لطالما كانت القهوة مرتبطة بالإبداع في الأدب أو الفن التشكيلي، فلها كتب محمود درويش «أحنّ إلى قهوة أمي»، ومن منا لا يحنّ للقهوة وجلساتها الحميمية في منزل الجدة أو الأم، أو حتى في جلسات الأصدقاء. في معرض «وش القهوة» بـ«أتيليه القاهرة» طوعت الفنانة المصرية سارة مدحت، القهوة صانعة هذه الحالة من النوستالجيا إلى لوحات وبورتريهات «ولاند سكيب» تحمل هذا الحنين للزمن الجميل.
إنها دعوة لتذوق القهوة بناظريك، وهي تجربة أيضاً تنعش الحواس تماماً مثلما يفعله تذوقها «على الريحة» أو «مظبوط» أو «سادة». في أول معرض بمصر يضم لوحات رُسمت بالقهوة، تستقبلك سارة مدحت، لتضايفك بفنجان قهوة مستعينة بـ«سبرتاية» وبجوارها تتناثر حبيبات القهوة برائحتها المنعشة. بينما يستقبلك في صدر المعرض بورتريه للفنان المصري الراحل حسين رياض، وحوله عدد من اللوحات التي تجسد الحياة الأسرية، أو العلاقة بين الرجل والمرأة، من ثم تأخذك لوحة «لاند سكيب» إلى منزل من طراز معماري قديم وسيارة كلاسيكية، عائدة بك إلى حقبة الخمسينات.
عبر 35 لوحة، ترسم سارة بكل أنواع القهوة مستخدمة البُن بتدرجاته ومذاقاته، وأحياناً القهوة سريعة التحضير، وكل ما يتطلبه إعداد اللوحة، ليس دمج الألوان، وإنما التفنن في إعداد فنجان القهوة للرسم ليعطيها الدرجات اللونية المختلفة.
وعن سر انجذابها لهذا النوع من الرسم، تقول سارة مدحت لـ«الشرق الأوسط»: «لعبت المصادفة دوراً كبيراً في ذلك، حينما وقعت الفرشاة أثناء الرسم في القهوة، وحينما جرّبت ملمسها على الورق وتأثيرها المدهش، فرسمت لوحة وصوّرتها ونشرتها عبر حسابي على موقع (فيسبوك)، فلاقت تشجيعاً وإعجاباً كبيراً من المتابعين؛ لذا تابعت الفكرة بمزيد من التجريب على اللوحات». وتضيف: «مع الوقت شعرت بأن القهوة أكثر ما يمكن أن تعبّر عن الزمن الجميل، ثم شاركت في معرضين دوليين بالنمسا وبلجيكا»، وانبهر الحضور بتجربتها الرسم بالقهوة، من هنا قررت سارة مدحت أن تستكمل أعمالها لتقيم أول معرض لها.
ستأخذك القهوة إلى الزمن الجميل في ركن كبير من المعرض، خُصص لبورتريهات نجوم السينما المصرية، ومنهم: شويكار، وشادية، وأحمد رمزي، ورشدي أباظة، وهند رستم، وتوفيق الدقن، ونجلاء فتحي... وغيرهم.
في بعض الأعمال استعانت الفنانة بقطع من «الخيش» وأعقاب السجائر وحبيبات القهوة، وحول تلك الخامات تقول: «استعنت بالخيش تعبيراً عن البساطة؛ فخلال العقود الماضية كان يُستخدم الخيش بكثرة، أما السجائر فهي مرتبطة بظهور الشخصية بها، أو بكونها تبرز حالة الترابط بين القهوة والسجائر لدى البعض».
ترسم سارة مدحت على القماش والورق، وفضّلت أن تتميز لوحات معرضها بإطار دائري، ذلك الذي كان رائجاً في منتصف القرن الماضي في ديكورات المنازل أو المعمار.
في «وش القهوة» بعض اللوحات رسمت بالجواش، وبعضها وقعت عليه القهوة وخرجت من البقعة تكوينات وفراغات خلقت لوحات متميزة، في حين جاءت البورتريهات لتعبّر عن تمكّن سارة مدحت من ضربات فرشاتها ليقدم كل بورتريه صورة تنطق بالحياة لنجوم الفن الراحلين، فهذه أم كلثوم وكأنها تنبعث من فنجان قهوة، الذي لطالما رافق جماهيرها ومحبيها أثناء استماعهم لها في حفلات الخميس على المذياع، وهذا أحمد رمزي بابتسامته المميزة، وهذه ماري منيب، بتعبيراتها الكوميدية وإطلالتها المميزة، بينما تطل شادية برقتها وابتسامتها الجذابة، ويطل عبد الحليم حافظ، عبر الإطار وكأنك تطرب لإحدى حفلاته، وزكي رستم، بنظرته الشريرة المميزة، والشاويش عطية بتعبيرات وجهه الكوميدية، لتكون جولتك بالمعرض شبيهه بمتابعة شريط سينمائي يجمع نجوم السينما المصرية.
تخرجت سارة مدحت في كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان عام 2008، وكرّست وقتها لإتقان الرسم بالقهوة، وعن اتخاذ «القهوة» رفيقاً دائماً في مسيرتها الفنية، قالت: «ربما أستكمل في تجربة الرسم بالقهوة ومحاولة تجريب طرق وأدوات جديدة، وربما أتجه للرسم بأدوات وألوان أخرى». وتلفت الفنانة المصرية إلى أن اللوحات المرسومة بالقهوة لا تتأثر بالعوامل الجوية من رطوبة وأتربة؛ لأنها تقوم بصقلها بمادة مثبتة، تجعل اللوحة تحتفظ بمظهرها وتفاصيلها.
حليم وكاريوكا والدقن... «وش القهوة» في لوحات مرسومة بالبُن
عمل فني في معرض بالقاهرة
حليم وكاريوكا والدقن... «وش القهوة» في لوحات مرسومة بالبُن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة