الأميركيون.. و{معضلة الحساب}

مدرس ياباني مخضرم: اخترعوا أفضل أساليب التدريس دون أن يستخدمها أحد

وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
TT

الأميركيون.. و{معضلة الحساب}

وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)

عندما كان اكيهيكو تاكاهاشي طالبا في السنة الثالثة بالكلية في عام 1978، كان مثل معظم الطلاب في جامعته الواقعة بإحدى ضواحي طوكيو. كان يساوره شعور غامض بالرغبة في تحقيق شيء ما ولكن من دون تحديد لماهية ذلك الشيء. ولكن ذات ربيع تقابل مع رجل تصادف أن يصبح معلما له، وضبطت هذه العلاقة مسار حياته فيما بعد.
كان تاكيشي ماتسوياما معلما للمرحلة الابتدائية، ولكنه مثل عدد صغير من المعلمين في اليابان، كان لا يدرس للأطفال الصغار فحسب، بل لطلاب الجامعات كذلك الذين كانوا يرغبون في أن يصبحوا معلمين. وفي المدرسة الابتدائية التابعة للجامعة حيث كان ماتسوياما يعمل مدرسا، حوّل فصله الدراسي إلى نوع من المختبرات، حيث كان يختلق ويحاول الخروج بأفكار تعليمية جديدة. وعندما تقابل تاكاهاشي معه، كان ماتسوياما في منتصف أجرأ تجربة خاضها في حياته، من حيث إحداث ثورة في الطريقة التي يتعلم بها الطلاب الرياضيات من خلال التغيير الجذري في أسلوب تدريس المعلمين لها.
فبدلا من جعل الطلاب يحفظون ثم يتدربون على قوائم غير منتهية من المعادلات، التي لا يزال تاكاهاشي يتذكرها منذ أيامه الأولى في المدرسة، شجع ماتسوياما طلاب الكلية على الدخول في مناقشات حماسية فيما بين الأطفال حتى يمكنهم سبر غور إجراءات، وخصائص، وبراهين الرياضيات بأنفسهم. وذات يوم، على سبيل المثال، سوف يشتق الطلاب الصغار المعادلة للعثور على منطقة المستطيل، وفي اليوم التالي، سوف يستخدمون ما تعلموه لفعل الشيء نفسه مع متوازيات الإضلاع. وبتدريس بذلك الأسلوب، بدت الرياضيات وكأنها شهدت تحولا ما، فلم تعد بائسة ومملة كما كانت، بل تمتلئ بالتحدي، والتحفيز، بل والمتعة كذلك.
سرعان ما لحق تاكاهاشي بالمنهج الجديد. واكتشف أن تلك الأفكار أتت من الإصلاحيين في الولايات المتحدة، وكرس نفسه لتعلم كيفية التدريس مثل المعلم الأميركي. وعلى مدى الـ12 عاما المقبلة، وبمزيد من تبني النظام التعليمي الياباني لذلك المنهج في تدريس الرياضيات، قام تاكاهاشي بالتدريس لأول مرة للصف السادس. وكان التدريس، والتفكير حول التدريس، هو كل ما كان يفعله. وكان رجلا هادئا ذا عينين مبتسمتين، وكان شغفه بالنوع الجديد من تدريس الرياضيات قد أخذ أقرانه على حين غرة. وقد أخبرني مدرس رياضيات زميل عبر أحد المترجمين: «إنه يبدو لطيفا للغاية وعطوف. لكنه ما إن يبدأ الحديث حول الرياضيات، فكل شيء يتغير».
كان تاكاهاشي مفتونا على وجه الخصوص بجمعية أميركية تسمى المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات أو (NCTM)، التي نشرت بياناتها الرسمية خلال عقد الثمانينات، واصفة التغييرات الجذرية في منهج تدريس الرياضيات. كان تاكاهاشي يقضي الليالي الطويلة في المدرسة ليقرأ تلك البيانات جيدا. ومثل كثير من المهنيين في اليابان، غالبا ما يقول المدرسون إنهم يقومون بعملهم باسم معلميهم. ويبدو أن تاكاهاشي خضع لتأثير قوتين؛ ماتسوياما، والإصلاحيين الأميركيين.
أصبح تاكاهاشي، الذي يبلغ من العمر 58 عاما، واحدا من رواد تدريس الرياضيات في بلاده، فلقد جذب ألفا من المراقبين ذات مرة لحضور فصل دراسي عام كان يحاضر فيه. ولقد شارك في فصل دراسي يماثل في شعبيته شعبية «الشيف الحديدي»، البرنامج التلفزيوني الياباني الشهير. ولكن في عام 1991، عندما سنحت له الفرصة لتولي وظيفة جديدة في أميركا، للتدريس في مدرسة تديرها وزارة التعليم اليابانية للوافدين، ومقرها في ولاية شيكاغو، فلم يتردد. ومع زوجته، التي تعمل مصممة غرافيك، ترك أصدقاءه، وعائلته، وزملاءه (وكل من كان يعرف) وانتقل إلى الولايات المتحدة، يدفعه شغفه ليكون في مركز الرياضيات الجديدية.
وبمجرد وصوله، بدأ في قضاء أيامه في زيارة المدارس الأميركية. وأول فصول تدريس الرياضيات التي راقب عليها منحته دفعة قوية حتى إنه أعتقد أن هناك خطأ ما قد وقع. فالفصل الدراسي أرجع إليه ذكرياته المدرسية الخاصة، حيث قال: «ظننت (حسنا) أنه ذلك الفصل الدراسي فحسب». غير أن الفصل الدراسي التالي بدا مثل الأول تماما، وكذلك كان الثالث والذي بعده. ربما اخترع الأميركيون أفضل الأساليب لتدريس الرياضيات للأطفال، ولكن كان من الصعب العثور على أي شخص يستخدم تلك الأساليب بالفعل. ولم تكن تلك المرة الأولى التي حلم فيها الأميركيون بطريقة أفضل لتدريس الرياضيات ثم يفشلون في تنفيذها. ولقد تكرر ذات النمط في حقبة الستينات، عندما كشفت المدارس التي عانت من عقدة النقص لما بعد سبوتنيك عن طموح حيال «الرياضيات الجديدة»، فقط لكي تكتشف، بعد عدة سنوات، أنه لم يتغير شيء بالفعل. في حقيقة الأمر، فإن الجهود المبذولة لاستحداث طريقة جديدة في تدريس الرياضيات تعود إلى القرن الـ19. وتتكرر القصة نفسها في كل مرة؛ دفعة حماسية كبيرة، يتبعها ارتباك واسع، ثم العودة على الممارسات الاعتيادية.
وتبدأ المتاعب في المعتاد، عندما يطلب من المعلمين وضع أفكارهم المبتكرة محل التنفيذ، من دون المزيد من التوجيه حول كيفية تطبيق ذلك. وفي أيدي المدرسين غير المدربين، تتحول الإصلاحات إلى هراء، وتزيد من حيرة الطلاب أكثر مما تساعدهم. وصف أحد أفلام الكرتون لعام 1965 سالي الصغيرة ذات الشعر الأشقر وهي تكافح لكي تفهم واجباتها من الرياضيات الحديثة: «مجموعات.. مطابقة واحدة لواحدة.. مجموعات متماثلة.. مجموعات من واحدة.. مجموعات من اثنين.. اثنان يتبقيان.». وبعد الاستمرار لثلاثة إطارات بائسة، تلقي برأسها للوراء وتنفجر باكية: «كل ما أريد معرفته هو كم يساوي اثنين واثنين».
واليوم فالإحباط الهابط من مستوى النية الطيبة إلى الدموع البائسة يلعب دوره مجددا، حيث تعمل الولايات في جميع أنحاء البلاد على تنفيذ الموجة الأخيرة من الإصلاحات في الرياضيات؛ الأساس المشترك. مجموعة جديدة من المعايير الأكاديمية يجري تطويرها لاستبدال أهداف التعلم المصممة بشكل فردي، وتعد معايير رياضيات الأساس المشترك، مثل إصلاحات الرياضيات القديمة، ذات طموح أكبر وتنقيح أفضل. وفي حين أن الحركات السابقة كانت تستقدم المدرسين بصورة جزافية، من خلال مؤسسات مثل المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات الذي يعشقه تاكاهاشي، فإن الأساس المشترك لديه مساحة أوسع لاختيار المدرسين. بدأت مجموعة من المحافظين ورؤساء التعليم من 48 ولاية في كتابة المعايير، لكل من الرياضيات وفنون اللغة، وكان ذلك في عام 2009. وفي العام ذاته، شجعت إدارة الرئيس أوباما على الفكرة، وجعلت من تبني المعايير المشترك الصارمة معيارا عاما لتلقي جزء من منح السباق إلى أعلى، البالغة أكثر من أربعة مليارات دولار. وقد تبنت 43 ولاية المعايير الجديدة.
وتُعد الفرصة لتغيير أسلوب تدريس الرياضيات، على نحو ما أعلن عنه المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات في تأييده لمعايير الأساس المشترك: «غير مسبوقة». وحتى الآن، ومرة أخرى، جاءت الإصلاحات من دون أي نظام جيد لمساعدة المدرسين في تعلم كيفية التدريس. وفي استجابة لاستبيان جديد أجرته صحيفة «أسبوع التعليم»، قال المدرسون إنهم قضوا فترة أقل من أربعة أيام في التدريب على الأساس المشترك، وقد تضمن ذلك التدريب على معايير فنون اللغة، وكذلك الرياضيات.
وإذا ما درست بعناية، فإن المهام يمكنها المساعدة في جعل الرياضيات أكثر صلابة. فلا يتذكر الطلاب جداول الأوقات وحقائق الجمع بل يفهمون كذلك كيفية عمل الحساب وكيفية تطبيقه على المواقف الحياتية الحقيقية. ولكن عند الممارسة، يأتي معظم المدرسون بلا أعداد وتزداد حيرة الأطفال، مما يجعل الآباء في منتهى الغضب. وقد سخر الممثل الكوميدي لويس سي كي من فروض بناته المدرسية في ظهور له على برنامج «ذا ليت شو مع ديفيد ليترمان»: «إنها تبدو مثل (لدى بيل ثلاثة أسماك ذهبية. وقد اشترى سمكتين أخريين. فكم عدد الكلاب التي تعيش في لندن؟)».
إن التنفيذ غير الملائم قد يجعل من إصلاحات الرياضيات تبدو مثل النموذج الأكثر عبثية لتغيير السياسات، مثل الذي يخلق مشكلة جديدة كاملة لحلها. لماذا نصر على تكرار تجربة الأمر الذي فشلنا فيه أكثر من ست مرات من قبل، لنحصل فقط على نتائج عكسية؟ عقب أربع سنوات فقط من إصدار المعايير الجديدة لأول مرة، اكتسبت هذه المناقشة زخمها. ومنذ شهر مارس (آذار)، عارض أربعة حكام من الجمهوريين تلك المعايير. وفي ولاية نيويورك، يحاول أحد المرشحين الجمهوريين إنشاء خط جديد للاقتراع، بعنوان «أوقفوا الأساس المشترك»، لانتخابات حكام الولايات في نوفمبر (تشرين الثاني). وعلى اليسار، في الوقت ذاته، عارضت اتحادات المدرسين في ولايتي شيكاغو ونيويورك تلك الإصلاحات.
وحقيقة أن دولا مثل اليابان قد طبقت نهجا مماثلا مع نجاح كبير يقدم لنا القليل من التعزية حينما تبدو النتائج هنا مروعة. قد يكون الأميركيون قد كتبوا الرياضيات الحديثة، ولكن ربما، وببساطة، لا نتناسب نحن مع ذلك. «بربكم»، هي مقالة كتبها إريك اريكسون، محرر موقع «RedState»، في هجوم مباشر على الأساس المشترك، فهو يبدو «كفكرة مرعبة في أننا نحاول تدريس الرياضيات بالطريقة التي كنا دوما ندرسها بها».
تخرج الرياضيات الحديثة لعقد الستينات، والرياضيات الحديثة الحديث لعقد الثمانينات، وكذلك رياضيات الأساس المشترك جميعها من فكرة أن الطريقة التقليدية لتدريس الرياضيات ببساطة لا تصلح.
وكأمة، فإننا نعاني من علة سماها جون آلن بولوس، وهو أستاذ الرياضيات في جامعة تيمبل ومؤلف، باسم «العجز الرياضي»، وهو المعادل الرياضي لعدم القدرة على القراءة. في الاختبارات الوطنية، ما يقرب من ثلثي طلاب الصف الرابع والثامن غير بارعين في الرياضيات. وأكثر من نصف طلاب الصف الرابع الذي يتقدمون لاختبار التقييم الوطني للتقدم في التعليم لا يستطيعون بدقة قراءة درجة الحرارة على مقياس الحرارة المنظم بعناية. (ولم يفهموا أن كل علامة على المقياس تمثل درجتين بدلا من واحدة، مما أدى بالكثير من الطلاب إلى الخطأ في قراءة 46 درجة على أنها 43 درجة). وفي ذات الاختبار متعدد الاختيارات، ثلاثة أرباع طلاب الصف الرابع لم يتمكنوا من ترجمة مسألة كلامية بسيطة حول فتاة باعت 15 كوبا من عصير الليمون يوم السبت وضعف ذلك في يوم الأحد في التعبير «15 + (2×15)». حتى في ولاية ماساتشوسيتس، وهي واحدة من أعلى الولايات الأميركية من حيث الأداء، فإن طلاب الرياضيات متأخرون بمقدار عامين عن أقرانهم في شنغهاي.
إن مرحلة البلوغ لا تخفف من النقص الكمي لدينا. حيث وجدت دراسة مقارنة أجريت في عام 2012 حول الذين يبلغون 65 عاما في 20 دولة، أن الأميركيين يأخذون الترتيب الخامس من أسفل في القدرات الكتابية والحسابية. وعلى مقياس من 1 إلى 5، سجلت نسبة 29 في المائة منهم عند المستوى الأول أو أقل، مما يعني أنهم يمكنهم أداء العمليات الحسابية الأساسية ولكن لا يستطيعون أداء الحسابات التي تتطلب خطوتين أو أكثر. وإحدى الدراسات التي بحثت في الوصفات الطبية الخاطئة وجدت أن نسبة 17 في المائة من الأخطاء جاءت نتيجة أخطاء رياضية من جانب الأطباء أو الصيادلة. ووجدت دراسة أخرى أن ثلاثة أرباع الأطباء يقدرون معدلات الوفيات بصورة غير دقيقة والتعقيدات الكبرى المتعلقة بالإجراءات الطبية الاعتيادية، حتى في مجالات تخصصاتهم.
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات، حينما أصدرت سلسلة مطاعم «A&W» نوعا جديدا من ساندويتشات الهمبورغر لمنافسة منتج «كوارتر باوندر» لدى «ماكدونالدز». مع ثلث رطل من اللحم البقري، كان ساندويتش «A&W» يحمل كمية من اللحم أكثر من ساندويتش «ماكدونالدز»، وفي اختبار التذوق، فضل العملاء ساندويتش «A&W». وكان أقل في السعر من نظيره. وقد فخمت حملة تلفزيونية وإذاعية لشركة «A&W» من تلك الفوائد. ومع ذلك، فبدلا من الاستفادة من القيمة الكبيرة، تجاهل العملاء المنتج.
ولم تدرك الشركة السبب إلا عندما عقدت مجموعات التركيز على العملاء. قدم ساندويتش «A&W» للجمهور الأميركي اختبارا في الكسور مما تسبب في فشله. فإن سوء الفهم في قيمة الثلث أدى لاعتقاد العملاء أنهم سيدفعون أكثر. لماذا (كما سألوا الباحثين) ينبغي عليهم دفع لقاء ثلث رطل من اللحم، مثلما يدفعون لقاء ربع رطل من اللحم لدى «ماكدونالدز». فإن رقم «4» في «¼» هو أكبر من الرقم «3» في «⅓» رغم أن الكمية مختلفة، مما أفقدهم الحساب الصحيح.

* خدمة «نيويورك تايمز»



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.