حسين عبد العليم يودع «ألعابه الخطرة»

صاحب «رائحة النعناع» يرحل عن 60 عاماً

الراحل حسين عبد العليم
الراحل حسين عبد العليم
TT

حسين عبد العليم يودع «ألعابه الخطرة»

الراحل حسين عبد العليم
الراحل حسين عبد العليم

قبل رحيله بأيام قليلة، دفع القاص والروائي المصري حسين عبد العليم بمجموعة قصصية بعنوان «ألعاب قد تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه»، وهي الكتاب الرابع عشر في سجل إبداعاته التي تتنوع بين الراوية والقصة القصيرة؛ كان أولها «مهر الصبا الواقف هناك»، وصدرت عام 1990 ضمن مطبوعات «هيئة الكتاب المصرية»، ثم توالت إبداعاته بعد ذلك على مدى 19 عاماً هي كل سنوات عمره الإبداعي، وهي عبارة عن 10 روايات و4 كتب قصصية، منها «رائحة النعناع»، و«المواطن ويصا عبد النور»، و«زمان الوصل»، فضلاً عن روايته الشهيرة «فصول من سيرة التراب والنمل»، وأخيراً مجموعته «ألعاب قد تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه» التي نشرت بعد رحيله.
قسم عبد العليم مجموعته «ألعاب قد تنتهي إلى ما لا يحمد عقباه»، الصادرة عن «دار ميريت»، حديثاً، إلى أربعة أقسام، تضمن أولها ثلاث قصص، والثاني سبع قصص، والثالث إحدى عشرة قصة، أما الرابع فضم قصتين. ويستعيد الكاتب الراحل في معظم قصص المجموعة أجواء الماضي بما فيه من عبق طفولي، وذكريات أيام غابرة، وانكسارات، سعى من خلالها للإمساك بجذوة لحظاتها في روحه، محاولاً إضاءتها دون جدوى، فقد تغير كل شيء، وسط قيم جديدة سادت ما عاد لمثله سيطرة عليها، فراح يسخر مما كان يحمله من قيم ظن نفسه أنه قادر على فرضها برومانسيته التي لم تستطع أبداً الصمود في وجه واقع قاسٍ لا مكان فيه لأصحاب الطموحات الذين لا يمتلكون مؤهلات تحقيقها. وهذا ما يتضح في قصته «ابن الأغنياء»، التي تدور حول يسري ابن مهندس الري الذي انتقل بعائلته حديثاً ليسكن في منطقة الجيزة الشعبية. ويصفه الراوي بأنه يمتلك بشرة بيضاء بلا حب شباب ولا بثور، وقد استطاع رغم حداثة عهده بالمنطقة مواعدة الفتاة التي سعى جميع أقرانه للفت نظرها، ولم يتوقف تفوقه عليهم عند هذا الحد بل تجاوزه إلى لعبة الملاكمة، والكوتشينة، التي شاركهم فيها، ثم أخيراً في التعليم، حيث لم يستطع أي منهم الوصول إلى المرحلة الجامعية. أما يسري فقد صار طبيباً، يمر عليهم ويلقي السلام فيما هم جالسون على المقهى. ويطرح الكاتب أسئلته الوجودية في قصته «ساعة من حياة السيدة التي تلوح سنوياً للحياة»، متسائلاً: لم لا تتوقف الحياة إذن؟ لماذا هي سائرة في عاديتها لا تعير اهتماماً لأوجاع البشر؟
وتدور القصة حول سيدة وزوجها يستقلان سيارة إلى المطار، فيما تنام طفلته على ذراعيه، وفي الطريق يستعرض الراوي بنايات حديثة وآثار فرعونية وإسلامية تتابعها الزوجة فيما تستمع لأغنية تتناهى إلى سمعها من مسجل السيارة.
كل هذه المشاهد تأتي في جمل قصيرة سريعة، تعتبر ملمحاً بارزاً من ملامح القص لدى عبد العليم، حيث السعي إلى التكثيف والمشهدية الخاطفة... حين يصلان المطار يلهث الزوج حاملاً الحقائب، ما يجعله يغط في نوم عميق فور وصوله لمسكنه في بلاد الغربة، وحين يستيقظ يصطحب طفلته لشراء بعض الأغراض، فيما زوجته التي تتعلق بالأغنيات وسيلةً للهرب من الواقع تتحرك بهمة حاملة قطعة من القماش، لـ«تنفض»، في إشارة رمزية بالغة الدلالة، ما علق بالشقة من أتربة وغبار، معبراً من خلالها عن آلام وضغوطات واقع ممضة يكتوي بها المصري وهو يسعى لمواجهة متطلبات واقعه، فيضطر إلى الهروب بالسفر إلى الخارج ليؤمن مستقبله ومستقبل أولاده.
لا يعتمد الراحل في قصصه على استراتيجية واحدة في الحكي، بل تتعدد أساليب القص بين الوصف واستخدام الضمائر المختلفة، ليشكل كل منها حضوراً يضفي على قصص المجموعة مذاقات مختلفة. وتميزت أعماله الأدبية بأسلوب خاص وتراكيب لغوية تمتح من لغة الحياة اليومية، وكذلك بموضوعاته التي تستند على التاريخ مصدراً للحكي والسرد، واكتشاف حلقات مهمشة لصراعات الحياة ما بين الحاضر والماضي، ورؤية العالم والواقع من منظور فني مغاير.
ينتمي حسين عبد العليم إلى جيل السبعينيات الأدبي في مصر، وقد غيبه الموت في 20 فبراير (شباط) الماضي عن عمر يناهز 60 عاماً بأحد مستشفيات القاهرة، بعد صراع مع مرض الفشل الكلوي. وشيعت جنازته من مسقط رأسه بمدينة الفيوم، جنوب العاصمة المصرية القاهرة. عمل بمهنة المحاماة بعد تخرجه في كلية الحقوق جامعة القاهرة.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».