بومبيو: أستمتع بكل دقيقة من وقتي... والعقد الماضي كان أشبه بالرحلة المجنونة

أضاف صعود وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى القمة، منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للبلاد، الكثير من التحديات على كاهل جماعات الضغط السياسي، والمستشارين من مختلف التيارات، والمحنكين بأعمال السياسة في العاصمة واشنطن لسنوات.
وعلى غرار ترمب، لا يعد مايك بومبيو من أبناء المؤسسة الحاكمة الخلصاء في العاصمة الأميركية. وعلى غرار الرئيس الأميركي أيضاً، لا تزال شخصية بومبيو تحمل الكثير من الغموض والألغاز بالنسبة إلى المشتغلين بألاعيب السياسة الأميركية والعالمين بخفاياها ودهاليزها الكثيرة.
فالرائد البارز خريج كلية الحرب في ويست بوينت، والذي ترجع أصوله إلى ولاية كانساس، والمنتخب لعضوية الكونغرس الأميركي، كان قد اقتنصه الرئيس ترمب لشغل ذلك المنصب الرفيع بالغ الحساسية على رأس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) عام 2017.
ومنذ ذلك الحين، صار أحد كبار رجال البيت الأبيض القلائل الذين يعرفون تماماً كيفية التعامل مع الرئيس دونالد ترمب، وأن ينالوا ثقته الأكيدة، وأن يشيع مناخاً من الارتياح لدى الجانبين عبر علاقات العمل الدافئة والرصينة. ولهذا السبب فوجئ عدد غير كبير من المتابعين بقرار ترمب تعيين السيد بومبيو، عام 2018، على رأس وزارة الخارجية التي كان لوزيرها السابق – ريكس تيلرسون – قدر لا بأس به من التوترات المعروفة مع الرئيس الأميركي.
لقد عرفت دونالد ترمب منذ أن كنت في العشرينات من عمري. إنني من أصدقائه، ومن أنصاره الأوائل، ولقد كنت أنا وبيل مندوبيه في ولاية كاليفورنيا. وكنت، أنا وبيل، صبيحة يوم التنصيب نتناول الإفطار رفقة أخته إليزابيث وزوجها جيم. وكنا ضمن «العائلة والأصدقاء» المدعوين إلى فندق ترمب في واشنطن خلال هذا الأسبوع التاريخي. ولقد سألتني إليزابيث قائلة: ما أكبر التحديات التي يمكن أن تواجه أخي؟
فأجبتها مباشرة: «أن يعمل مع حكومة كبيرة. لم يشرف على تعيين أغلب رجالها بنفسه. والبعض الآخر ممن اختارهم بنفسه، لكن لم يسبق له العمل المباشر معهم من قبل». واستطردت: «بعضهم لن يحترم وجوده رئيساً عليه. وبعضهم لن يفهم أسلوبه الخاص في العمل. والبعض الآخر لن يحظى بالمقدرة على تبني رسالته بإيمان وفاعلية».
وقد برز نجم مايك بومبيو إلى صدارة الأحداث بالفعل، ولا سيما في ضوء إبعاد الكثير من الأعضاء الرئيسيين في مجلس وزراء ترمب الأول.
كنت شغوفة كي ألتقي بومبيو في مناخ يتسم بالهدوء والراحة؛ حتى أعرف المزيد عن شخصية الدبلوماسي الأول للولايات المتحدة، فضلاً عن الأسباب التي جعلته يواصل العمل مع الرئيس ترمب حتى الآن، بخلاف بعض أقرانه.
كما سمعت أيضاً من بعض المطلعين في واشنطن أن بومبيو يفضّل دائماً أن يبدأ خطابه بعبارة: «سوزان وأنا سعيدان بتواجدنا هنا».
وكان إلحاقه اسمه بعد اسم زوجته دوماً من الأمور التي أزعجت البعض في واشنطن. لكن ذلك كان من اللفتات التي أثارت إعجابي للغاية. إن الرجل يحب العمل مع زوجته، ويمكن للجميع الاستفادة من ذلك. إنه نوع من أنواع العمل الجماعي، فما الضير من ذلك؟!
ولقد أعربت جهات معنية بمراقبة أخلاقيات العمل الدبلوماسي عن ملاحظاتها بأن «شريك الحياة ليس من شأنه توجيه دفة العمل العام أو موظفي الحكومة». وأصدر بعضهم صخباً بسؤاله عن أهمية مشاركة سوزان بومبيو لزوجها في ثماني رحلات أثناء فترة توقف الحكومة الأميركية عن العمل مؤخراً. وزعموا أن سفرها يستلزم وجود وعمل الموظفين لمساعدتها في حين أنهم لا يتقاضون أجرهم عن ذلك. ومن جهة أخرى، علمت من بعض الأصدقاء المشتركين في واشنطن أن سوزان بومبيو، وهي امرأة ذات معدن أصيل، تفضّل معاونة زوجها في أعماله، ودعمه بكل ما تستطيع الزوجة أن تدعم زوجها.
فلِمَ لا؟
لذا؛ عندما شرعت في برنامج تلفزيوني جديد وتقابلت مع السكرتير الصحافي الأسبق للبيت الأبيض شون سبايسر، مع أصدقائي في شركة وارنر براذرز (ليزا وتيريزا)، رحبت بإجراء مقابلة خاصة مع الزوجين مايك وسوزان بومبيو.
وصلنا إلى منزل الزوجين في أمسية باردة وعاصفة. وكانت سوزان مريضة بعض الشيء، لكنها تجمّلت بوجه شجاع كالمعتاد، وقررت الظهور على شاشات التلفزيون بالطريقة نفسها؛ الأمر الذي أبهجني وأسعدني كثيراً.
وأثناء محاولة طاقم العمل المرافق العثور على الموضع المناسب للتصوير، انخرطت أنا وبيل في محادثة شيّقة مع الزوجين بومبيو. وأدركت على الفور سبب الانسجام الواضح الذي استشعره الرئيس ترمب حيال مايك بومبيو.
حتى أثناء حديثنا عن بعض القضايا بالغة الأهمية مثل الكتاب القادم من تأليف بيل، والمعرفة العميقة التي يملكها حول شخصية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أو صداقتي القديمة مع رئيس الوزراء الباكستاني الحالي عمران خان، كان تبادل الآراء مع الرجل ظريفاً وممتعاً ومنيراً، مع الكثير من المزحات اللطيفة التي نتلقفها من بعضنا البعض جيئة وذهاباً.
ولمّا تذكرت كيف استمتع الرئيس ترمب والسيدة الأولى ميلانيا بالضحكات اللطيفة معي، في لقائنا الأخير معه، أدركت الأمر تماماً.
فإنه في خضم أجواء التوتر المستمرة، والأخبار المتواترة من هنا وهناك، والتحقيقات الجارية، يكون الاجتماع مع بومبيو من أفضل اللحظات التي يحظى بها ترمب. حتى مع الأنباء السيئة أو المزعجة، فإن الرجل يبثها لرئيسه بطريقة ذكية وسريعة لا تثير حفيظته. أجل... لا مانع من مزحة أو اثنتين تلطيفاً للأجواء الملبدة بالغيوم السياسية الكئيبة.
ولقد أثار بومبيو إعجابي كذلك؛ لأنه الرجل الذي يملك الإجابة السريعة المتوازنة عن كل سؤال قد يتبادر إلى ذهننا أثناء اللقاء. ومن المعروف عن الرئيس ترمب أن يحب طرح الأسئلة طيلة الوقت؛ إذ يعتبر ذلك من أدوات صناعة القرار السياسي السليم. كما أن مجال انتباهه للتفاصيل موجز بحكم كثرة القضايا والمسائل التي يتناولها في كل يوم. وبالتالي، يعد بومبيو هو الشخصية المثالية للتعامل مع السيد الرئيس. ويمكنني تصور مباراة كرة الطاولة السريعة للغاية التي قد يستمتع بها الرجلان!
ولقد تغيّرت رؤيتي كثيراً، إثر تمضية تلك الأمسية الرائعة رفقة الزوجين بومبيو، بشأن بعض المسائل، عندما بدا وزير خارجية الولايات المتحدة متبسماً في الوقت الذي توقع الكثيرون من حولنا أن يروا وجهه عابساً. إن مايك بومبيو رجل مرح دمث الأخلاق. إنه دائم الترحيب والابتسام لكل من حوله. إنها طبيعته الشخصية، من دون تكلّف دبلوماسي ظاهر. لكن، لا يجب الخلط بين أخلاقياته الهادئة وبين صرامته وتركيزه الكبير على أهداف الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية.
وكما أخبرتني زوجته سوزان: «يا لها من أمسية ممتعة. لقد استمتعنا بالحديث عن جملة من الموضوعات الأخرى مثل الأفلام، والموسيقى، والعائلة، والطعام. وهي ليست من الأمور التي يجيب مايك عن الأسئلة بشأنها في كل يوم».
وبالعودة إلى مشهد العائلة اللطيف الهادئ.
أثناء استعداد سوزان للتصوير، لفت «شيرمان» – كلب الأسرة – اهتمام الجميع. وهو كلب أبيض أنيق، يزن نحو 120 رطلاً. ويشتكي بومبيو من بدانة كلبه المفرطة. ولقد أدلى كل منا بدلوه في أفكار غير مألوفة حتى يفقد «شيرمان» بعض السعرات الحرارية اللازمة.
يتسم المنزل الذي استأجرته العائلة بأنه قديم، ولا أستطيع الكشف عن موقعه للقراء. لكنهم اختاروه لأسباب رسمية كما تبدّى لي. وقالت زوجته إنها تناقشت معه بشأن صعوبات صيانة المنازل القديمة. ورغم أنه منزل متواضع، فإنهما نجحا في تحويله إلى منزل أسري دافئ ولطيف. وعلى الرغم من جدول السفريات الساخن والمحموم لوزير خارجية البلاد، فإن العائلة والمنزل من القيم الأصيلة لديهما رغم كل شيء.
فكلاهما ينحدر من ولاية كانساس. وقالت لي السيدة سوزان إنها أمضت جُل حياتها هناك، وإنها انتقلت إلى العاصمة واشنطن فقط مع تولي زوجها منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. وحينها تغيّرت حياتها كلياً. وهي تحاول دعم وإسناد زوجها على الدوام. أجل... ما زلنا نفتقد كانساس كثيراً، كما قالت.
يمكنك ملاحظة أنهما يحملان حباً وتعلقاً وشغفاً كبيراً بالريف الأميركي في قلوبهما. فهو يحب الاسترخاء، والاستماع إلى الموسيقى الريفية، هذا إن أتيحت له برهة من الوقت أثناء سفره وترحاله المستمرين. وقالت سوزان: «إنني أحب الاستماع لأغنيات توبي كيث. وأعشق الموسيقى الريفية للغاية. كما أحب الاستماع إلى الأغاني القديمة من المرحلة الثانوية».
استمر زواجهما منذ 20 عاماً، ولديهما نجل واحد بالغ يدعى نيكولاس.
طاف مايك بومبيو مختلف عواصم العالم خلال الشهور القليلة الماضية. ومع ذلك لا يزالان يشكلان فريقاً عائلياً مترابطاً ومتماسكاً للغاية.
تقول سوزان: «عندما يكون مسافراً وأبقى أنا هنا، نحاول الحديث مرة على الأقل يومياً».
ويجيب مايك: «أجل، إننا نبذل قصارى جهدنا للتواصل المستمر». وتضيف سوزان: «وعندما يهاتفه ولدنا، فإن ذلك يكون على قائمة أولوياته بالطبع».
وفي حال الإقامة من دون سفريات، فإن العائلة تفضل الذهاب إلى دور السينما سوياً.
تقول سوزان: «يحب مايك فريق (كوين) الغنائي؛ ولذلك ذهبنا لمشاهدة فيلم (بوهيميان رابسودي) في عطلة نهاية الأسبوع». ويعلّق مايك قائلاً: «يا إلهي... لكم أحببت هذا الفيلم». وتردف سوزان بالقول: «كما ذهبنا لمشاهدة فيلم (مولد النجم)، إنني أحب هذا الفيلم كثيراً».
وقد ثارت في الآونة الأخيرة بعض الإشاعات عن ترشح مايك بومبيو لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية كانساس، مع تردد أنباء عن قرب تقاعد السيناتور الجمهوري الحالي عن الولاية باتريك روبرتس؛ مما يفتح الأجواء أمام سباق انتخابي على المقعد الشاغر. وافترض الكثيرون أن السيد بومبيو سيغادر منصبه في الخارجية الأميركية لأجل ذلك، والانتقال إلى الاهتمام بالسباق الانتخابي المتوقع، ومحاولة التواصل مع الجهات المانحة ومع الناخبين. وكان زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل يحض مايك بومبيو على المضي قدماً في هذا الطريق.
وأشار بعض المراقبين إلى أن المرشحين الرئاسيين قد يحتاجون إلى مؤازرة من بعض الشخصيات في مجلس الشيوخ، إضافة إلى وجود لقب وزير الخارجية الأسبق على رأس الأوصاف الوظيفية في السيرة المهنية. فضلاً عن الخلفية العسكرية الرفيعة التي يحظى بها السيد بومبيو، كما هو معروف.
ومن يدري ماذا سوف يجلب المستقبل بعد عهد دونالد ترمب؟ وحتى الآن، لماذا لا نتخير أنسب الأماكن لأنفسنا؟
ومع كل شيء، فإن بومبيو لا ينوي السير في هذه الطريق. ليس الآن على أدنى تقدير.
وقال مايك بنفسه: «لقد كان العقد الماضي أشبه بالرحلة المجنونة، ومثيراً للروع والإعجاب في آن واحد. من نيابة الكونغرس، إلى الاستخبارات المركزية، إلى الخارجية الأميركية. لا يزال على قائمتي عدد من الأمور أنوي القيام بها في وزارة الخارجية. وآمل أن أتمكن من ذلك خلال مزيد من الوقت. إنني أستمتع بكل دقيقة من وقتي هناك (في الخارجية)».
وكان السيد مايك بومبيو يتأهب، مرة أخرى، للسفر إلى الخارج عقب لقائنا الممتع مباشرة!