لهيب القتال يحول ليل جيب «داعش» إلى نهار

«الشرق الأوسط» ترصد الأنفاس الأخيرة للتنظيم

آثار القصف في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)
آثار القصف في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)
TT

لهيب القتال يحول ليل جيب «داعش» إلى نهار

آثار القصف في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)
آثار القصف في الباغوز شرق سوريا (الشرق الأوسط)

إنها الساعة 8 مساء في بلدة الباغوز، شرق سوريا. لا يشق الظلام الدامس سوى لهيب القذائف وضوء سيارات الدفع الرباعي العسكرية التابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية». تسمع خطوات حراس يقومون بمراقبة تحركات مسلحي «داعش»، على بعد 700 متر فقط، إذ إن التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة في هذه البقعة الصحراوية من سوريا.
فبعد نحو 6 أشهر من معركة طرد تنظيم «داعش» المتشدد من آخر المعاقل الحضرية شرق نهر الفرات، لم يبق منها سوى جيب صغير بالباغوز. معارك عنيفة واشتباكات محتدمة تدور منذ ليل الجمعة - السبت الماضي، ومسلحو التنظيم محاصرون من الجهات الأربع، وكثير من شوارع البلدة وأزقتها الضيقة أغلقت بسواتر ترابية أو براميل معدنية، في مؤشر على وجود نقطة اشتباكات بالطرف الثاني، والتنقل في المكان غير مسموح إلا عبر فريق يتقدمه قائد ميداني. أما المسير، فيكون عبر طرق فرعية وعرة وأشجار النخيل وأراضٍ زراعية وإشارات ضوئية لرصد حركة العابرين. ويمنع الاقتراب أكثر من مناطق الاشتباكات خشية من شظايا الصواريخ ومدافع الهاون التي لم تهدأ طوال الوقت.
وصلنا إلى نقطة عسكرية متقدمة من الجبهة. والمسؤول العسكري الأول، ويدعى رستم حسكة، يروي كيف انتسب إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية نهاية 2012، في معركة رأس العين، أو «سري كانيه» كما يسميها سكانها الأكراد، وقال: «وقتها، كنت بالعشرين عاماً، أما اليوم، وبعد مضي 7 سنوات، فبلغ عمري 27 سنة، ولا زلت مقاتلاً عسكرياً». ويقود القائد الميداني أخطر نقطة عسكرية تقع على مقربة من نقاط التماس مع مسلحي التنظيم، وأضاف: «ليست كباقي المعارك، من تبقى هم ثلة مقاتلين شرسين من جنسيات غربية وروسية، سيقاتلون حتى النهاية، هؤلاء أخطر الإرهابيين الذين أرعبوا العالم، ونفذوا تلك الجرائم الوحشية، على مدار السنوات الماضية».
في المكان، يرصد مجموعة من المقاتلين العرب والأكراد من النقطة العسكرية تحركات عناصر التنظيم عبر مناظير ليلية، يقول أحدهم: «على بعد أمتار، بالإمكان مشاهدة أشباح يتنقلون كسرعة الضوء، إنها معركة شائكة معقدة لكثرة الأنفاق والخنادق التي يتحصن بها الدواعش».
هدير طيران التحالف الدولي، ورشقات نارية خاطفة، ودوي قصف مدفعي كثيف، كانت مجتمعة في هذا المكان. وتصاعدت أعمدة دخان وسحب النار فوق آخر بقعة أرض خاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» في بلدة الباغوز، الواقعة أقصى شرق سوريا.
ويروي مقاتل، يدعى عواد، ويبلغ من العمر 25 سنة، وينحدر من مدينة تدمر (وسط سوريا)، كيف قتل عناصر التنظيم أخاه الأكبر بتهمة الكفر والتخابر مع القوات النظامية الموالية للنظام. فعندما سيطر التنظيم على مسقط رأسه نهاية 2016، سجن «وقتل بفصل رأسه عن جسده في ساحة عامة أمام أنظارنا؛ لن أنسى ذلك الموقف ما حييت»، ويدعي المقاتل إنه يشارك في هذه الحملة العسكرية ليس بدافع الانتقام أو الثأر لماضيه، لكنه قرر القتال «لخلاص السوريين والعالم من شرور هذا التنظيم المتطرف».
ومنذ أيام، تشن «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم من طائرات التحالف الدولي، بقيادة أميركية، قصفاً عنيفاً من خلال ضربات جوية وقصف مدفعي وصاروخي على الجيب الأخير لتنظيم «داعش». وبعد انتهاء عمليات إجلاء آلاف الأشخاص، غالبيتهم من نساء وأطفال المقاتلين، من بلدة الباغوز منذ 20 فبراير (شباط) الماضي، يستهدف الهجوم الأخير المقاتلين الرافضين للاستسلام المحاصرين في بقعة صغيرة منها، بعدما كان يسيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا والعراق المجاور، قدرت مساحتها بمساحة بريطانيا.
وتشهد خطوط التماس بين الطرفين اشتباكات عنيفة بمختلف الأسلحة، بحسب سعد المقاتل في الخطوط الأمامية، المتحدر من مدينة الرقة، الذي يقول: «نهاراً وليلاً، القتال والاشتباكات مستمرة، فالجبهة الجنوبية والشمالية لا تهدأ حتى في ساعات الصباح الباكر، المعركة على أشدها، وننتظر الحسم بفارغ الصبر»، ويقاتل سعد برفقة 3 من أشقائه في هذه المعركة الحاسمة، ولفت قائلاً: «نتناوب أنا وأخي مع بعض، فيما إخوتي الآخرين يناوبون في مهمة ثانية بعد عودتنا، فالقيادة لا تسمح أن نكون مجتمعين في نقطة ومعركة واحدة».
ويعزو مسؤولون عسكريون من «قوات سوريا الديمقراطية» تأخر حسم المعركة إلى استخدام التنظيم سيارات وعربات مفخخة، وتعد قشة مسلحي «داعش» الأخيرة، في مسعى أخير لتجنب الهزيمة في آخر معاقله شرق سوريا، لكن عناصره يبسطون السيطرة على جيب صحراوي في بادية تدمر، غرب نهر الفرات، محاصرة من قبل القوات النظامية وميليشيات شيعية إيرانية، بغطاء جوي من الطيران الروسي.
ويشير مصطفى بالي، مدير المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، إلى أن التنظيم منذ بداية المعركة يستخدم السيارات المتفجرة والعربات المفخخة والأحزمة الناسفة، وقال: «من بينها 3 سيارات كانت على وشك أن تصل يوم أمس إلى نقاط تجمع قواتنا، لكن القوات الخاصة تعاملت معها واستهدفتها قبل بلوغها الهدف».
وتتقدم «قوات سوريا الديمقراطية» في الجيب الأخير لتنظيم «داعش» الذي يستعمل جميع الوسائل للدفاع عن نفسه، ويستخدم كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة المتبقية بحوزته، بعد استهداف القوات مستودع أسلحة وذخيرة قبل يومين، بالإضافة إلى زرع الألغام والعبوات الناسفة بشكل مكثف لإعاقة تقدم خصومه، وتفخيخ الشاحنات وإرسالها إلى مناطق سيطرة القوات التي تقوم بدورها بصد هجماته واستهدافه براً وجواً.
وشدد بالي على أنه لا يمكن قياس تقدم هذه المعركة بالأمتار، أو السيطرة على مواقع جديدة، وقال: «بقدر انتهاء المهمة، والقضاء على التنظيم بشكل نهائي، أمامهم خياران لا ثالث لهما: إما الاستسلام من دون شروط أو مطالب، أو سيتم القضاء عليهم عسكرياً».
ومع استمرار المعارك التي دخلت يومها الرابع، يرجح مسؤولون عسكريون من «قوات سوريا الديمقراطية» أن تنتهي خلال أسبوع، حيث يدافع عدد من مقاتلي تنظيم «داعش»، غالبيتهم من جنسيات أجنبية، بعناد عن آخر بقعة من سلطة، متحصنين في أنفاق وخنادق داخل ما تبقى لهم في الشرق السوري.


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.