صوت شهداء الجزائر يعود

صوت شهداء الجزائر يعود
TT

صوت شهداء الجزائر يعود

صوت شهداء الجزائر يعود

أتذكر الآن الطاهر الغمري، الشخصية التاريخية الحاضرة عبر الشخصية الرئيسية في رواية «التفكك» للروائي الجزائري رشيد بوجدرة، وهي أول رواية له يكتبها بالعربية، بعد أن كان يكتب بالفرنسية، وقد تكون في رأينا أفضل رواياته. أتذكر سفح دم بوعلي طالب، والدكتور كينون، وبودربالة الملقب بالألماني، وأحمد أنيال في عزّ الثورة الجزائرية، التي شكّلت بؤرة جذب لمختلف أحرار العالم في تلك النقطة الفاصلة في التاريخ الإنساني منتصف الستينات، على يد «إخوة السلاح» الذين انتصروا فكتبوا تاريخاً «رسمياً» مزيفاً لهذه الثورة العظيمة، كما يشتهون... أسقطوا أسماء الشهداء!
ويمكننا هنا أن نختصر ثيمة رواية «التفكك»، العلامة البارزة في السرد الجزائري الحديث، بكلمة واحدة؛ كتابة التاريخ الحقيقي، المضاد للتاريخ الرسمي.
وفي «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، يكشف الطاهر وطار، ابن الثورة الجزائرية وأحد المقاتلين في صفوفها، كيف يتاجر المنتفعون والوصوليون بتضحيات مليون شهيد جزائري. إنهم يفعلون كل شيء لضمان عدم عودة هؤلاء الشهداء، فهم يعتاشون على موتهم ذاته، ويستحوذون على السلطة باسمهم، رغم أن حياتهم، بكل زيفها وأكاذيبها، هي نتاج لموت هؤلاء الشهداء.
وفي «اللاز» أيضاً، يرسم وطار صوراً حقيقية عن البشاعات التي تحدث باسم الثورة. من يستطيع أن ينسى مشهد ذبح حمدان، القائد الشيوعي، وأحد زعماء الثورة، على يد القادة أنفسهم، بعدما خيّروه بين التخلي عن مبادئه الفكرية وبين الذبح، فاختار الأخير.
منذ ذلك التاريخ، بدأت الثورة، بشكل غير منظور، تأكل أبناءها حتى قبل أن تعلن انتصارها النهائي. وبعد أن تحولت إلى سلطة، سجلت تاريخها هي، مقدمة إياه على أنه التاريخ الحقيقي الوحيد.
كان الروائي الجزائري أمين الزاوي على حقّ حين عبّر عن رفضه لهذا التاريخ، بل إدانته، كما فعل بوجدرة ووطار من قبله. يقول عن روايته «الخلان» الصادرة حديثاً في مقابلة معه نشرتها هذه الجريدة في الثاني عشر من الشهر الماضي: «أردتها ضد التاريخ الرسمي، وأردت أن أقول للشباب الذين يقرأون اليوم التاريخ؛ خصوصاً من خلال الرواية، علينا أن نعيد لهم المشهد الحقيقي، المشهد المتنوع والمُعَقد من تاريخ الثورة الجزائرية، التاريخ الجزائري ليس الذي يدرس الآن، هذا بهتان، هذا كذب، التاريخ الجزائري أعمق من ذلك».
هناك تاريخان لهذ الثورة، التي كانت من أعظم ثورات القرن العشرين، وكان لا بد أن يتصارعا. لكن للأسف، كما يحصل غالباً في التاريخ، وخاصة تاريخنا، سينتصر الزائف على الحقيقي. لكن هذا الانتصار لا يمكن أن يكون نهائياً ولو استمر عقوداً طويلة، حتى قروناً.
الذين عاشوا في الجزائر فترة كافية، وأنا منهم، كانوا يشعرون أن هناك شيئاً مفقوداً. صحيح أن البلد قد حقّق في السبعينات والثمانينات نسبة متقدمة من النمو والتطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي، قياساً ببعض البلدان العربية، لكن مبدأ الحرية التي استندت إليه الثورة الجزائرية، ضاق، حتى على أولئك المعارضين داخل جبهة التحرير الجزائرية، التي حكمت البلد منذ الاستقلال عام 1962، ولا تزال.
لم تتعلم الجزائر درس الأنظمة التي تهاوت بين ليلة وضحاها، شرقاً وغرباً؛ أن حكم الحزب الواحد هو خرقة بالية لا يتسرب منها غير العفن والعثّ، وهو هيكل فارغ المحتوى، وإن بدا شاهقاً، لا يمكن أن يصمد أمام أي هبة من ريح.
صوت شهداء الجزائر يعود.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».