لا يبدو أن الأخبار السارة التي تتوارد عن «الجامعة العثمانية» ستنتهي بنهاية هذا العام، فبعد تسجيلها واحدا من أعلى الأرقام القياسية بين أكثر الجامعات جذبا للطلبة الأجانب هذا العام، أُعلن حديثا أن «الجامعة العثمانية» هي الجامعة الأكبر في الهند. و«الجامعة العثمانية» هي الجامعة الإسلامية الثانية في الهند، وقد جرى تأسيسها عام 1918 في جنوب البلاد في ولاية حيدر آباد.
وحسب آخر البيانات الصادرة عن هيئة الدعم المالي للجامعات الهندية، تضم «الجامعة العثمانية» نحو 901 كلية تابعة، وهو العدد الأكبر بين جميع جامعات الهند.
* إنشاء الجامعة
أُنشئت «الجامعة العثمانية» في عام 1918، وحملت اسم مؤسسها مير عثمان علي خان، آخر نظام (حاكم) لولاية حيدر آباد. وكانت مجلة «فوربس» الأميركية الشهيرة، قد أعلنت أن مير عثمان علي خان هو أغنى رجل في العالم.
وقد لعب مولوي عبد الحق، المعروف بـ«أبو اللغة الأردية»، دورا رئيسا في إنشاء «الجامعة العثمانية»، التي تحتفظ بميزة أنها الجامعة الأولى التي تعتمد لغة هندية (اللغة الأردية) في تدريس مناهجها. غير أنها اعتمدت اللغة الإنجليزية في خمسينات القرن الماضي كلغة التدريس الأولى.
وتُعد اللغة الأردية رابع أكثر اللغات تحدثا في العالم، حيث ينطق بها 550 مليون نسمة. وقد ظهرت اللغة الأردية في الهند منذ ما يقرب من 900 عام، بتأثير من اللغات الفارسية والعربية والتركية.
وقد حققت «الجامعة العثمانية» كثيرا من الإنجازات المبهرة تحت رئاسة مولوي عبد الحق، وأصبحت في عهد ذلك الرجل الجامعة الثانية في الهند بعد «جامعة عليكرة الإسلامية».
لماذا تُعد «العثمانية»
أكبر جامعات الهند؟
تعد «الجامعة العثمانية» واحدة من كبريات الجامعات في شبه القارة الهندية، حيث تضم أكثر من 300 ألف طالب في جميع الكليات التابعة لها. كما تُعد الجامعة مركزا فكريا رئيسا في البلاد، فقد خرّجت كثيرا من الشخصيات البارزة، مثل رئيس وزراء الهند السابق بي في ناراسيمها راو.
ويوجد القليل من الجامعات في الهند التي تتمتع بشهرة وعراقة «الجامعة العثمانية»، التي تُعد من أقدم الجامعات الحديثة في الهند.
* الطلبة والكليات
تُعد «الجامعة العثمانية» اتحادا يضم «كليات تأسيسية» و«كليات جامعية» و«كليات تابعة». وتنتشر «الكليات التابعة» في ولاية حيدر آباد وتوفر كثيرا من مناهج التعليم الجامعي ومناهج الدراسات العليا.
ويغطي حرم «الجامعة العثمانية» مساحة تقترب من 1600 فدان. وتجتذب الجامعة طلبة من شتى أنحاء الهند، وكذلك من شتى أنحاء العالم. ويقارب عدد العاملين فيها 5000 أستاذ ومحاضر وعامل، كما تضم عددا كبيرا من الطلبة الأجانب.
* الطلبة الأجانب
يقول مسؤولو «الجامعة العثمانية» إن الجامعة قبلت هذا العام نحو 1600 طالب أجنبي، بزيادة 200 طالب عن العام السابق. وسجل الطلبة المقبلون من غرب القارة الآسيوية وشرق القارة الأفريقية رقما قياسيا، حيث وصل عددهم إلى 1200 طالب، بينما جاء بقية الطلبة من العراق والسودان وأفغانستان.
وقد جذبت درجات بكالوريوس التجارة والماجستير في الآداب والعلوم العدد الأكبر من الطلبة العرب. الكثير من الطلبة، الذين جرى قبولهم في «الجامعة العثمانية»، حصلوا على منحة جامعية من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، كما يهتم الكثير من الطلبة العرب، الذين يلتحقون بالجامعة، بدراسة اللغات، ولذلك تلقى دورات العام الواحد التي يحصل بعدها الطالب على شهادة في اللغة الإنجليزية إقبالا كبيرا.
وهذا ما أكدته تصريحات القنصل الثقافي السعودي في نيودلهي دكتور علي شهري، عندما قال إن الطلبة السعوديين الذين يرغبون في عمل دراسات عليا يعطون الأولوية لـ«الجامعة العثمانية» كوجهتهم الرئيسة في هذا المجال.
ويتوقع مسؤولو الجامعة أن مزيدا من الطلبة الأجانب، وبالأخص من دول الخليج العربي وقارة أفريقيا، سوف يلتحقون بـ«العثمانية» في المستقبل القريب. ويقول جي بي ريدي، مدير مكتب العلاقات الخارجية بالجامعة، أنه «جرى افتتاح مدن جامعية خاصة للطلبة الأجانب هذا العام، وهي الخطوة التي من المتوقع أن تساهم في جذب مزيد من الطلبة من دول أخرى».
وتخصص «الجامعة العثمانية» في حيدر آباد حصة زائدة تبلغ 15 في المائة من نسب القبول في دراسات بكالوريوس الهندسة وبكالوريوس التكنولوجيا للطلبة الأجانب والطلبة الأجانب من أصل هندي، وأبناء الهنود العاملين في دول الخليج العربي للعام الدراسي 2013/ 2014. وينبغي على المتقدم للقبول في تلك الدراسات أن يكون قد أكمل عامه الـ17، وليس هناك حد أقصى لأعمار الطلبة الأجانب المتقدمين للحصول على تلك الدراسات. وحسب ما تنص عليه خطابات القبول التي ترسلها «الجامعة العثمانية» للطلبة، ينبغي على المتقدمين الاتصال بالسفارة أو القنصلية الهندية الموجودة في بلادهم من أجل الحصول على تأشيرة طالب للدراسة في «الجامعة العثمانية». وينبغي على جميع الطلبة الأجانب التقدم بطلب الالتحاق بالجامعة مرفق به مصاريف الدراسة على النحو الموضح، الذي يمكن الحصول عليه من موقع الجامعة الإلكتروني. وينبغي إرسال طلبات الالتحاق، الخاصة بالطلبة الأجانب الحاصلين على منحة دراسية، إلى المجلس الهندي للعلاقات الثقافية أو وزارة تنمية الموارد البشرية (قسم التعليم)، الحكومة الهندية، نيودلهي. وتقوم الوزارات أو الهيئات المعنية بالبحث في أصول الطلبة الذين تشملهم نسبة الـ15 في المائة. وينبغي على الطلبة الحصول على جواز سفر أجنبي ساري المفعول، كما ينبغي أن يتوفر لهم قدر كاف من العلم باللغة الإنجليزية حسب متطلبات البرنامج التعليمي الذي سينخرطون فيه. وقد قبلت «الجامعة العثمانية» 300 طالب حصلوا على منح تعليمية من المجلس الهندي للعلاقات الثقافية هذا العام، غالبيتهم من أفغانستان.
* لماذا يتدفق الطلبة العرب على «الجامعة العثمانية»؟
بعد إتمامه لمرحلة التعليم الأساسي، قرر «بهيجة» (من اليمن) الذهاب إلى حيدر آباد لاستكمال الدراسات العليا في «الجامع العثمانية». ولم يتخذ بهيجة قراره على أساس حقيقة أن الجامعة تتميز بقدر كبير من جودة التعليم، بل أيضا لأن هناك الكثير من أقاربه يدرسون هناك. وقد جرى قبول «بهيجة» في «الجامعة العثمانية» التي يدرس فيها منذ أكثر من أربعة أعوام.
ومع هجرة آلاف الطلبة العرب كل عام إلى حيدر آباد للانضمام إلى جامعاتها، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالدراسة، حيث يتشارك هؤلاء الطلبة روابط دم مع تلك المدينة التي تجتذبهم إليها. وتضم منطقة «باركس» في حيدر آباد الكثير من السكان ذوي الأصول العربية.
ويقول عبد الله، من سوريا، إنه وكثيرا من الطلبة العرب يضعون حيدر آباد على قائمة أولوياتهم، عندما يتعلق الأمر باستكمال مرحلة التعليم العالي، حيث إنهم يشعرون أن جامعاتها تمثل الاختيار الأمثل بالنسبة لهم. وتضم «كلية نظام»، التأسيسية في «الجامعة العثمانية»، أكبر عدد من الطلاب الأجانب من البلاد العربية. وقد جاءت «كلية نظام» إلى الوجود في عام 1887، غير أنها كانت تحمل اسم مدارس العلية ومدارس مبارك حينما جرى إنشاؤها لأول مرة في عام 1872.
وبالإضافة إلى أواصر الدم التي تربط الطلبة العرب بالولاية، تأتي أنواع الطعام التي تشتهر بها الولاية، مثل طبق «الشربة» أو طبق «الشيرمال»، على رأس الأشياء الأخرى التي تجتذب الطلبة المقبلين من منطقة الشرق الأوسط إلى حيدر آباد.
وقد استأجر «هانو»، من السودان، مرأب سيارات في إحدى مدن حيدر آباد وحوله إلى مطعم يقدم فيه طبق «الشورمة»، الذي تشترك فيه البلاد العربية مع الهند. ويساعد هذا المطعم «هانو» على سداد مصاريف دراسته في حيدر آباد.
* المكتبة
تُعد مكتبة الجامعة هي المكتبة الرئيسة في «الجامعة العثمانية»، وقد جرى إنشاؤها في عام 1918، وهو العام نفسه الذي أُنشئت فيه الجامعة. وتتزين أرفف تلك المكتبة بما يقرب من 500 ألف كتاب وأكثر من ستة آلاف مخطوط، من بينها مخطوطات نادرة من سعف النخيل. كما تحتوي المكتبة على عدد كبير من المجلات والوثائق الحكومية، وغيرها كثير. وتتبع المكتبة نظاما مكتبيا يربطها بجميع المكتبات الموجودة في الحرم الرئيس لـ«الجامعة العثمانية»، وكذلك المكتبات الموجودة في بقية الكليات التأسيسية التابعة لها.
أُنشئ قسم الدراسات الإسلامية في «الجامعة العثمانية» في عام 1965. وقد شغل الأستاذ الزائر والمستشرق الألماني، هانز كروز، منصب أول رئيس لذلك القسم. وتوفر المناهج، التي يجري تدريسها في قسم الدراسات الإسلامية، المعلومات الأساسية عن الدين الإسلامي، وكذلك المجتمعات المسلمة في البلاد المختلفة. ويسعى القسم إلى تشجيع التفاعل بين فروع العلوم المختلفة، وكذلك نشر الوعي النقدي للقضايا الدينية والمجتمعية المختلفة، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى تشجيع علاقات مجتمعية جيدة وإزالة عدم الثقة وسوء الظن المتبادل بين أعضاء المجتمع المتعدد الثقافات والديانات. ويتضمن برنامج الدراسات العليا، الذي يوفره القسم، درجة الماجستير في الآداب وماجستير في الفلسفة ودرجة الدكتوراه.
* تحفة معمارية
وبجانب شهرتها في مجال التعليم العالي، تتميز «الجامعة العثمانية» بطراز معماري لا يضاهيه أي من المؤسسات التعليمية الأخرى في طول الهند وعرضها، حيث تقف أبنية الجامعة في حيدر آباد كتحفة رائعة من الغرانيت. ولهذا تغري «الجامعة العثمانية» كثيرا من السائحين بزيارة أبنيتها بالقدر الذي تجتذب به الكثير من الطلبة. ويحتل مبنى كلية الآداب الفخم، على سبيل المثال، مساحة 250 ألف قدم مربع في منطقة قروية تضم جادة تنتشر الأشجار على جانبيها. وتُعد كلية الآداب بمثابة النواة لـ«الجامعة العثمانية» التي يغطي حرمها مساحة 1500 فدان، ويضم مجموعة من المباني الجميلة التي تشكل حرم الكليات الأخرى.
وتخفي تلك الأبنية الجرانيتية العظيمة، الذي تقف شاهدا على عظمة «الجامعة العثمانية» المعمارية، ملحمة تاريخية من التفكير والتخطيط والبناء لهذا البناء الحجري الأنيق.
قام اثنان من المهندسين المعماريين البارزين في حيدر آباد، وهم علي رضا وزين يار يونغ بجولة موسعة في كل أرجاء العالم تقريبا لدراسة فن العمارة للأبنية التعليمية، لا سيما الجامعات القديمة مثل برنستون وهارفارد وييل في الولايات المتحدة الأميركية، وأكسفورد وكمبردج وأدنبره ومانشستر في إنجلترا، كما زاروا بعض الأبنية التي ما زالت في مرحلة الإنشاء في بعض الجامعات، مثل كينغستون وبرمنغهام وليدز. كما اشتمل خط سير الرحلة على زيارة بعض الجامعات في أوروبا، مثل السوربون وهايدلبرغ وميونيخ وبرلين والنمسا. ثم اختتم المهندسان جولتهما بزيارة مصر وتركيا للاطلاع على طرز العمارة الإسلامية هناك.
وتمزج أبنية «الجامعة العثمانية» بين كثير من الطرز المعمارية مثل المعابد الهندية والعمارة الساراكينوسية المطعمة ببعض النقوش من العمارة الإسلامية والعربية والمورسكية والقوطية، التي ترجع إلى العصور الوسطى للإسلام.
يقول مير عثمان علي خان، مؤسس «الجامعة العثمانية»، لدى افتتاح كلية الآداب: «الحمد لله أن هذا الصرح العظيم، الذي ليس له نظير في جماله وفخامته وقدره الرفيع في الهند أو في العالم، قد بات جاهزا للعمل الآن».
وعند بداية الدراسة لأول مرة في «الجامعة العثمانية»، كان شعارها يحمل نقشا من أحاديث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أنا مدينة العلم.. وعلي بابها».
* ينابيع العلم
توفر «الجامعة العثمانية» مجموعة كبيرة من المناهج التعليمية، بما فيها الأكاديمية والفنية والمهنية. كما تدرس الجامعة منهجا في العلوم الإنسانية والفنون والعلوم الاجتماعية والتخصصات العلمية والقانون والهندسة والطب والتكنولوجيا والتجارة وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات واللغات الشرقية.
وبالإضافة إلى ذلك، توفر «الجامعة العثمانية» دراسات في مجالات متعددة من خلال التعليم عن بعد. كما تشتهر الجامعة بالأنشطة البحثية التي تجريها المعاهد التابعة لها في الكثير من المجالات. يقوم معهد الجينات ومستشفى الأمراض الوراثية بعمل أبحاث في مجالات علم الوراثة السريرية وعلم النفس السريري والباثولوجيا السريرية وعلم البيولوجية الجزيئية وعلم الكيمياء الحيوية وعلم الأحياء الخلوي وعلم السموم البيئية. أما مركز الطاقة والتكنولوجيا فيقوم بعمل أبحاث في مجالات مصادر الطاقة المتجددة. كما يوجد بالجامعة الكثير من مراكز الأبحاث الأخرى.
* المنشآت التابعة
توفر «الجامعة العثمانية» الإقامة في المدن الجامعية التابعة لها للطلبة المغتربين. ويوجد حاليا 14 مدينة جامعية تابعة لحرم الجامعة. وقد جرى تخصيص نزل لإقامة طلبة كلية الهندسة يقع بالقرب من كلية الهندسة، كما جرى تخصيص مدينتين جامعيتين للفتيات.