سجال بين موسكو وواشنطن حول وضع «الركبان»

تواصلت أمس الاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن حول المسؤولية عن عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان على الحدود مع الأردن. وانتقدت وزارة الدفاع الروسية «محاولات الولايات المتحدة تحميل المسؤولية لموسكو ودمشق»، واتهمت الأميركيين بأنهم ما زالوا يتمسكون بـ«تفكير استعماري».
وأصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً حمل توقيع «مقر التنسيق المشترك (الروسي - السوري)» ندد بما وصفه بـ«عدم اكتراث واشنطن بالكارثة الإنسانية التي تسببت بها في المخيم». وانتقد الاتهامات الأميركية لموسكو بالتستر على تحركات القوات النظامية السورية التي تعرقل وصول المساعدات إلى المنطقة، ورأى البيان أن الولايات المتحدة «تحاول التملص من مسؤوليتها عن الوضع وتوجيه الأصابع نحو روسيا وسوريا». وزاد البيان أنه «من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بمخيم النازحين أكبر قدر ممكن من الوقت من أجل تبرير وجودها غير القانوني في جنوب الجمهورية السورية».
ولفت إلى أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى وقوع انتهاكات فادحة على الصعيد الإنساني في المخيم؛ منها التحكم في دخول المواد الغذائية وتوزيعها، والزواج المبكر، والانتهاكات الجنسية، والسرقة والعنف، والجوع والمرض، وضعف الصرف الصحي والنقص الحاد في مياه الشرب، وأنه «من أجل الخروج من المخيم، ما زال يتوجب دفع 300 دولار، وهو ما لا يستطيع القيام به أي أحد من اللاجئين».
وزعم البيان العسكري أنه «تم تأكيد كثير من الحقائق من خلال صور الأقمار الاصطناعية، والتي بينت بشكل واضح على مدى محيط مخيم الركبان الحواجز الأمنية، والجدران القوية ونقاط تفتيش مجهزة بشكل خاص. وهذه التجهيزات تشبه مزرعة المواشي، وما تسمى حرية التنقل والحركة يمكن مقارنتها بحرّية الحيوانات المحجوزة داخل أقفاص، ما يجسد روح التفكير الاستعماري عند الأميركيين».
واقترحت وزارة الدفاع الروسية «في أول خطوة وبادرة حسن النيات بذل جهود مشتركة لإجلاء الجزء الأكثر تضرراً من السكان، بمن فيهم المرضى والمسنون والنساء والأطفال، من المخيم بأسرع وقت ممكن»، معربة عن الأمل في «موقف أميركي بنّاء لحل هذه المسألة المهمة».
ودعت المجتمع الدولي لمناقشة قضية مخيم الركبان المتعلقة بالوضع الكارثي للسوريين المقيمين فيه. كما دعت الجانب الأميركي إلى بدء حوار سريع لاتخاذ الإجراءات والقرارات الملموسة لإنقاذ اللاجئين في المخيم.
وتم إنشاء مخيم الركبان للاجئين السوريين على الحدود السورية - الأردنية في عام 2014 بعدما أغلقت عمّان حدودها بسبب المخاوف من تدهور الوضع على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
وأعلنت موسكو ودمشق أخيراً عن فتح نقطتين متنقلتين لخروج اللاجئين من المخيم، لكنهما اتهمتا واشنطن بعرقلة خروج الراغبين في ذلك من المخيم، عبر ترويعهم بأعمال انتقامية سيقوم بها النظام ضدهم.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية قبل أيام أنه تم العثور على مقبرة تضم 300 مدفن جديد بالقرب من «الركبان»، قائلة إن هذا المكان تحول من مخيم إلى منطقة مغلقة يحتجز فيها رهائن بالقوة. وأشارت الوزارة إلى أن معظم الخيام في المخيم غير قابلة للعيش فيها في ظروف الشتاء، وأن الأوضاع داخلها ليست صحية، وأن المسلحين يسيطرون على الأسواق غير النظامية الموجودة في المخيم.
إلى ذلك، نفت وزارة الدفاع، أمس، صحة معطيات تداولتها وسائل إعلام عن قيام طائرات روسية بشن ضربات جوية على منطقة خفض التصعيد في إدلب شمال سوريا.
وأفاد بيان عسكري بأن «المعلومات التي نشرها عدد من وسائل الإعلام الروسية نقلاً عن (مصادر عسكرية) حول شن الطيران الروسي ضربات دقيقة على أهداف في محافظة إدلب، لا تتفق مع الواقع بشكل كامل». وأكد أنه «لم تشن القوات الجوية الروسية أي ضربات على أهداف في هذه المنطقة».
وكانت صحيفة «كوميرسانت» الروسية الرصينة أفادت في وقت سابق، نقلاً عن مصادر عسكرية، بأن الطائرات الحربية الروسية شنت ضربات على مواقع تابعة للمسلحين في منطقة إدلب.
وقالت إن «الطائرات الروسية المرابطة في قاعدة حميميم نفذت في 9 مارس (آذار) الحالي ضربات دقيقة على مواقع تابعة للمسلحين في محافظة إدلب. وتم شن هذه الضربات على الجزء الشمالي الغربي لإدلب في ضواحي جسر الشغور».
وأضافت الصحيفة أن سبب شن الضربات يعود إلى «انتهاك المسلحين الموجودين هناك نظام وقف إطلاق النار بمنطقة خفض التصعيد في إدلب».
في غضون ذلك، عاد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى المفاخرة، أمس، بنجاح القوات الروسية في اختبار طرازات جديدة من الأسلحة المتطورة في سوريا. وكانت موسكو أعلنت سابقاً أنها انجزت اختبار 260 طرازاً من الأسلحة الحديثة، لكن شويغو قال في اجتماع عسكري أمس إن عدد التقنيات التي تم اختبارها بلغ 316 طرازاً من الأسلحة المختلفة. وعكس هذا التأكيد مواصلة إجراء تجارب على الأسلحة الروسية في سوريا، رغم التزامها رسمياً بقرار وقف النار، وبعد مرور شهور على إعلانها انتهاء عملياتها العسكرية واسعة النطاق.
إلى ذلك، أعلن نائب رئيس «قوات الحماية من الإشعاع والكيماويات» التابعة للقوات المسلحة الروسية، سيرغي كيكوت، أنه لم يتم العثور على آثار لاستخدام مواد الفسفور الشالّة للأعصاب في مدينة دوما السورية. وقال كيكوت: «خلافاً للمعلومات المتداولة حول استخدام مواد فسفورية لشلّ الأعصاب في مدينة دوما السورية، والتي قامت (الخوذات البيضاء) بنشرها عبر فيديوهات، فإن خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لم يجدوا أي مواد تؤدي إلى شلل عصبي ومنتجاتها في العينات من المناطق المحيطة، ولا في عينات البلازما من الضحايا المزعومين».
وكانت بعثة تقصي الحقائق في لاهاي، قدمت تقريرها النهائي عن التحقيق الذي أجرته بشأن حادث استخدام مواد كيماوية سامة في دوما بسوريا في أبريل (نيسان) الماضي، وأكدت فيه أن «المادة الكيماوية التي استخدمت تحتوي على الكلور التفاعلي». لكن موسكو رفضت هذه المعطيات، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن «الهدف من نشر الأنباء عن قيام القوات السورية باستخدام الأسلحة الكيماوية هو تبرئة الإرهابيين وتبرير الضربات المحتملة من الخارج».