرئيس السابق باراك أوباما عندما تمت تصفية زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في باكستان في عملية عسكرية عام 2011). أما السبب الثالث فهو حسم الخلاف على مستقبل منطقة شمال سوريا في ظل الخلاف مع تركيا حول كيفية إدارة العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمودها الفقري. وفي هذا الملف قالت تلك الأوساط إن قادة البنتاغون قدموا للرئيس عرضا مفصلا عن المشكلات القائمة مع تركيا، وطالبوا بحلول سياسية معها. لكنهم شددوا في المقابل على أن الولايات المتحدة لا يمكنها السماح بتوجيه أي ضربة عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، التي تولت بشكل شبه منفرد مهمة تصفية «دولة الخلافة»، وأن دورهم في المرحلة المقبلة سيبقى قائما انسجاما مع الخريطة السياسية التي وضعتها إدارة الرئيس بالنسبة إلى مستقبل الصراع في سوريا.
وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم قسم الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية بابلو رودريغز لـ«الشرق الأوسط»، إن وزير الخارجية مايك بومبيو، لطالما أكد هدفين مزدوجين تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقهما في تلك المنطقة؛ «ضرورة أن نعمل ما في وسعنا لضمان حماية أولئك الذين قاتلوا معنا وعدم مهاجمة أولئك الذين يقاتلون من أجل هزيمة دائمة لـ(داعش)، وأيضا «ضرورة منع القوات التي تنشط خارج سوريا من مهاجمة تركيا». وأضاف أن الولايات المتحدة واثقة من أنه مع التحالف الدولي سوف نضمن هزيمة دائمة لتنظيم داعش في سوريا، وكذلك تلبية أهداف الرئيس الأخرى في شمال شرقي سوريا بعد أن نخفض قواتنا، حتى لا ينشأ فراغ من شأنه أن يزعزع الاستقرار الذي تشهده تلك المنطقة الآمنة عموما وتلبية المخاوف الأمنية التركية وضمان عدم تعرض شركائنا في قوات سوريا الديمقراطية لأي هجوم.
وبالعودة إلى اجتماع البنتاغون، تركزت النقاشات بحسب تلك الأوساط على كيفية إيجاد سبل لتسويات غير عسكرية لنزاعي سوريا وأفغانستان، ومحاولة التقليل من الانخراط الأميركي القتالي فيهما. وأكدت أن قرار الإبقاء على الـ400 جندي الذي أعلن الرئيس عن بقائهم في شمال سوريا وفي قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، سيبقى إلى أمد غير محدد، ما لم يتم التوصل إلى مسار للحل السياسي في هذا البلد. وأضافت تلك المصادر أنه لا أحد يفكر الآن في سحبهم من هناك، إذا لم يتم التوافق والاتفاق مع تركيا حول هذا الموضوع، وأن واشنطن لن تفرط بعلاقتها مع الأكراد، والرئيس بات مقتنعا جدا بهذا الأمر. وهو ما كان قد أكد عليه المبعوث الأميركي الخاص جيمس جيفري خلال اجتماع جنيف بشأن الجهود الإنسانية في سوريا، حيث قال إن المعركة ستستمر حتى القضاء على فكر «الدولة الإسلامية»، وإنه لا يوجد إطار زمني لسحب القوات الأميركية المتبقية من هناك.
من جهة ثانية، قالت تلك المصادر إن النقاش عن سوريا وأفغانستان، قاد إلى البحث في دور إيران وتركيا وروسيا المتنامي في هذين البلدين. وأكدت أن قادة البنتاغون ووزير الخارجية مايك بومبيو بحثوا مع الرئيس دور تلك الدول والأسباب التي أدت إلى تعثر المفاوضات مع طالبان في أفغانستان، في ضوء التقرير الذي رفعه السفير زلماي خليل زاد عن حصيلة جولته الأخيرة من المفاوضات مع طالبان في قطر، التي اختتمت الثلاثاء الماضي «بإحراز تقدم» لكن من دون التوصل إلى اتفاق بشأن موعد سحب القوات الأجنبية من أفغانستان.
إلى ذلك، أشارت بعض الأوساط إلى أن الاجتماع ناقش الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي عكستها بنية موازنة وزارة الدفاع لعام 2020، التي تم تصميمها للرد على تحديات القوى الكبرى، وفي مقدمها روسيا والصين.
وأضافت أن التغيير في تلك الاستراتيجية الذي بدأ منذ نهايات عهد الرئيس السابق باراك أوباما، يعكس التحولات التي ترغب واشنطن في إحداثها للحد من انغماسها في الصراعات مع «القوى غير النظامية»، التي هيمنت على نشاط البنتاغون بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. وتقول تلك الأوساط إن اعتقادا يسود بأن تلك الجماعات لم تعد بهذه الأهمية وإن أخطارها انحسرت بشكل كبير، في ظل النجاحات التي تحققت في مكافحتها على المستوى الدولي، وإن خطرها تحول ليكون مشكلة داخلية في المجتمعات التي تنشط فيها، أكثر منها نحو الخارج. لكنها أكدت أنه على الرغم من ذلك فسيتم الاحتفاظ بدرجة عالية من التنسيق والتعاون الاستخباريين مع القوى الدولية لمنع تلك الجماعات من تجديد هجماتها خارج حدودها.
من جهة أخرى قالت أوساط مطلعة إن الرئيس ترمب لم يكن راضيا عن إجابات وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان في شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، خلال مناقشة ميزانية وزارة الدفاع لعام 2020. وأضافت أن الأمر قد يتسبب في استبعاد تثبيته مرشحا أصيلا لمنصب وزير الدفاع، بعدما تم تداول اسمه من قبل الرئيس في الأيام الأخيرة. غير أن مصادر أخرى قالت إن أداء شاناهان وولاءه المطلق للرئيس ترمب، قد يكون هو المطلوب وهو ما يرغب فيه الرئيس في هذه المرحلة، في ظل التوتر الذي يهيمن على علاقته بقادة المؤسسة العسكرية. علاقة تسببت بحالات الاستقالة والاعتكاف في ظل خلافاتهم معه حول كثير من الملفات الدولية، بدءا بالعلاقة مع حلف الناتو والعلاقة مع الشركاء والأصدقاء، وصولا إلى كيفية إدارة التفاوض في ملف نزع الأسلحة النووية سواء مع كوريا الشمالية أو إيران.