كيف يتم دفع «البقشيش» حول العالم؟... في بعض البلدان يعتبر إهانة

عادة مرفوضة في روسيا والصين مع بعض الاستثناءات العصرية

نادل بأحد المطاعم وسط لندن أثناء تقديمه أحد الأطباق للزبائن (رويترز)
نادل بأحد المطاعم وسط لندن أثناء تقديمه أحد الأطباق للزبائن (رويترز)
TT

كيف يتم دفع «البقشيش» حول العالم؟... في بعض البلدان يعتبر إهانة

نادل بأحد المطاعم وسط لندن أثناء تقديمه أحد الأطباق للزبائن (رويترز)
نادل بأحد المطاعم وسط لندن أثناء تقديمه أحد الأطباق للزبائن (رويترز)

كيف يتم دفع «البقشيش» حول العالم؟ هذا السؤال المربك يواجه دوماً من اعتاد السفر والتنقل من بلد إلى آخر، سواءً للعمل أو للسياحة، وإن كانت ثقافة البلد التي نزل بها تقبل بفكرة البقشيش، أم تعتبره إهانة؟ وإذا كان لا مانع من دفع البقشيش، فما هو المقدار المناسب بحيث لا يكون أقل من المتوقع أو زائداً عن الضروري؟
هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» حاولت الكشف، في تقرير نشرته مؤخراً، عن اختلاف هذه العادة من بلد إلى آخر، وكيف أنها أبعد ما تكون عن البساطة، فهناك تاريخ طويل لفكرة «البقشيش» واختلافات في النظر إليه وطريقة تقديمه من بلد إلى آخر، ومن ثقافة إلى غيرها. ففي أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ناقش الحزبان الرئيسيان في المملكة المتحدة (المحافظون) و(العمال) القوانين التي تحظر على أصحاب الحانات والمطاعم الاحتفاظ بحصيلة البقشيش اليومية بعيداً عن أيدي فريق العمال.
والحقيقة أن أهل بريطانيا لهم الحق في التعامل بهذا القدر من الجدية مع مسألة البقشيش، خصوصاً أن أجدادهم هم أصحاب اختراع هذه العادة في القرن السابع عشر، عندما بدأ أفراد الطبقة المخملية في تقديم ما تم اعتباره «هدايا صغيرة» لأبناء الطبقات الأدنى، ومن وقتها صار البقشيش من أكثر العادات شيوعاً حول العالم، وإن كانت تتأثر باختلاف الثقافات والقيم من بلد إلى آخر.
* الولايات المتحدة: توجد نكتة شائعة في الولايات المتحدة مفادها بأن «البقشيش يعد الشيء الوحيد الأكثر إرباكاً من المطالبة باستعادة الضرائب التي وردت أخطاء في تسديدها».
وصلت عادة منح البقشيش إلى الأراضي الأميركية في القرن التاسع عشر، عندما بدأ أغنياء البلاد في السفر إلى أوروبا. وفي البداية أثار البقشيش رد فعل سلبي، واعتبر المنتقدون أنها عادة مناقضة للديمقراطية واتهموا مانحي البقشيش بأنهم يخلقون طبقة من العمال «يتوسلون من أجل البقشيش». بالانتقال إلى القرن الحادي والعشرين، يناقش الأميركيون إيجابيات وسلبيات منح البقشيش. ولكن المسألة أصبحت متأصلة في الثقافة الأميركية. يقدر عالم الاقتصاد أوفير أزار أنه في عام 2007 وحده، شهدت صناعة المطاعم دفع مبلغ 42 مليار دولار (ما يعادل 32 مليار جنيه إسترليني) بقشيشاً لعمالة الخدمة. ففي أميركا، يعد البقشيش مكملاً أساسياً للرواتب، وفي بعض الأحيان يعتمد عليه العامل بصورة أساسية، ودفع البقشيش واجب على كل زبون، خصوصاً في المطاعم، ما لم يرتكب مقدم الخدمة خطأ لا يغتفر.
* الصين: مثل أغلب البلدان الآسيوية، تعتبر ثقافة الصين معارضة لمنح البقشيش، ولعقود كان محظوراً، ويتم اعتباره أقرب إلى «الرشوة»، وحتى هذا اليوم، يبقى منح البقشيش في الصين غير شائع، ففي المطاعم التي يتردد عليها مواطنو البلد، لا يمنح الزبائن بقشيشاً. وترد الاستثناءات في المطاعم التي يرتادها الزوار الأجانب، وكذلك الفنادق، ويتم السماح في هذه الحالة بمنح البقشيش إلى حاملي الأمتعة في الأساس، كما أن الاستثناءات في الحالة الصينية تشمل إمكانية منح البقشيش للمرشدين السياحيين وسائقي الحافلات.
* اليابان: يتضمن نظام الإتيكيت المعقد في اليابان السماح بمنح البقشيش، فاجتماعياً، يتم قبول المنح المالية في خلال حفلات الزفاف، والجنازات، وغيرهما من المناسبات الخاصة، ولكن على المستوى العام، قد يتسبب منح البقشيش في شعور المتلقي بالإهانة.
وتقوم فلسفة اليابان في هذا الشأن على أن تقديم الخدمة الجيدة يجب أن يكون متوقعاً في الأساس. وحتى في المناسبات التي يكون متوقعاً فيها منح البقشيش أو الإكراميات، فيتم اتباع بروتوكول محدد بتقديمها داخل أظرف خاصة دليلاً على التقدير والاحترام، أما عناصر فرق العمل بالفنادق، والمعروفون دولياً باليقظة والتهذيب، فقد تم تدريبهم على رفض البقشيش بأدب جم.
* فرنسا: في عام 1955، اعتمدت فرنسا قانوناً لإجبار إدارة المطاعم على تضمين الفواتير بنداً لتغطية الخدمة المقدمة، وهو ما أصبح شائعاً بعد ذلك بين دول أوروبا وفي غيرها من دول العالم. وذلك سبيلاً لتحسين رواتب العاملين في المطاعم، وجعلهم أقل اعتماداً على البقشيش. ومع ذلك، ظل منح البقشيش عادة متبعة، وإن كانت الاستطلاعات الحديثة كشفت عن أن الجيل الأصغر من الفرنسيين لا يميل إلى منح البقشيش. ففي عام 2014 أكد 15 في المائة من المستهلكين الفرنسيين أنهم لا يدفعون بقشيشاً على الإطلاق، في مضاعفة للنسبة التي التزمت الموقف ذاته في العام السابق 2013.
* جنوب أفريقيا: في بلاد قوس قزح هناك بند إنفاق لا يتكرر في كثير من الدول، وهو حراسة السيارات، وذلك عبارة عن قطاع عمل غير رسمي تنامى بسبب أزمة البطالة في جنوب أفريقيا، التي تبلغ نسبة 25 في المائة. ويقوم هذا القطاع الخدمي على أفراد يقدمون المساعدة إلى السائقين في العثور على موقع مناسب كموقف للسيارة، ثم يتولون حراسة السيارة أثناء غياب صاحبها. وتزداد هذه الخدمة أهمية، خصوصاً أن الإحصائيات الرسمية تكشف عن سرقة 140 سيارة يومياً في جنوب أفريقيا عام 2017.
أن تكون تكلفة مثل هذه الخدمة أقل من دولار واحد لا يجعل من المسألة مشكلة كبيرة، ولكن الجدل يتفجر في جنوب أفريقيا بشأن أن ذلك القطاع لا يخضع لأي تنظيم أو ضمانات لحماية حقوق الطرفين، سواء صاحب السيارة أو حارسها.
* سويسرا: اعتاد مواطنو سويسرا على منح البقشيش للعاملين في الفنادق وعمال قطاع الخدمات إجمالاً، مثل مصففي الشعر. إلا أن سويسرا تعد من البلدان ذات أعلى حد أدنى للرواتب: فراتب النادل، مثلاً، يتجاوز الـ4 آلاف دولار شهرياً. وبذلك فإن العمالة في سويسرا أقل اعتماداً على البقشيش بالمقارنة مع نظرائهم الأميركيين.
* الهند: الكثير من المطاعم في الهند تدرج ضريبة خدمة ضمن فواتيرها، ما يجعل من المقبول عدم منح بقشيش. ومع ذلك، فإن آداب الذوق والإتيكيت تقر بمنح ما يتراوح بين 15 و20 في المائة، ومن غير الشائع العثور على مطعم يرفع لافتة تحظر منح البقشيش لأفراد الخدمة به. وقد كشف استطلاع تم إجراؤه عام 2015 عن أن مواطني الهند يعتبرون من بين الأكثر منحاً للبقشيش على مستوى بلدان آسيا، حيث تأتي الهند بعد بنغلاديش وتايلاند.
* سنغافورة: لا يعتبر منح مبالغ صغيرة على سبيل البقشيش بالفنادق والمطاعم والسيارات الأجرة مسألة مهينة في سنغافورة. ومع ذلك، فإن البقشيش يعتبر أمراً شائكاً هناك، فيذكر الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة أن «منح البقشيش ليس بسبيل للحياة» على الجزيرة.
* مصر: منح البقشيش متأصل في الثقافة المصرية، فالمصريون الأغنياء يمنحون البقشيش للعمالة في مختلف القطاعات الخدمية من العاملين في المطاعم والمقاهي إلى عاملي محطات تزويد الوقود، ويتم تقبل الحصول على بقشيش مع تجاوز نسبة البطالة الـ10 في المائة، ومساهمة الاقتصاد غير الرسمي بنحو 40 في المائة من إجمالي الناتج القومي.
* روسيا: خلال العهد السوفياتي، كان هناك رفض لفكرة منح البقشيش، وكان يتم اعتبارها وسيلة للتقليل من شأن الطبقة العاملة، ولكن الثقافة الروسية بها تعبير خاص بمنح البقشيش، وهو «من أجل الشاي»، وقد تجددت عادة منح البقشيش في روسيا اعتباراً من بداية الألفية الجديدة، ولكن ما زالت الأجيال الأكبر سناً تعتبر منح البقشيش مسألة مهينة.
* الأرجنتين: منح البقشيش إلى نادل بعد وجبة تمزج ما بين اللحم والشراب في الأرجنتين لن يتسبب في مشكلة، لكنه في الواقع محظور بالنسبة للعمالة في قطاعي الفنادق وتقديم الطعام وفقاً لقانون العمل الصادر في عام 2004، ومع ذلك، فإن منح البقشيش يتم وعلى نطاق واسع، ويساهم بما يوازي 40 في المائة من دخل العاملين في مطاعم الأرجنتين.


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

الذكاء الاصطناعي يعزز جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة

تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)
تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة

تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)
تقنيات الذكاء الاصطناعي تسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض (جامعة نبراسكا - لينكولن)

سلطت دراسة هندية الضوء على الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في تحسين جاهزية العالم لمواجهة الأوبئة، من خلال التنبؤ السريع، والتخطيط الفعّال، وتطوير حلول طبية مبتكرة.

وأوضح الباحثون من معهد «داتا ميغي» للتعليم العالي والبحث العلمي الهندي، أن استخدام الذكاء الاصطناعي يسهم في التنبؤ بتفشي الأمراض عبر نماذج وبائية دقيقة، وتسريع تطوير اللقاحات، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Molecular Biomedicine».

وأحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي مؤخراً نقلة نوعية في الممارسات الطبية والوبائية، من خلال إسهاماتها في تعزيز كفاءة الأنظمة الصحية عبر التنبؤ الدقيق بتفشي الأمراض، وتحليل البيانات الضخمة لتوجيه القرارات السريرية والصحية.

وركز الباحثون في دراستهم على التطبيقات الواسعة للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة العامة العالمية، بما في ذلك النماذج الوبائية، وتطوير اللقاحات، وتحسين نظم الرعاية الصحية، فضلاً عن معالجة التحديات الأخلاقية والمجتمعية المرتبطة بهذه التقنيات.

وتناولت الدراسة كيف تُستخدم النماذج القائمة على الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج «SIR» التي تستخدَم لتحليل انتشار الأمراض المعدية بين السكان و«SIS» التي تُستخدم للتنبؤ بإمكانية الإصابة بالمرض مجدداً بعد التعافي. ووفق الباحثين، أسهمت هذه النماذج في تحسين دقة التوقعات الوبائية، مما مَكّن صُناع القرار من تنفيذ تدخلات سريعة وفعّالة. كما ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين تخصيص الموارد وتعزيز كفاءة استجابات الصحة العامة عبر تحليل مجموعات بيانات ضخمة ومتنوعة.

وتناولت الدراسة أيضاً مساهمة الذكاء الاصطناعي في تسريع عمليات تطوير اللقاحات، حيث ساعدت تقنيات المحاكاة الجزيئية القائمة على الذكاء الاصطناعي في تسريع تصميم التجارب السريرية. وخلال جائحة «كوفيد - 19»، لعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تطوير لقاحات «mRNA»، مما أبرز قدرته على مواجهة التحديات غير المسبوقة.

كما استعرض الباحثون دور الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأوبئة والكشف المبكر عنها من خلال تحليل البيانات المستمدة من السجلات الصحية الإلكترونية، والتطبيقات المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي. وشدد الفريق على أهمية التعاون الدولي وبناء أنظمة متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن الصحي العالمي.

وفي المقابل، أكد الفريق ضرورة معالجة التحديات الأخلاقية والمجتمعية المرتبطة بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل خصوصية البيانات، والتحيزات في الخوارزميات، وضمان الوصول العادل إلى هذه التقنيات، مع تأكيد أهمية تبني حوكمة مسؤولة وأطر أخلاقية قوية لتحقيق تطبيق عادل وشامل لها، خصوصاً في المناطق ذات الموارد المحدودة.

واختتم الباحثون دراستهم بالدعوة إلى مواصلة البحث لمعالجة الفجوات والتحديات في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مؤكدين ضرورة توافق هذه التقنيات مع أهداف الصحة العامة لمواجهة الأزمات الصحية العالمية بفاعلية.