الهند تُسقط طائرة «درون» باكستانية... وإسلام آباد تعيد فتح مجالها الجوي كاملاً

ساد هدوء نسبي، أمس، بين نيودلهي وإسلام آباد تخلّله حادث إسقاط الهند بطائرة «سوخوي 30» دروناً باكستانية بالقرب من منطقة راجستان، وفق ما نقلت وسائل إعلام هندية.
وقبل ذلك بساعات، أعلنت باكستان إعادة فتح مجالها الجوي بشكل كامل بعد أيام من إغلاقه أمام حركة الطيران، ما ترك الآلاف عالقين في أنحاء العالم. وجاء قرار إغلاق المجال الجوي، الأربعاء الماضي، بعدما أثار اشتباك جوي نادر بين البلدين المسلّحين نووياً بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها، مخاوف من احتمال اندلاع حرب بين الهند وباكستان دفع الدول الكبرى لحض الطرفين على ضبط النفس.
وأعلن كلٌّ من الطرفين إسقاط طائرة على الأقل للطرف الآخر بينما تم احتجاز طيار هندي، سلّمته باكستان لجارتها، الجمعة. وقالت متحدثة باسم هيئة الطيران المدني لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه «أُعيد تشغيل جميع مطارات باكستان وفتح المجال الجوي». وعطّل إغلاق المجال الجوي مسارات جوية رئيسية بين أوروبا وجنوب آسيا، وسط تنامي الغضب في أوساط الركاب الذين علقوا في المطارات حول العالم. وبدأت باكستان منذ الجمعة، إعادة فتح مجالها الجوي بشكل «تدريجي»، إذ سُمح للرحلات بالوصول إلى ومغادرة المدن الرئيسية.
ومع تراجع حدة التوتر، اعتبر محللون أن رئيسَي وزراء الدولتين خرجا رابحين من هذه الأزمة، ففي حين نجح ناريندرا مودي في تثبيت موقعه كقومي هندوسي، ظهر عمران خان كـ«صانع سلام». ووقّع نحو 400 ألف شخص على عرائض مطالبة بحصول خان، لاعب الكريكت السابق الذي فاز برئاسة الوزراء في أغسطس (آب)، على جائزة نوبل للسلام، بينما ارتفعت أسهم مودي سياسياً قبيل الانتخابات المرتقبة في الهند.
ومنطقة كشمير الجبلية التي يشكّل المسلمون غالبية سكانها، مقسّمة بين الهند وباكستان منذ انتهاء الاستعمار البريطاني عام 1947، ويطالب الطرفان بالمنطقة كاملة، وخاضا حربين في هذا السياق. وأسفر تمرّد تتهم نيودلهي إسلام آباد بإثارته منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي في القسم الذي تديره الهند من كشمير، عن مقتل عشرات الآلاف، معظمهم مدنيون.
وفي 14 فبراير (شباط)، قُتل 40 جندياً هندياً في تفجير انتحاري تبنّته جماعة مسلحة متمركزة في باكستان. وبعد 12 يوماً، قصف الطيران الهندي ما أفادت نيودلهي بأنه معسكر تدريب للإرهابيين داخل الأراضي الباكستانية.
وفي اليوم التالي، حصلت مناوشات جوية في أجواء كشمير أُسقطت خلالها طائرة هندية واحدة على الأقل وأسرت باكستان طيارها. وأعلنت الهند بدورها أنها أسقطت طائرة باكستانية كذلك، وهو أمر نفته إسلام آباد.
وفي وقت حبس العالم أنفاسه، فاجأ خان (66 عاماً) كثيرين بإعلانه أنه سيتم الإفراج عن الطيار أبهيناندان فارثامان كـ«بادرة سلام».
ورغم القصف عبر الحدود بين البلدين والمواجهات بين قوات الأمن الهندية والمسلحين، يبدو أن إطلاق سراح أبهيناندان، الجمعة، خفف من حدة المواجهة على الأقل في الوقت الحالي. وجرّدت مواقف خان خصومه في البرلمان ووسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء من أسلحتهم، إذ أشارت صحيفة «ذي نيوز» إلى «دفء غير معهود (...) بين الحكومة والمعارضة».
وفي هذا السياق، كتب المعلّق غول بخاري، المعارض بشدة للحكومة، عبر «تويتر»، أن «هذه أول خطوة صحيحة في مسيرة (خان) السياسية، على فرض أن إطلاق سراح الطيار كان بقرار من رئيس الوزراء». وبالنسبة إلى المحلل مشرّف زيدي، يبدو مودي «زعيماً مولعاً بالحرب، في حين يظهر رئيس الوزراء (الباكستاني) كرجل دولة». بدوره، قال المحلل البارز والمدير التنفيذي لصحيفة «ذي إكسبرس تريبيون» فهد حسين، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن موقف خان كان «مفاجأة سارة للغاية». وأضاف أنه «كان من السهل جداً عليه أن يختار المسار العدائي. كان الناس سيشيدون بذلك». لكنّه نوّه إلى أنه عندما تهدأ الأمور، ستعود البلاد إلى مشكلاتها القديمة الداخلية. وقال في هذا الإطار «تعاني باكستان من مشكلات عديدة: التعليم والمياه وغير ذلك. وعمران خان هو رئيس وزراء كل هذه المشكلات».
من جهتها، حذّرت هوما يوسف من مركز «ويلسون للأبحاث» من أن التحدي المتمثل في إطلاق الحوار مع الهند لا يزال قائماً. وأضافت أنه «تم التعامل مع هذه الحادثة بمهارة، لكن العلاقة بين الهند وباكستان تدهورت بغض النظر عن مدى تعاطي عمران خان مع (الأزمة) بشكل جيد».
وبينما لم يقترح أحد منح مودي جائرة نوبل للسلام، إلا أن خطابه القوي أكسبه النقاط السياسية التي يحتاج إليها قبيل الانتخابات المرتقبة في الهند في غضون أسابيع. وفي نقيض للهجة خان التصالحية، تبنّى مودي خطاباً صارماً، مشيراً إلى أن «الهند الجديدة» في عهده «ستحارب بشكل موحّد» لتوجيه «رد قاسٍ» إلى باكستان. ولم تقلل الشكوك بشأن مدى فعالية الضربات الجوية داخل باكستان، والإسقاط المحرج للطائرة من الحماسة الوطنية لرد مودي. ورغم أن حزب المؤتمر المعارض الذي كان يبدو واثقاً من نفسه بشكل متزايد قبيل الانتخابات انتقد عدم إبلاغه بالغارة، فإنه لم ينتقد القصف بحد ذاته.
وانعكس ذلك في الإشادات بالغارة من قبل شخصيات معارضة لمودي، على غرار رئيس الحكومة السابق في ولاية جامو وكشمير الهندية عمر عبد الله، الذي قال عبر «تويتر» إن «هذه ضربة في عمق باكستان، وهي محرجة للغاية لها».
وكتبت الصحافية المخضرمة تافلين سينغ في صحيفة «إنديان إكسبرس»، لعدد الأحد، «لو أن الهند لم تنتقم لمجزرة بولواما، لكنت شعرت بالغضب والعار. أعتقد أنني أتحدث بلسان معظم الهنود عندما أقول ذلك».
وأفاد العديد ممن استُطلعت آراؤهم في هذا الشأن بأن الضربات الجوية قدّمت لمودي الدفعة التي كان يحتاج إليها قبيل الانتخابات.