نشاطات بيونغ يانغ «الصاروخية» تحبط واشنطن وسيول

أثار تأكيد خبراء أميركيين، أمس، تقارير عن استئناف كوريا الشمالية أعمال ترميم موقع إطلاق صواريخ، جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، وتساؤلات حول مستقبل مفاوضات نزع السلاح النووي مقابل رفع العقوبات.
وأعلن خبراء أميركيون، أن موقع كوريا الشمالية لإطلاق الصواريخ الذي بدأت في تفكيكه في إطار تقاربها مع الولايات المتحدة، بات «عملانياً» مجدداً بعد أن أعادت بيونغ يانغ أعمال البناء فيه. واستناداً إلى صور جديدة التقطتها أقمار صناعية أول من أمس، أكّد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومركز «38 نورث» أن موقع سوهي «بات عملانياً مجدداً».
وفي أول تعليق له على هذه التقارير، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أول من أمس، إن أمله «سيخيب جداً جداً» في زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في حال تأكدت هذه الأنباء. وصرّح للصحافيين: «من المبكّر أن نرى» ما إذا كانت المعلومات حول العمل في الموقع الكوري الشمالية صحيحة.
والتقى ترمب وكيم الأسبوع الماضي في فيتنام للتفاوض على التخلص من ترسانة كوريا الشمالية النووية، إلا أن القمة انتهت من دون تحقيق أي تقدم. وقال باحثون: إن أعمال إعادة بناء منشأة إطلاق الصواريخ بدأت تزامناً مع القمة، وربما قبلها.
بدوره، أكد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، أمس، موقف الرئيس، لكنه قال في الوقت نفسه، إنه منفتح على إجراء مزيد من المحادثات مع كوريا الشمالية بشأن نزع السلاح النووي. وأضاف بولتون في مقابلة مع «فوكس نيوز»، إنه «من الواضح أن الرئيس منفتح على الحوار مجدداً. سنرى متى يمكن أن يحدث ذلك، ومدى إمكانية نجاحه». واعتبر بولتون، أنه من المبكر جداً تحديد مدى صحة التقارير التي تتحدث عن أنشطة صاروخية لبيونغ يانغ. وأضاف: «لدينا طرق كثيرة للحصول على معلومات... سندرس الموقف جيداً. وكما قال الرئيس، سيكون الأمر مخيباً جداً للآمال إذا كانوا يسيرون في هذا الاتجاه».
وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن، أنه تم رصد معاودة النشاط في موقع سوهي بعد يومين فقط على فشل القمة، وهو قد «يظهر التصميم في مواجهة الرفض الأميركي» لطلب بيونغ يانغ تخفيف العقوبات عليها. وتابع المركز: إن «هذه المنشأة كانت مجمدة منذ أغسطس (آب) 2018؛ ما يشير إلى أن النشاطات الحالية متعمّدة ولها هدف»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان كيم وافق على إغلاق موقع سوهي للصواريخ في قمة مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي - إن في بيونغ يانغ في إطار إجراءات بناء الثقة، وأشارت صور أقمار اصطناعية في أغسطس إلى أن العمال بدأوا في تفكيك منصة تجارب في الموقع. ويستخدم موقع سوهي الواقع على ساحل شمال غربي كوريا الشمالية، بحسب الرواية الرسمية، لوضع أقمار اصطناعية في مدارها، لكن من الممكن تكييف المفاعلات بسهولة لحمل صواريخ باليستية. وتتهم الأسرة الدولية كوريا الشمالية بإخفاء برامج عسكرية خلف برنامجها الفضائي. وأطلقت بيونغ يانغ أقماراً اصطناعية من هذا الموقع في 2012 و2016.
بدورها، ذكرت صحيفة كورية جنوبية، أمس، أن جهاز المخابرات الوطنية رصد تحركات لسيارات نقل إمدادات في موقع لأبحاث الصواريخ في سانومدونغ في كوريا الشمالية، وأنه اعتبر ذلك نشاطاً متصلاً بالصواريخ.
وقالت صحيفة «جونجانج إلبو» نقلاً عن عضو في البرلمان: إن جهاز المخابرات أكد خلال إفادة أمام البرلمان، الثلاثاء، أن بيونغ يانغ واصلت تخصيب اليورانيوم قبل الاجتماع الذي عقد الشهر الماضي بين ترمب وكيم. وعدّت الصحيفة هذا التصريح أول تأكيد رسمي من سلطات كوريا الجنوبية بأن جارتها الشمالية تواصل تخصيب اليورانيوم.
وسانومدونغ معروف بأنه موقع إنتاج صواريخ «هواسونغ-15» الباليستية العابرة للقارات، التي تعتبر أول صواريخ باليستية تنتجها كوريا الشمالية، ويمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة.
وفي حين أثارت هذه التقارير موجة استياء وإحباط في الأوساط السياسية بواشنطن وسيول، حافظت بيونغ يانغ على أجواء من التفاؤل مع عرض التلفزيون الرسمي فيلماً يتناول القمة الثانية بين كيم وترمب. وبثت القناة الرسمية، وفق وكالة «رويترز»، وثائقياً تتبّع رحلة كيم بالقطار إلى هانوي، التي استغرقت 11 يوماً. وعرض الفيلم، الذي استمر 78 دقيقة، لقطات من إقامة كيم في العاصمة الفيتنامية خلال تسعة أيام شملت محادثاته مع ترمب، وزيارة لسفارة كوريا الشمالية، وجولة سياحية، وزيارة كبار مساعديه لمواقع صناعية.
ولم يشر إعلام كوريا الشمالية، الخاضع لرقابة شديدة، إلى انهيار القمة أو إلى أي خلاف، رغم أن ترمب وكيم فشلا في تقليص الخلافات بينهما بشأن مدى استعداد كوريا الشمالية للتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية ودرجة استعداد الجانب الأميركي لتخفيف العقوبات عنها.
ويعرض الفيلم الزعيمين وهما يبتسمان ويتصافحان حتى بعد انتهاء القمة دون اتفاق، ويقولان إنهما اتفقا على «الاجتماع وجهاً لوجه بشكل أكثر»، ومواصلة «الحوار البنّاء». وقال المعلّق في الفيلم: إن البلدين «يمكنهما تخطي العقبات والأزمات والمحن، والمضي قدماً إذا قدم الجانبان اقتراحات عادلة تستند إلى مبادئ يقبلها ويحترمها كلاهما، وشاركا في المفاوضات بموقف سليم ورغبة في حل المشكلات».
واعتبر خبراء تجاهل الفيلم انهيار القمة وتركيزه على العلاقة بين الزعيمين، إشارة إلى أن بيونغ يانغ لا تستعد للانسحاب من المفاوضات. وقال المعلق: «كانت القمة تغييراً مهماً لنقل العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد قائم على الاحترام والثقة المتبادلين بين الزعيمين».