نجاح إضراب المهنيين السودانيين بنسبة عالية

توقعات بإطلاق مبادرة رئاسية للحوار مع المعارضة

TT

نجاح إضراب المهنيين السودانيين بنسبة عالية

نفذ مهنيون وعمال سودانيون، إضرابا عن العمل، لمدة يوم واحد أمس، استجابة لدعوة أطلقها «تجمع المهنيين السودانيين» وشركاؤه في تحالف «قوى الحرية والتغيير» المعارض، في الوقت الذي تنوقلت فيه تقارير صحافية عن «مبادرة حوار» يطلقها الرئيس عمر البشير قريباً.
وبحسب متابعات «الشرق الأوسط»، فإن مؤسسات خاصة وصيدليات أبلغت زبائن بدخولها الإضراب، فيما شاركت أعداد مقدرة من المهنيين بينهم أطباء وكوادر صحية ومحامون وموظفون عامون وصحافيون وموظفو بنوك في الإضراب. وتناقلت وسائط التواصل الاجتماعي صورا وفيديوهات لأشخاص يضعون على صدورهم لافتات مكتوبا عليها «مضرب»، إعلاناً لرفضهم للنظام الحالي، وأعلن صحافيون في صحيفتين مستقلتين على الأقل «الجريدة، والسوداني»، وعدد آخر من الصحافيين «الإضراب عن العمل»، بينهم صحافيون من صحيفة «التيار» المتوقفة بسبب اعتقال «ناشرها ورئيس تحريرها عثمان ميرغني» تضامناً مع زملائهم.
وقال مصدر في شركة «زين» كبرى شركات الاتصالات السودانية، إن عدداً كبيراً من موظفيها يقدر بزهاء 80 في المائة من قوتها العاملة غابوا عن العمل، وإن بعض الذين داوموا أمس رفضوا العمل بحجة أنهم مضربون.
ورفضت نسبة تقدر بـ90 في المائة من المحامين في مجمع محاكم الوسط في الخرطوم الوقوف أمام القضاة أمس، وأبلغوا موكليهم أنهم مضربون عن العمل، وفقاً للقيادي في تحالف المحامين الديمقراطيين عادل سيد أحمد.
وواصل الأطباء في «مجمع عيادات ومستشفيات إبراهيم مالك» جنوب الخرطوم، إضرابهم المستمر لقرابة الشهرين عن معالجة الحالات البادرة، فيما شاركت نسبة تزيد على 90 في المائة من الكوادر الطبية العاملة في المجمع، بما في ذلك تقنيو معامل وتحليلات طبية، وقال مصدر للصحيفة، إن الجديد أن أطباء توقفوا عن العمل في عياداتهم الخاصة للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد.
وأغلقت مؤسسات صغيرة أبوابها تحت دواع شتى وذرائع مختلفة من بينها أعمال الصيانة، ومنحت العاملين فيها «إجازة من دون مرتب» تحسباً، لما قد تتعرض له من مضايقات، حال توقفها عن العمل بسبب الإضراب.
وينتظر أن يواجه مضربون في مؤسسات حكومية إجراءات انتقامية، ونقلت مصادر أن نقابات حكومية وبينها نقابة المصارف، طلبت أسماء كل من تغيب عن العمل تمهيداً لاتخاذ إجراءات ضدهم، فيما تحسب آخرون لمثل هذه الإجراءات واشتركوا في الإضراب محتمين بـ«شهادات مرضية».
وقال تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، في بيان أمس، إنهم شرعوا في تطوير «إعلان الحرية والتغيير» وترتيبات المرحلة الانتقالية، ووضع دستور انتقالي يحكم البلاد بعد سقوط الطاغية، وتفصيل برنامج إسعافي وسياسات بديلة تنهض بالبلاد.
وأعلن التجمع، في بيان، مشاركة كل من «الصحافيين، وشركة سيقا، والفيزيائيين السودانيين، وعدد من التجار، وضباط الصحة، وأصحاب (ركشات)، وأطباء مختبر سنار، ومدارس التعليم البريطانية، وشركة دال للسيارات، ومستشفى الأسنان الخرطوم، ومستشفى الأسنان الأكاديمي، ومجموعة شركات دال بورتسودان، وشركة فاروس للذهب، وبياطرة، ومنظمات مجتمع مدني، وعدد آخر من الشركات والمؤسسات» في الإضراب الذي دعا له.
وبحثاً عن حلول للأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، أطلقت سلطات الأمن سراح رئيس حزب المؤتمر السوداني المعارض عمر الدقير، في وقت متأخر من ليل الاثنين، فيما تدوولت تقارير «صحافية» أن الرئيس عمر البشير بصدد إصدار قرار بإطلاق سراح «المعتقلين السياسيين» وقيادات المعارضة خلال ساعات، تمهيداً لحوار يزمع إجراؤه مع أحزابهم.
واستبق حزب المؤتمر السوداني المبادرة، ورفض في بيان زيارة البشير لزعيمه المفرج عنه مؤخراً «عمر الدقير»، وقال الحزب: «أطلق جهاز أمن النظام رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر يوسف الدقير بعد أكثر من شهرين من الاعتقال التعسفي»، وتابع: «رافق إطلاق سراح رئيس الحزب خبر تناولته بعض الوسائط الإلكترونية، مفاده نية رئيس النظام عمر البشير تسجيل زيارة لمنزل عمر الدقير الثلاثاء».
وبادر الحزب برفض الزيارة بقوله: «لا علم لنا البتة بزيارة رئيس النظام، الثلاثاء أو أي يوم آخر، ونؤكد أن موقفنا من هذا النظام ثابت، لا يتزحزح، ولن يجمعنا برئيسه لقاء أو حوار».
ولم تعلق أي جهة رسمية على تلك التسريبات التي نقلتها وسائل إعلام محلية ودولية، زاعمة أن الرئيس عمر البشير سيطلق مبادرة حوار مع المعارضة بادرت برفضها، فيما أبلغ معارضون خرجوا من السجن الصحيفة أن قيادات في جهاز الأمن استطلعت آراؤهم بشأن فتح حوار بين الحكومة والمعارضة.
من جهة أخرى، يعقد البرلمان السوداني اليوم جلسة طارئة لمناقشة «حالة الطوارئ» التي أعلنها الرئيس عمر البشير 22 فبراير (شباط) الماضي، وذلك لأن الدستور الموقت لعام 2005 يعطي الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ، على أن يبحث البرلمان الإعلان في غضون أسبوعين، ويقضي باستمرار حالة الطوارئ أو ينهيها.
وتوقع مراقبون أن يحل الرئيس عمر البشير المجلس الوطني «البرلمان» والمجالس الولائية بعد مناقشة إعلان حالة الطوارئ، في كلتا الحالين، وافق عليه أو رفضه، وحل اتحادات مهنية موالية للحكومة مثل «اتحاد العمال، والأطباء، والمحامين»، تمهيداً لما سموه «انقلابا ناعما»، ينفذه البشير على أنصاره السابقين.
وتم تداول تسريبات إعلامية بأن دول الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد» شرعت في العمل على «الملف السوداني»، وأن الاجتماع الثلاثي الذي جمع رؤساء «جنوب السودان، وإثيوبيا، وإريتريا» في عاصمة الأولى جوبا الأحد، كان أحد أهدافه توحيد موقف دول المجموعة تجاه الأوضاع في السودان.
واجتمع كل من الرئيس الكيني أوهورو كنياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في العاصمة الإريترية «أسمرا»، برئيسها «آسياس أفورقي»، قبل أن يغادر أحمد وبرفقته أفورقي إلى جوبا لعقد اجتماع ثلاثي مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت.
وكانت المنتظر أن يتوقف آبي أحمد في السودان ليلتقي البشير في مطار الخرطوم الأحد، لكن اللقاء تأجل دون أن تكشف الأطراف أسباب التأجيل، ولم تعلق العاصمتان الخرطوم وأديس أبابا، على أسباب إلغاء المقابلة التي أعلن عنها في الخرطوم، فيما رجحت مصادر أن التأجيل جاء لرفض الرئيس أفورقي المرافق لآبي أحمد مقابلة البشير على خلفية توتر العلاقة بين الرجلين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».