ارتياح بين عائلات ضحايا هجوم المتحف اليهودي بعد الحكم على نموش

سباستيان كورتوي محامي نموش قبل النطق بالحكم أول من أمس (أ.ب)
سباستيان كورتوي محامي نموش قبل النطق بالحكم أول من أمس (أ.ب)
TT

ارتياح بين عائلات ضحايا هجوم المتحف اليهودي بعد الحكم على نموش

سباستيان كورتوي محامي نموش قبل النطق بالحكم أول من أمس (أ.ب)
سباستيان كورتوي محامي نموش قبل النطق بالحكم أول من أمس (أ.ب)

أصدرت المحكمة الجنائية في العاصمة البلجيكية بروكسل، حكماً بالسجن المؤبد على مهدي نموش، منفذ الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل في مايو (أيار) 2014، كما أصدرت حكماً بالسجن 15 عاماً ضد المتهم الثاني ناصر بندرار للمشاركة في الجريمة من خلال توفير السلاح المستخدم في الهجوم، وبالتالي استجابت المحكمة لطلب الادعاء العام في الحكم على نموش، بينما اكتفت بنصف العقوبة التي طالب بها الادعاء العام ضد بندرار، وكانت 30 عاماً. قرار المحكمة الذي جرى الإعلان عنه في وقت مبكر من صباح أمس الثلاثاء، قُوبل بارتياح في أوساط عائلات الضحايا والمتحف اليهودي الذي تعرض للهجوم. ونقلت وسائل الإعلام في بروكسل تعليقاً من المتحف على الأحكام بالقول: «لقد تم تحقيق العدالة اليوم، نموش وبندرار مذنبان، وهذا الحكم يعني النصر على نظريات المؤامرة والكراهية التي ظهرت خلال جلسات المحاكمة، وتكريماً للضحايا الأربعة وعائلاتهم، كما أن هذا الحكم يعني انتصار دولة القانون على الشر». وتضمنت العقوبة التي أصدرتها المحكمة، حكماً بالسجن المؤبد للمتهم الأول نموش وفترة مراقبة صارمة لمدة 15 عاماً، أما بندرار فقد صدرت العقوبة ضده بالسجن 15 عاماً، وفترة مراقبة صارمة لمدة 5 سنوات.
وقالت المحكمة إنها لم تجد أي ظروف مخففة بالنسبة للمتهم الأول، واعتبرت المحكمة الهجوم الذي ارتكبه نموش ليس فقط هجوماً على الجالية اليهودية، وإنما على أسس المجتمع البلجيكي والقيم والديمقراطية، وأشارت المحكمة إلى أن نموش طوال فترة المحاكمة أظهر سوء سلوك ضد النظام القانوني، وحاول تقديم نفسه ضحيةً للنظام القانوني الذي يراه أنه نظام لا يعمل بشكل عادل، وهذا الموقف من وجهة نظر المحكمة يعني أن نموش أيضاً يشكل خطراً على الجالية المسلمة.
وعن العقوبة، قالت المحكمة إنها أخذت في الاعتبار العنف الرهيب الذي استخدم في قتل الضحايا، وبدم بارد، كما أن المتهم لم يبدِ أي تعاطف مع الضحايا أو الندم على ما فعله، وعلى العكس من ذلك أظهر المتهم الثاني ندماً وتعاطفاً مع الضحايا، وقد وجدت المحكمة ظروفاً مخففة للعقوبة التي طالب بها الادعاء العام، ومنها أيضاً أن بندرار لم يستمر على طريق التطرف عقب الخروج من السجن مثلما حدث مع نموش في فترة السجن في وقت سابق.
كان نموش قد علق في كلمته الأخيرة قبل النطق بالحكم بأن الحياة سوف تستمر، بعد صدور قرار المحكمة، بينما كرر بندرار الندم، وطالب المحكمة بإتاحة الفرصة له لكي يبدأ من جديد ويعيش حياته مثل الآخرين.
كانت جلسات المحاكمة قد انطلقت في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي، واستمرت حتى الثاني عشر من مارس (آذار)، أي ما يزيد عن شهرين.
ونظرياً يمضي المتهم فترة السجن المؤبد 30 عاماً في بلجيكا، ووفقاً لتعديلات في القانون جرت في عام 1998 أصبح من حق السجين أن يطلب بعد انقضاء ثلث المدة الإفراج تحت شروط المراقبة الصارمة، ولكن يتوقف هذا الأمر على تصرفات وأفعال السجين خلال فترة احتجازه، وتبحث لجنة مختصة في هذا الطلب، وتصدر قرارها فيما بعد، كما يخضع السجين بعد خروجه لرقابة صارمة، وإذا ثبت مخالفته للشروط يتم إعادته إلى السجن لتمضية العقوبة.
وأدين نموش بقتل زوجين يهوديين وموظف بلجيكي ومتطوع فرنسي في 24 مايو 2014 بالمتحف اليهودي ببروكسل. واعتبر بندرار وهو صاحب سوابق من مرسيليا «منفذاً شريكاً» للاعتداء، بسبب تزويده المنفذ بالأسلحة والذخيرة. وكانت هذه المساعدة «أساسية» في تنفيذ جرائم القتل الأربع، حسب المحكمة.
ويمضي بندرار حكماً بالسجن في فرنسا. وكان حكم عليه في سبتمبر (أيلول) بالسجن 5 سنوات بعد إدانته بمحاولة ابتزاز أموال في مرسيليا. وستنظر محكمة استئناف في قضيته في 29 مارس.
وكان نموش قد انضم إلى تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا عام 2013، وحاول أن يقنع فريق الدفاع بأنه ضحية فخ نصبه عملاء مخابرات لبنانية وإيرانية لتحميله مسؤولية جرائم قتل تستهدف المخابرات الإسرائيلية (الموساد). وأوقف نموش في مرسيليا (جنوب فرنسا) بعد 6 أيام من الهجوم وفي حوزته الأسلحة المستخدمة في تنفيذ جريمته، وهي عبارة عن مسدس وبندقية هجومية من طراز كلاشنيكوف. ويقول المدعون إن الهجوم كان أول اعتداء في أوروبا ينفذه متطرف عائد بعد المشاركة في القتال في سوريا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟