10 نزعات وتوجهات علمية رائدة

البشرية تشهد تطوّراً تقنياً غير مسبوق وكارثة بيئية محتملة وتحوّلات طبية كبرى

10 نزعات وتوجهات علمية رائدة
TT

10 نزعات وتوجهات علمية رائدة

10 نزعات وتوجهات علمية رائدة

حدد خبراء أميركيون 10 نزعات وتوجهات عالمية ستتخذ هذا العام شكل ظواهر متطوّرة. ويمكن القول إنّ هذه النزعات تشكّل عناوين عريضة سنشهدها في عام 2019 وأهمها: ازدياد ذكاء الآلات، وانتشار محتوى الفيديو، وامتلاك عمالقة التقنية لنفوذ غير مسبوق، وتعزيز الصين سطوتها، والفضاء... الجبهة القادمة للثروة والنفوذ الجغرافي - السياسي، والتغيّر المناخي: مشكلات كبرى وحلول مبتكرة، و«صناعة الأجنة» تنطلق نحو التطبيق الفعلي، والعلم والتقنية يغيّران طريقة التعليم، والعالم يعيد التفكير بنوعية الطعام الذي يتناوله وكيفية صناعته، والأتمتة تعرقل القوى العاملة البشرية.
ترسم هذه الظواهر مجتمعة، عالماً يشارف على تطوّر تقني غير مسبوق، وكارثة بيئية محتملة، وتحوّل جيوسياسي، وتحوّل مالي واقتصادي، وفقا لخبراء شاركوا في تقرير نشره موقع «كوارتز» الإلكتروني.

آلات وبرامج
- آلات بأدمغة. تزداد المسيرة البطيئة التي تشهدها الأتمتة سرعة، فقد حلّت الروبوتات مكان البشر في المصانع، والسيارات أصبحت تقود نفسها، وأجهزة المنزل الذكي تتزايد بسرعة هائلة، ومليارات من الناس يستخدمون المساعدين الافتراضيين. وبدورها، قلبت الروبوتات والذكاء الصناعي مفهومنا للبشرية رأساً على عقب، إذ تعمل الأدمغة البشرية اليوم على تشغيل الأطراف الصناعية، وأصبحت روبوتات المحادثة نسخة رقمية عن البشر، بينما يساعد الذكاء الصناعي، الشخص الأعمى على الرؤية من جديد.
ولكنّ هناك بعض النتائج التي لا بدّ من دراستها. مثلا، ماذا تعني الأتمتة بالنسبة للقوى العاملة البشرية؟ كيف سنتعامل مع حوادث السيارات التي لا يقودها سائقون؟ وهل ستتعرّض أنظمة التعرّف إلى الوجه في جرس منزلكم المتصل بالإنترنت إلى تحيّز برمجي؟
>علم التعلّم. ما المجالات التي يمكن للبشر أن يفلحوا فيها أكثر من الروبوتات؟ ليس في الرياضيات طبعاً. إذن كيف يجب علينا إعادة تصور التعليم والتعلم لنكون أفضل من الآلات؟ يمكن لعلم الإدراك مثلاً أن يشرح لنا كيفية حصول عملية الذاكرة والتحفيز والتعلّم.
ولكنّ البشر هم وحدهم من يستطيعون اتخاذ القرار المناسب حول كيفية تسخير هذه التقنية لهدف سامٍ.
- انتشار محتوى الفيديو. غيّرت شركات كـ«نتفليكس» ويوتيوب نظرة الناس للفيديو. واليوم، كثرت المنصات وخدمات الاشتراك والتطبيقات والأجهزة التي تتيح استهلاك المحتوى إلى درجة فاقت حاجة الناس.
بدورها، تتنافس شركات مثل آبل وأمازون وفيسبوك لتصبح منافذ على هذا المحتوى على بعد آلاف الأميال من هوليوود، في حين تعمل منصات البثّ الحي الصينية على ابتكار نماذج جديدة للروايات والروائيين. هذه الأمور سيكون لها تبعات واسعة على ما نشاهده، وكيفية استخدامنا له، ومدى إنفاقنا عليه.

الفضاء والبيئة
- مشاريع تجارية في الفضاء. تلعب الأقمار الصناعية دوراً أساسياً في اقتصادنا عبر تحديد توقيت كلّ صفقة مالية تحصل حول العالم. اليوم ولأوّل مرّة، أصبح الفضاء مصدراً جاذباً للمستثمرين أصحاب رؤوس الأموال الذي يخصصون مليارات لتأسيس شركات ناشئة تعمل في مدار الأرض، ويقود عمالقة هذا المجال مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك وريتشارد برانسون وماسايوشي سون جهوداً تجارية عملاقة خارج كوكبنا.
وفي الوقت الذي تمرّن فيه الصين عضلاتها الصاروخية عبر إرسال بعثات إلى القمر، تسعى البرامج الأوروبية والأميركية الفضائية إلى الحفاظ على تفوقها في مجال الاستكشاف الفضائي.
ولكنّ الدافع الحقيقي للتوسع الاقتصادي نحو الفضاء هو حاجة العالم التي لا تنتهي إلى المزيد من البيانات المستمدّة من الناس، وبالطبع، من الأجهزة المتصلة بالإنترنت. إذ لا يوجد عالم أفضل من الفضاء لجمع معلومات مهمّة حول كلّ المواضيع من التغيّر المناخي إلى الإنتاج الآلي، أو لتركيب شبكة نطاق عريض للإنترنت تغطي العالم بالكامل.
- السباق نحو «صفر انبعاثات». لا يكاد يمرّ يومٌ دون أخبار تتناول التأثيرات السلبية الناتجة عن التغيّر المناخي، كانت نتيجتها تبنّي الحكومات حول العالم لقوانين تنظيمية صارمة، وإنفاق المستثمرين مليارات الدولارات لبناء شركات يراهنون على أنها ستقودنا إلى أيّام خالية من الانبعاثات.

الغذاء والعمل
- مستقبل الغذاء. تبحث كبرى الشركات الغذائية حول العالم عن طرق لصناعة البيتزا المثلّجة التي تساعد في الوقاية من مرض ألزهايمر؛ كما تلعب تقنية مبرمجة دوراً مهماً في ضمان سلامة المخزون الغذائي، في حين يعمل العلماء على تعديل الجينات المطلوبة لصناعة ما يرون أنّها ثمار الطماطم المثالية.
يرسم تصادم التقنيات المتطوّرة مع الغذاء خطوطاً جديدة تحدّدها التفضيلات والتقاليد والتحقيق العلمي المؤكد. وتميل اكتشافات البحث الغذائي إلى الغموض أكثر من الحقيقة، في حين تدفع الوسائل الجديدة لصناعة الأطعمة القديمة الناس إلى إعادة التفكير في مدى «قربهم من الطبيعة».
- مستقبل العمل - التشغيل. يشعر العاملون اليوم بالريبة نتيجة تهديد الأتمتة والصناعة المتقدّمة والذكاء الصناعي بالقضاء على الغالبية الساحقة من المهن أو إعادة هيكلتها. في الوقت نفسه، يبدو أنّ الإنتاجية العامة للعمّال تتضاءل، الأمر الذي يهدّد النمو الاقتصادي.
يشكّل هذا الاقتصاد الذي يسير بعجلتين بشرى سارة في عصر يعيد تفسير مفهوم عمل الإنسان كموظف. وتتغيّر الوظائف الجديدة المبتكرة بسرعة كبيرة، وغالباً ما تنطوي على مكسب علمي مهمّ، لذا يشير البحث العلمي اليوم إلى أنّ الوظائف التي تتطلّب مهارات عادية مصيرها الزوال.
تركّز الشعوب التي تغلب عليها فئة الشيخوخة حصّة كبيرة من جهودها في العناية بكبار السن.
من جهة أخرى، بلغت شركات التقنية مستويات غير مسبوقة من الثروة والانتشار حول العالم. وفي المقابل، فقد أصبح قناع فعل الخير الذي عملت هذه الشركات طويلاً على صقله باهتاً، نتيجة فضائح اختراق البيانات والتلاعب بالمنصات ومخاوف الخصوصية.

«الإنسان الخارق»
- نجاحات طبية: حالة الإنسان الخارق. أدّت التطورات التي شهدها الذكاء الصناعي والتعديل الجيني والحوسبة المتقدّمة في السنوات القليلة الماضية إلى المزيد من الاختراقات الطبية التي لم نكن نتوقعها في القرن الماضي. باختصار، تسهم العلوم الطبية اليوم في توسيع حدود الضوابط التي تحكم طبيعتنا البشرية. فقد أصبحت التغييرات كالتشخيصات والعلاجات المتطوّرة مفيدة للصحة العامة بدرجة لا يمكن تجاهلها، وتسهم في رفع مستوى الصناعات والمشاريع التجارية الجديدة.
إلّا أنّ تراجع أعداد الوفيات وزيادة طول الأعمار يعني أن أعداد السكان سترتفع، مما سيتطلّب المزيد من الموارد كالغذاء والمياه والطاقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ تكلفة الكثير من التطوّرات الطبية الحديثة لا تزال باهظة جداً بالنسبة لغالبية سكّان هذا العالم، وهذا الأمر من شأنه أن يفاقم التفاوت الصحي في حال لم نحضّر أنفسنا له ونتأقلم معها.
في الوقت الحالي، يتيح انخفاض تكاليف طاقة الحوسبة وغيرها من التقنيات العمل العلمي للجميع من أجل استخدام هذا التقدّم في مراكز الشركات الناشئة بدل المختبرات التقليدية في الجامعات والمؤسسات الحكومية.
ولكنّ هذه التكاليف تثير أيضاً عدداً من الأسئلة حول ما إذا كنّا فعلاً نريد أن تصبح تقنية التعديل الجيني متاحة للجميع مقابل 150 دولارا، إضافة إلى عنوان بريد إلكتروني فقط، هذا غير المخاوف الناشئة حول الجهود التي تركز اليوم على إنقاذ الحياة البشرية، والتي قد يتوسع هدفها في المستقبل ليشمل تعديل ملامح الحياة التي نعيشها.

نفوذ مالي ودولي
- مستقبل الموارد المالية. يوظّف المستثمرون مبالغ غير مسبوقة في طفرة التقنية المالية لتمويل كلّ الابتكارات من المصارف الوليدة إلى وسائل الرهان الحديثة.
إلا أن المصرفيين يواجهون تحديات كبيرة تضعها شركات تقنية عملاقة كغوغل وتينسينت، بينما يتبارى المقرضون المخضرمون على جذب الزبائن والمبرمجين وعلماء البيانات.
وتشهد الأموال الورقية تراجعاً في بعض المناطق الجغرافية، بينما تزداد شعبية النقد أكثر من أي وقت مضى في مناطق أخرى.
> نفوذ الصين. استغلّت الصين الولايات المتّحدة وتفوّقت عليها لتصبح بطلاً في العولمة. وفي هذا العام، سنشهد صراعاً بين تقنيي الصين والولايات المتحدة... وهذا الصراع يتجلّى اليوم بوضوح عبر المعركة حول شركة «هواوي».



الطائرات المُسيّرة... ابتكارات متعددة لتحسين جهود مكافحة الأمراض

الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
TT

الطائرات المُسيّرة... ابتكارات متعددة لتحسين جهود مكافحة الأمراض

الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)
الطائرات المُسيرة أداة فعالة لمكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض (برنامج البعوض العالمي)

يتنامى دور الطائرات المُسيّرة «الدرونز» في عديد من المجالات، من بينها مجال الصحة العامة ومكافحة الأمراض، حيث تقدم هذه التكنولوجيا حلولاً مبتكرة للوصول إلى المناطق النائية، وتُسهم في تقليل انتشار المرض.

ويمثّل استخدام الطائرات المُسيّرة في مكافحة الأمراض المنقولة بواسطة البعوض تطوراً مهماً في الصحة العامة؛ حيث يجمع بين التكنولوجيا الحديثة والفاعلية في السيطرة على انتشار الأمراض، وحماية صحة الإنسان.

وفي السنوات الأخيرة، استُخدمت الطائرات المُسيّرة لمكافحة الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا، عبر إطلاق ذكور البعوض العقيمة في المناطق المستهدفة، وتُحلّق الطائرات المزوّدة بصندوق مليء بالبعوض العقيم فوق هذه المناطق، وتطلق الحشرات التي تتزاوج مع الإناث، ما يقلّل من النسل، وهي وسيلة فعّالة وآمنة لتقليل تجمّعات البعوض الناقل للأمراض.

وعلى مدى الأعوام الخمسين الماضية زاد انتشار الأمراض الفيروسية المنقولة بواسطة البعوض، مثل حمى الضنك وزيكا، وتُعدّ بعوضة «الزاعجة المصرية» ناقلاً رئيسياً لهذه الأمراض، وانتشارها تزايَد بسبب التحضر وتغيّر المناخ، ما أطال موسم انتقال الأمراض.

الطائرات المُسيرة يمكنها إطلاق البعوض بشكل آلي (برنامج البعوض العالمي)

ويعيش حوالي 53 في المائة من سكان العالم في مناطق مناسبة لانتقال حمى الضنك، خصوصاً في آسيا وأفريقيا والأميركتين، ما يؤثر على أكثر من 100 دولة.

ولمكافحة حمى الضنك، استخدم باحثون في برنامج البعوض العالمي (WMP) بأستراليا نهجاً مبتكراً، ينطوي على نشر بكتيريا «ولباشيا» في البعوض، التي تمنع انتقال الفيروسات، لكن تطبيق هذه الاستراتيجية على نطاق واسع كان يمثّل تحدياً، بسبب الجهد والوقت، والقدرة على استخدام الطرق اليدوية التقليدية.

نظام آلي

ولإجراء هذه العملية بدقة وأمان طوّر الباحثون ببرنامج البعوض العالمي نظاماً آلياً لنقل البعوض باستخدام الطائرات المُسيّرة، قادراً على حمل 160 ألف بعوضة بالغة، ونُشرت النتائج بعدد 31 يوليو (تموز) 2024 من دورية «Science Robotics».

ويمكن للنظام الآلي إطلاق البعوض في مجموعات صغيرة، كما أنه مزوّد بنظام تحكّم يحافظ على البعوض في حالة تخدير وصحة جيدة حتى يتم إطلاقه في مجموعات من 150 بعوضة.

وفي أول تجربة ميدانية في جزر فيجي جنوب المحيط الهادي وجد الفريق أن الإطلاق الجوي أدّى لتوزيع متساوٍ للبعوض مقارنةً بالطرق التقليدية الأرضية، وفي التجربة الثانية في فيجي انتقلت عدوى «ولباشيا» من البعوض المصاب إلى البعوض البرّي، علاوةً على ذلك نُفّذت هذه العملية عن بُعد بأمان وكفاءة.

يقول الباحث الرئيسي للفريق في برنامج البعوض العالمي، الدكتور جيريمي جيلز، إن استخدام الطائرات المُسيّرة لإطلاق البعوض يحمل العديد من المزايا، أبرزها القدرة على تغطية مناطق واسعة، وبكفاءة أكبر من الطرق اليدوية الأرضية، ما يعزّز فاعلية هذا التدخل.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الطائرات تقلّل من الحاجة إلى استخدام فِرق أرضية كبيرة لنشر البعوض؛ لأنها تتم عن بُعد، ومن ثم تنخفض مخاطر السلامة المرتبطة بالوصول للمناطق الوعرة أو غير الآمنة».

وأشار إلى أن الآلية الجديدة لتوزيع البعوض التي نفّذها الفريق في فيجي يمكن أن تُساهم بشكل كبير في تحسين هذا النهج، ما يُساهم في تعزيز جهود مكافحة حمى الضنك، والأمراض الأخرى المنقولة بواسطة البعوض على نطاق عالمي.

مهام متعددة

ولا يقتصر دور الطائرات المُسيّرة على إطلاق البعوض بشكل آلي، حيث استخدمت خلال السنوات الأخيرة في مهام عدة، منها جمع البيانات حول توزيع وأماكن وجود البعوض، ما يساعد في توجيه جهود المكافحة بشكل أكثر دقةً.

واستُخدمت الطائرات المسيّرة أيضاً لمراقبة البيئات التي يصعب الوصول إليها، مثل المستنقعات والغابات الكثيفة حيث يتكاثر البعوض، ليس ذلك فحسب، بل استُخدمت لتحديد مواقع تكاثر البعوض، من خلال التصوير الجوي وتقنيات التصوير الحراري، في تجارب أُجرِيت في زنجبار وتنزانيا، وهذه البيانات تساعد في استهداف المناطق التي تحتاج إلى تدخل عاجل، سواءً من خلال رشّ المبيدات الحشرية، أو إزالة مواقع المياه الراكدة التي تشكّل بيئة مناسبة لتكاثر البعوض الناقل للأمراض.

كما استعانت بلدان عدة، منها كندا والولايات المتحدة وروسيا، بالطائرات المُسيّرة كذلك في توزيع المبيدات الحشرية بكفاءة على مساحات واسعة، بما في ذلك المناطق التي يصعب الوصول إليها بوسائل أخرى، مثل المستنقعات والمياه الراكدة، وهذه الطريقة تضمن توزيعاً أكثر دقة، ما يقلّل الاستخدام المفرط للمبيدات، ويحُدّ من تأثيرها البيئي السلبي.

ووفق الباحثين، فإن ما يميّز الطائرات المُسيّرة أنها تتيح التدخل السريع في المناطق المتضررة من تفشّي الأمراض، ما يساعد في السيطرة على الوضع بشكل أسرع، وبتكلفة أقل من الطرق التقليدية.