مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات

بعد 6 أشهر من القطيعة بين قايد السبسي و«النهضة»

مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات
TT

مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات

مشهد سياسي جديد في تونس على طريق الانتخابات

حسم الإعلان عن المواعيد الرسمية للانتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية، المقرّرة الخريف المقبل، خلافاً معقّداً بين أبرز صُنّاع القرار في تونس، وذلك بعد اتهامات متبادلة بدفع البلاد نحو الاضطرابات والتوتر، بهدف منع تنظيم هذه الانتخابات أو تأجيلها. إذ كشف نبيل بافون، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، عن أنه تقرر رسمياً أن تنظم الانتخابات البرلمانية يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول)، والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 7 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، على أن تنظّم الدورة الثانية بعد شهر. والمخطط له انطلاق الأطوار التمهيدية للانتخابات في يوليو (تموز) المقبل.
حصل هذا التطور بعد أيام من لقاء بين رئيسي حزب «نداء تونس»، حافظ قائد السبسي (ابن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي)، وحزب «حركة النهضة»، راشد الغنوشي. وكان هذا اللقاء الأول من نوعه منذ 6 أشهر، أي منذ إعلان الرئيس التونسي وحزبه «نداء تونس» القطيعة مع «حركة النهضة»، وتوجيهه اتهامات سياسية وأمنية خطيرة إليها، ما دفعها إلى الدخول في تحالف استراتيجي مع خصومه، بزعامة رئيس الحكومة يوسف الشاهد. فإلى أين تسير تونس على ضوء آخر المستجدات؟
تسيطر أجواء حذر شديد على تونس هذه الآونة، على الرغم من الانفراج الذي أحدثه الإعلان عن روزنامة الانتخابات مُفصَّلة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في أعقاب مشاورات شملت رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان والأطراف السياسية. ولقد توالت تعليقات الإعلاميين وتصريحات السياسيين حول قرب خروج البلاد من النفق بعد التوافق على تاريخ الانتخابات، وبروز مؤشرات إغلاق صفحة القطيعة السياسية بين رئاسة الجمهورية وخصومها بزعامة رئيس الحكومة وقيادة «حركة النهضة»، إلا أن السؤال المطروح هو: إلى أي حد سيكون التفاؤل مبرراً... بينما تونس مهدّدة باستفحال الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية إذا ما تعقدت الأوضاع في «الجارة الغربية» الجزائر، وتواصلت الحرب في «الجارة الشرقية» ليبيا؟

ترحيب من جانب واحد
بين ما شدّ الأنظار أن الإعلان الرسمي عن الاجتماع الأول بين حافظ قائد السبسي وراشد الغنوشي صدر في وسائل الإعلام وفي المواقع الرسمية لـ«حركة النهضة» ورئيسها... وليس في المواقع الرسمية لـ«نداء تونس» وزعمائه، ثم إنه صدر الترحيب باستئناف الحوار بعد 6 أشهر من القطيعة والتوتر عن عدد قليل من قيادات «نداء تونس» مقابل ترحيب كبير به من قبل كثرة من قيادات «النهضة»، فبدا وكأن الترحيب الرسمي من جانب واحد.
هذا، وكشفت مصادر من «حركة النهضة» أن اللقاء جرى في بيت الغنوشي بضاحية «رياض الأندلس» العاصمية، وهو ما فُهم على أنه «رسالة حسن نية» من الرئيس قائد السبسي وابنه، وإغلاقاً لصفحة التوتر بين رئيسي الحزبين التي انطلقت بمناوشة كلامية في المكان نفسه قبل نحو 9 أشهر. وفيما يخصّ الترحيب، فإنه صدر (كما سبقت الإشارة) عن عدد صغير من قياديي «النداء»، بينهم الوزير السابق خالد شوكات ورؤوف الخماسي رجل الأعمال وصديق الرئيس التونسي منذ عقود.
وقال الخماسي في تدوينة على موقع «فيسبوك» إنه ضد «القطيعة التي لن تخدم إلا أعداء الخيار الديمقراطي». وانتقد شوكات الساسة الذين اتهمهم بـ«الاستثمار في القطيعة والعداء والصدام» عوض المراهنة مجدداً على سياسة التوافق بين قيادات الأحزاب الوطنية الكبرى وعلى رأسها «النداء» و«النهضة». كذلك رحّب محمد الغرياني، نائب رئيس حزب «المبادرة الدستورية» والأمين العام السابق للحزب الحاكم قبل 2011، بعودة الحوار بين «النهضة» و«النداء» والدستوريين.

اتهامات ومعارك آيديولوجية
في المقابل، تابع قياديون بارزون في «نداء تونس»، بينهم الوزير المستشار ناجي جلول، والمنسّق العام للجنة إعداد المؤتمر بوجمعة الرميلي، والبرلماني عبد العزيز القطي، انتقاداتهم اللاذعة لقيادة «حركة النهضة»، فحمّلوها مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي خلال السنوات الماضية. ورأى البعض في هذه الاتهامات والانتقادات أن الحملة الانتخابية السابقة لأوانها ستتواصل تحت يافطات آيديولوجية وشعبوية، وليس حول برامج سياسية ومشاريع لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، على حد تعبير نور الدين العرباوي عالم الاجتماع ورئيس المكتب السياسي لـ«حركة النهضة». بل، واتهم العرباوي مَن وصفهم بـ«الاستئصاليين» في المعارضة وفي أحزاب أقصى اليسار «بافتعال معارك آيديولوجية وملفات أمنية، من بينها اتهام النهضة بامتلاك جهاز سرّي يتجسّس على الدولة والمعارضين». وأضاف: «خرافة الجهاز السرّي هي البرنامج الانتخابي للجبهة الشعبية لهذه السنة، ونحن مطمئنون، لأنها ستكون حملة انتخابية فاشلة».

عودة للمربع الأول
لكن هل يمكن أن يُسهِم استئناف الحوار بين «النهضة» و«النداء» في خطوة نحو تغيير تكتيكي تقوم به رئاسة الجمهورية وقيادة «النهضة» من أجل تغيير المشهد السياسي وإضعاف القطب المنافس الذي صعد بسرعة ويتزعمه اليوم رئيس الحكومة يوسف الشاهد والوزير السابق سليم العزابي؟ وهل يؤدي تطبيع العلاقات بين قصر قرطاج وقيادة أكبر القوى الإسلامية إلى إعادة خلط الأوراق سياسياً بما يحرم الشاهد من البقاء في الحكم حتى موعد انتخابات أكتوبر المقبل؟ وهل يتوافق السبسي مجدداً مع زعامة «النهضة» إلى درجة التنسيق معها لإسقاط حكومة الشاهد في البرلمان، وتعويضها بحكومة تكنوقراط مستقلة، ومن ثم، منعها من توظيف وجودها في مؤسسات الدولة انتخابياً؟ أم أن الأمر يتعلّق الآن بمجرد مقابلة سياسية لم تتطور إلى مسار مفاوضات ومشاورات وقرارات مشتركة تؤثر في مصير حكومة الشاهد وحزبه؟
هذه أسئلة مهمة تنتظر أجوبة وتوضيحات.

حكومة تكنوقراط؟
عماد الخميري الناطق الرسمي باسم «حركة النهضة» ذكر أن لقاء الغنوشي بحافظ قائد السبسي جاء «ضمن ظرف دقيق تمر به البلاد، وفي سياق وضع البلاد على سكّة إنجاح انتقالها الديمقراطي». ورداً على سؤال حول فحوى اللقاء، وما إذا كان شمل مطلب «النداء» وبعض الأطراف المعارضة (بينها الجبهة الشعبية) حول تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة تشرف على الدولة في مرحلة انتخابات لضمان حياديتها، قال الخميري باقتضاب إن اللقاء بحث «الأوضاع السياسية العامة بالبلاد»، دون تقديم تفاصيل حول مشاورات تعديل الحكومة.
للعلم، كان الغنوشي وبعض المقربين منه، بينهم رئيس الحكومة السابق علي العريّض، والوزير السابق لطفي زيتون، أدلوا أخيراً بتصريحات أوحت بوجود مشاورات بين الأطراف السياسية حول مقترح تغيير رئيس الحكومة الحالي، الذي أصبح مدعوماً بحزب «تحيا تونس»، وتعويضه بشخصية مستقلة ليست طرفاً في السباق الانتخابي المقبل. وفهم كثيرون أن التصريحات تعبّر عن تخوفات في أوساط عدة مِن «تغوُّل حزب تحيا تونس» في المشهد السياسي الجديد، في حال فوزه بالرئاسة وبالغالبية البرلمانية في آن معاً. لكنّ حافظ قائد السبسي عقّب على تصريحات قيادة «النهضة» بالقول: «نحن ننتظر إصدار بيان رسمي من الحركة حول هذا الموقف، وبعدها يمكن أن نبحث فرضية التحرك المشترك في البرلمان من أجل سحب الثقة عن الحكومة الحالية».
كذلك، عندما عقد اللقاء، توقع سياسيون أن تكون القيادتان قد تبادلتا رسائل تضمنت اتفاقاً سرياً مبدئياً حول بعض القضايا، بينها مستقبل الحكومة، ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة. لكن صمت رئاسة الجمهورية وقيادة «النداء» قد يوحي بأنه لم يجرِ التوصُّل إلى أي اتفاق يهم القضايا الكبرى ومنها التعديل الحكومي.
وذهب سمير الطيب، الوزير اليساري والأمين العام لحزب المسار الشيوعي سابقاً، أبعد من ذلك، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن تغيير الحكومة الحالية «أصبح غير ممكن اليوم دستورياً وقانونياً وسياسياً لأن الحملات الانتخابية السابقة لأوانها انطلقت منذ مدة والعملية الانتخابية ستنطلق بعد 4 أشهر». ورجّح الطيب مواصلة الحكومة ممارسة مهماتها في ظروف عادية. ومن اليسار أيضاً، اعتبر الحقوقي والمعارض السابق شوقي قداس أنه «لا خوف على مصداقية الانتخابات رغم عدم تغيير الحكومة، لأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي التي تتولى الإشراف المباشر على العملية الانتخابية بكل مراحلها، وليس الحكومة».

فرص حزب الشاهد
في هذه الأثناء، حصل أنصار يوسف الشاهد على تأشيرة قانونية لمطلب الحزب الجديد الذي أسسه عدد من كبار كوادر الدولة والمنشقّين عن «نداء تونس» بزعامة سليم العزابي، مدير مكتب رئيس الجمهورية حتى أكتوبر الماضي. وتكشف تصريحات المنسّق العام لهذا الحزب وبعض المقرّبين من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ثقة كبيرة في النفس، وفي كون الغالبية الساحقة من كوادر «النداء» والأحزاب العلمانية واليسارية والليبرالية تناصر المشروع السياسي والحزبي الجديد وستلتحق به قبل الانتخابات المقبلة. بل، وتتوقع البرلمانية ليلى الشتاوي أن يفوز الحزب بالغالبية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، ويغدو الحزب الحاكم الجديد، مرجحةً نهاية «النداء» بعد انشقاق كثير من كوادره.
ونفى الوزير إياد الدهماني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن يكون الشاهد انخرط في هذا الحزب أو وظفه خدمة لأجندات انتخابية أو سياسية خاصة. وتحدى معارضيه قائلاً: «من كانت لديه إثباتات حول توظيف هذا الحزب إمكانيات الدولة عليه أن يرفع الأمر إلى القضاء». لكن تطمينات الناطق الرسمي باسم الحكومة لم توقف حملة الانتقادات للحزب ولرئاسة الحكومة، بحجة وجود عدد من الوزراء والولاة وكبار كوادر الدولة والموظفين ضمن طاقمه وطنياً وجهوياً.
أما العزابي، فعلّق على حملة معارضي حزبه بالتذكير بأن «القانون والدستور لا يمنعان رئيس الحكومة والوزراء والموظفين بالانتماء إلى حزبنا مثلما لم يمنعهم من الانتماء إلى أحزاب أخرى تشارك في حكومة الوحدة الوطنية الحالية، مثل (النداء) و(النهضة) و(المسار) و(مشروع تونس)».
ونفى العزابي رداً على سؤال «الشرق الأوسط» خلال مؤتمر صحافي: «حزبنا يريد تطوير المشهد السياسي ودعم سياسات الإصلاح والبناء التي بدأها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبينها محاربة الفساد. ونحن لسنا حزباً ضدّ طرف معين، بل حزب له مشروع تغيير وإنجاز منفتح على الشباب وعلى كل الطاقات الوطنية».

البكوش وسعيد والجبالي
وتتعاقب المفاجآت وفرضيات تغيير المشهد السياسي التونسي بعد دخول لاعبين سياسيين من الحجم الكبير على الخط، وإعلانهم اعتزامهم المشاركة في السباق الانتخابي والسياسي نحو قصر قرطاج والبرلمان. ويتصدر هؤلاء عدد من المسؤولين السابقين في الدولة، بينهم رئيسا الحكومة السابقان، حمادي الجبالي الأمين العام المستقيل من «حركة النهضة» ورئيس أول حكومة 2012 مطلع 2013، والمهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط المستقل عام 2014.
كذلك، دخل على الخط الأمين العام لاتحاد دول المغرب العربي والوزير السابق للخارجية والأمين العام السابق لـ«نداء تونس» الطيب البكوش. وكان البكوش قد أعلن عزمه خوض الانتخابات المقبلة وتأسيس حزب يحمل تسمية «من أجل تونس»، ويُذكر أنه كان من بين زعماء الحركة النقابية إبان عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، ثم تولى مهمات حقوقية عربية ودولية، من بينها رئاسة المعهد العربي لحقوق الإنسان. ومن المقرّر أن ينسحب البكوش في يونيو (حزيران) من مهماته الدبلوماسية ليتفرغ لمشواره السياسي والانتخابي.
والتحق بقافلة المرشحين سليم الرياحي، الرئيس السابق للنادي الأفريقي وللحزب الوطني الحر، إذ أعلن من منفاه الاختياري في أوروبا نيته رغم استقالته من الأمانة العامة لـ«نداء تونس». وفي الوقت عينه، كشفت استطلاعات الٍرأي تزايد شعبية شخصيات مستقلّة وحزبية من خارج التيارات الإسلامية والدستورية واليسار التقليدي، منها الأكاديمي وخبير القانون الدستوري قيس سعيد، والوزير والحقوقي السابق محمد عبو زعيم حزب التيار الديمقراطي.

قادة تيار الغاضبين
في سياق متصل، ثمة مسائل تشغل معظم السياسيين المعنيين بتشكل المشهد السياسي المستقبلي مثل: مَن سينجح في تشكيل القوة التي تكسب ثقة غالبية التونسيين الغاضبين من أداء كل الحكومات السابقة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً؟ وبمَن سيكسب ثقة التيار المعارض لكل الأحزاب التي خرجت من رحم التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم قبل يناير (كانون الثاني) 2011؟ ثم، مَن سيكون مرشح التيار الشعبي الموالي لمبادئ الثورة «ضد الذين انقلبوا عليها»، حسب تعبير الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، وبعض زعماء المعارضة، مثل المحامي عبد الرؤوف العيادي رئيس حزب «وفاء»؟
الأيام الماضية حملت مفاجأة تمثلت في تنظيم أول تحرك سياسي علني حضره «الرؤساء الثلاثة في حكومة الترويكا»، أي مصطفى بن جعفر والمنصف المرزوقي وعلي العريّض. وحضر المظاهرة مع الجمهور راشد الغنوشي وأمين عام حزب «التكتل» الوزير السابق والنقابي خليل زاوية وعدد من الحقوقيين والنشطاء السياسيين. وفهم المراقبون من هذا التحرك الأول من نوعه منذ خمس سنوات تلويحاً من قبل «رفاق الأمس» بالدخول في تحالفات سياسية جديدة رداً على الأزمة مع «نداء تونس» ومع رئاسة الجمهورية وبعض الأحزاب الدستورية.

خطاب 20 مارس
ختاماً، أعلن فراس قفراش، المستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية، أن الرئيس قائد السبسي قرر عدم الإدلاء بتصريحات صحافية في هذه المرحلة، مع أنه من المقرر أن يخاطب الشعب مباشرة بمناسبة اليوم الوطني يوم 20 مارس (آذار) الحالي. ويتوقع المراقبون أن يوضح الرئيس بالمناسبة موقفه من عدة ملفات، من بينها إشاعة ترشحه لدورة رئاسية جديدة، ومستقبل حزبه الذي يعتبر كثيرون أنه الأوفر حظاً بالفوز في انتخابات الخريف، إذا انسحب نجل الرئيس إلى الصف الثاني في القيادة. وسينتظر التونسيون بالمناسبة توضيح المستجدات في علاقة رئاسة الجمهورية بـ«حلفاء الأمس»، وبينهم قادة «حركة النهضة»، وابنه الروحي يوسف الشاهد الذي تمرّد عليه مع نخبة من كوادر الحزب والدولة ليؤسسوا مشروعهم السياسي الجديد.

روزنامة الانتخابات البرلمانية والرئاسية
كشف نبيل بافون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية عن المواعيد الرسمية للعملية الانتخابية التشريعية (البرلمانية) المقبلة كما يلي:
- تقديم الترشيحات للانتخابات التشريعية ينطلق يوم 22 يوليو، ويتواصل إلى يوم 29 يوليو.
- الهيئة تُعلِن عن القائمة الأولية للمترشحين يوم 6 أغسطس (آب)، وعن القائمة النهائية في 31 أغسطس كأقصى تقدير.
- الحملة الانتخابية بالنسبة للانتخابات التشريعية تنطلق يوم 14 سبتمبر (أيلول)، وتنتهي يوم 4 أكتوبر.
- يوم 5 أكتوبر سيكون يوم الصمت الانتخابي، ويوم 6 أكتوبر هو يوم الانتخاب.
- أقصى تاريخ إصدار دعوة الناخبين من قبل رئيس الجمهورية هو يوم 7 يوليو 2019.
- تقديم الترشيحات للانتخابات الرئاسية ينطلق يوم 27 أغسطس، ويغلق باب الترشيحات يوم 3 سبتمبر.
- الهيئة ستقدم، على أقصى تقدير، القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية يوم 10 أكتوبر.
- الحملة الانتخابية للرئاسية تبدأ يوم 19 أكتوبر، وتنتهي يوم 8 نوفمبر.
- الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية يوم 14 نوفمبر.
- موعد الدورة الثانية في كل الحالات لن يتجاوز 29 ديسمبر (كانون الأول).
- الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية سيكون يوم 13 نوفمبر على أقصى تقدير.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.