محكمة بلجيكية تستعد لإصدار حكمها في قضية الهجوم على المتحف اليهودي

محامي الحق المدني مارك ليبير (يسار) مع جيل فاندربك محامي الدفاع عن المتهم ناصر بندرار في محكمة بروكسل الشهر الماضي (إ.ب.أ)
محامي الحق المدني مارك ليبير (يسار) مع جيل فاندربك محامي الدفاع عن المتهم ناصر بندرار في محكمة بروكسل الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

محكمة بلجيكية تستعد لإصدار حكمها في قضية الهجوم على المتحف اليهودي

محامي الحق المدني مارك ليبير (يسار) مع جيل فاندربك محامي الدفاع عن المتهم ناصر بندرار في محكمة بروكسل الشهر الماضي (إ.ب.أ)
محامي الحق المدني مارك ليبير (يسار) مع جيل فاندربك محامي الدفاع عن المتهم ناصر بندرار في محكمة بروكسل الشهر الماضي (إ.ب.أ)

بعد مرور ما يقرب من خمس سنوات على حادث الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل الذي وقع في مايو (أيار) 2014 وأسفر عن مقتل أربعة أشخاص، بدأت عملية المداولة بين المحلفين لإبداء الرأي حول ما إذا كان أي من المتهمين في القضية مذنباً أم لا، على أن يصدر حكم المحكمة ربما بحلول يوم غد (الجمعة).
ويأتي ذلك بعد أن استغلّ المتهم الرئيسي في ملف الهجوم على المتحف مهدي نموش الفرصة الأخيرة التي أعطتها له المحكمة للتحدث قبل صدور الأحكام، لكن حديثه طرح كثيراً من التساؤلات بدل أن يقدم الإجابات المطلوبة، بحسب ما لاحظت وسائل إعلام في بروكسل. وقال نموش للمحكمة: «لقد تعرضت للخداع، وقد شرح لكم المحامي أسباب عدم التحدث والتزامي بالصمت طوال الفترة الماضية. ولم يكن صمتي عدم احترام للمحكمة إطلاقاً، ولو كان الأمر بإرادتي لكنتُ فعلت أشياء مغايرة. وشكراً لكم على الاستماع إلينا على مدى شهرين».
وكان الدفاع عن نموش قد أشار في وقت سابق إلى علاقة للمخابرات الإيرانية و«حزب الله» بهذا الملف. وأعاد نموش في مداخلته القصيرة التأكيد على النظرية التي تحدث عنها محاموه سابقاً، ومفادها أنه وقع ضحية لأجهزة المخابرات اللبنانية والإيرانية التي جنَّدته من أجل قتل عنصرين من «الموساد».
كذلك تحدث نصر بندرار، المتهم الثاني الذي يواجه اتهامات تتعلَّق بتوفير السلاح لمرتكب الحادث. وقال بندرار من جديد للمحكمة إنه بريء وإن المحاكمة بالنسبة له «تمثّل كابوساً... لا أعلم ماذا أفعل هنا! أنا فعلاً بريء». وأضاف أمام المحكمة: «لقد طلب مني شخص سلاحاً ولم أعطه. لقد فعلت أشياء غبية كثيرة من قبل، ولكن في هذه القضية ليس لي علاقة، وأنا أعلم جيداً أن الكذب يصل أسرع من الحقيقة».
وكانت المحكمة قد استمعت، في الأيام الماضية، إلى تعقيب أخير من الادعاء العام والدفاع عن المتهمين والدفاع عن المطالبين بالحق المدني. وبعد أن حصل المتهمان على الكلمة في جلسة أول من أمس (الثلاثاء)، بدأ المحلفون مرحلة البحث عن إجابات على 56 سؤالاً مطروحاً حول تفاصيل القضية والتحقيقات، وبعدها المداولات في الحكم. وقالت وسائل الإعلام إنه إذا خلص المحلفون إلى اعتبار أحد المتهمين مذنباً بالفعل فيمكن أن يصدر قرار المحكمة، غداً (الجمعة). وخلال مرافعات الدفاع، دفع سيباستيان كورتوا، محامي الفرنسي مهدي نموش، بأن موكله «وجد نفسه متورطاً في عملية للاستخبارات الإيرانية أو اللبنانية ضد الموساد». وناشد محامي نموش عقب ساعات من المرافعات، القضاة، ألا يقعوا في «خطأ» إدانة موكله، مجدداً أن الأخير تم «الإيقاع» به. إلا أن الدفاع عن الطرف المتضرر في هذه القضية وصف هذه الحجة بأنها أقرب إلى «الهلوسة».
وخلال مرافعات الادعاء العام، قال المدعي العام إيف مورو: «بالنسبة لنا نموش هو منفذ الاعتداء وهو من أطلق النار على الضحايا، وإلى جانب ذلك هناك من قدَّم له المساعدة في تنفيذ الهجوم وهو نصر بندرار الذي وفر له السلاح، وبالتالي يُعتبر شريكاً في التخطيط للهجوم وليس شريكاً في التنفيذ». وعن المتهم الثاني بندرار، قال المدعي إن الشخص الذي يوفر السلاح لشخص آخر دون أن يستفسر منه عن الهدف من استخدامه يعني أنه سيكون شريكاً معه في الخطط الذي يريد استخدام السلام فيها، منوها بأن من يقدم المساعدة للجاني يعتبر في معظم الحالات شريكاً له في الجريمة ولكن في هذه الحالة يمكن اعتبار بندرار شريكاً في التخطيط فقط.
وإذ أيدت محكمة الجنايات فرضية الادعاء، فإن عملية الاغتيال هذه تُعد أول هجوم يرتكب في أوروبا من قبل مقاتل متشدد عائد من سوريا، قبل ثمانية عشر شهراً من الاعتداء الدموي الذي وقع في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، والذي أوقع 130 قتيلاً في باريس.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟