خالد علي مصطفى... حلم حيفا الذي نام في بغداد

رحل وعينه على فلسطين

خالد علي مصطفى
خالد علي مصطفى
TT

خالد علي مصطفى... حلم حيفا الذي نام في بغداد

خالد علي مصطفى
خالد علي مصطفى

رحل يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة العراقية الشاعر الفلسطيني خالد علي مصطفى، الذي ولد في قرية عين غزال القريبة من حيفا عام 1939.
وحينما وقعت نكبة 1948 التجأت أسرته إلى العراق. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في البصرة، ثم التحق بكلية الآداب في جامعة بغداد، قسم اللغة العربية ليتخرج عام 1962. وواصل فيما بعد دراسته العليا ونال شهادة الدكتوراه، ليعمل بعدها أستاذا في الجامعة المستنصرية.
وقد أصدر الراحل ست مجموعات شعرية، وعدة كتب نقدية منها «الشعر الفلسطيني الحديث» (1978)، و«شاعر من فلسطين» و«في الشعر الفلسطيني المعاصر».
نبأ مفاجئ كان خبر رحيل الشاعر والناقد الفلسطيني المولد والعراقي النشأة والحياة الدكتور خالد علي مصطفى، فقبل أيام كنتُ رأيته يدرج في باحة كلية الآداب المستنصرية، وما زال صوته هو هو صادحاً وصاخباً وممتلئاً بالحياة، رغم أني رأيتُ مسحة انكسارٍ بعافيته أسندها بكفه حين استند على جدار الآداب.
الآداب التي حفظ ممراتها وقاعاتها، وتردد صوته في كل أرجائها مربياً وشاعراً وناقداً. تلك هي المحن يا دكتور خالد أنْ تولد في أرض ومن ثم تُغتصبُ منك هذه الأرض، لترحلَ مع أهلك إلى العراق، ومن ثم تتنقل في بلداته وقراه ومدنه وقصباته، من البصرة إلى بغداد، لتستقر أقدامك أخيراً فيها مأخوذاً بسحرها، وجمالها، ومشتبكاً بحياتها الصاخبة والممتلئة جدلاً ونقاشاً، وأنت العاشق لكل مختلفٍ والمتصدي لكل جدل، فانبهرتَ بوجود السياب والبياتي وبلند، وهذه الحقبة الصانعة لبغداد في تلك المرحلة، حتى توطدت أقدامك على هذه الأرض فغنيتها بقصائدك وكتبت (البصرة ــ حيفا)، وأبيتَ أنْ تغادرَها، فقد طاب الهوى لك، وطابت صحبة الشعراء العراقيين معك، أمثال (سامي مهدي وحميد سعيد) وعشرات غيرهما، حتى أنك وقعتَ على البيان الشعري الذي كتبه فاضل العزاوي «بيان 69» برفقة (فوزي كريم وسامي مهدي).
ومن تلك اللحظة وأقدامك تترسخ في المشهد الثقافي العراقي دون أنْ يُشعرك أحدٌ أنك فلسطيني، لأنك المعجون بطين دجلة ومائها، فمن بين يديك تخرج الآلاف من الطلبة، ومن بينها أيضا كتبت حزنك المضيء نصوصاً وقصائد لا تنسى، ومن بينها كتبت خالد العبسي، ومن بينها تعاركتَ، وتصايحتَ، فأنت الصوتُ الذي يخشاه الشعراء الشبابُ دائماً والكبار أيضا، لأنك الأكثر صراحة لا تجامل، ولا تداهن، ولا تبحثُ عن جمهور، ولا عن معجبين، عاكف في محراب الشعر والنقد والمعرفة والأكاديمية، ولهذا حظك قليل من الشهرة كباقي الأدباء والشعراء، لأنك بالأساس زاهدٌ بكلِّ هذا.
حزين يا دكتور خالد لا لرحيلك فقط - على جلالته وخشوعه - إنما لتلك الدموع التي نزلتْ في يوم ما، يوم التقيتُ بك في برنامج «سيرة مبدع» وأنا أسألك عن حلمك الذي تنتظره طول هذه السنين؟ فغرغرت عيناك بالدمع، واتجهتَ صوب فلسطين، وقلت لي: هي حلمي الأخير الذي أحلم أنْ أشمَّ ترابَها، وأرى قُراها، قبل أنْ تطبق عيناي، وها هي عيناك مطبقتان هذه اللحظة دون أنْ تريا فلسطين، وإنْ اكتحلتا دائماً ببغداد ومقاهيها.
فما زلتُ أذكرُ أواسط التسعينات صخبك في مقهى حسن العجمي بشارع الرشيد حيث صوتُك الأعلى وأنت ترد على هذا وذاك منتصراً للحداثة التي تؤمن بها لا التي تتردد على أفواه أنصاف المواهب، وساخراً بكل معنى السخرية ممن يكتب العمودي، وما زلتُ أذكر مقالاتك التي نزلتْ سلسلة حول مجاميع الاستنساخ لزملائنا من شعراء قصيدة النثر، وأنت تكتب عنهم بما أُوتيتَ من سلاطة لسان وقلم في نفس الوقت، علماً أن الشعراء فرحون جدا بما تكتب، حتى لو كان شتماً وسخرية من تجاربهم، ذلك أنهم يبحثون عن اعتراف من كبير، وهم مؤمنون بأنك أحد الكبار.
وأنا أعلم أنه أحد الكبار الذين مر النقد عليهم سريعا دون أنْ يتوقف عند تجربته الشعرية، ربما لوعورة خالد علي مصطفى ولسانه الحاد الذي لا يعجبه شيء أبدا ــ حتى أني أذكر من حواراتنا معه وآرائه الغريبة حين سألته ما الذي سيبقى من «الرصافي» فقال: نصف بيت من الشعر، وسيحفظ التاريخ من «الجواهري» أبياتاً متناثرات فقط، وسيبقى من «السياب» بحدود عشر قصائد، ومن فلان كذا ومن فلان كذا، وهذه الآراء بالنسبة لنا صادمة، حتى أني سألته ــ بوقاحة ــ وما الذي سيبقى من خالد علي مصطفى؟ حينها سكت قليلاً وقال: لا أعرف فبعد موتي سيكشف القراء الحقيقيون ما بقي مني، وما ذهب أدراج الرياح، أعود إلى إشاحة النقاد عن تجربة خالد علي مصطفى الشعرية فوعورته وصراحته الصادمة ربما كانت سبباً في أنْ يشيح النقاد عنه وعن تجربته الإبداعية، وربما لانشغاله بالأكاديمية محاضراً ومشرفاً ومناقشاً وصانعاً للعشرات، بل المئات من طلبة الدراسات العليا.
من خلال خالد علي مصطفى أستطيع الحديث عن جماليات عدد كبير من الفلسطينيين الذين التحموا بتراب العراق، وشكلوا جزءاً مهماً من ملامحه وحيواته، دون أنْ تذوب شخصيتهم الفلسطينية فيه، والعراقيون مثقفين وغير مثقفين يقدرون الشخصية الفلسطينية، ولا يتعاملون معها على أنها غير عراقية، ولكن في نفس الوقت يعرفون أن لها شخصية اعتبارية، وأن لها أرضاً مغتصبة، وأنهم سيعودون في يوم من الأيام، أعود إلى الفلسطينيين المثقفين الذين ابتدأوا ــ
كما أظن ــ بجبرا إبراهيم جبرا الذي شكل ركناً رئيساً من أركان الحداثة في بغداد، وصوتاً مدنياً يشع بكل ما هو جديد، ومختلف، فمن جبرا وحتى خالد علي مصطفى هناك العشرات من الفلسطينيين، علينا أنْ نسلم عليهم هذه اللحظات شعراء وفنانين وإعلاميين ورسامين ومترجمين وأساتذة شكلوا مع إخوتهم العراقيين البنية التحتية للثقافة والمعرفة للعراق، وبهذا خسرت الثقافة العراقية أحد فرسان الجيل الستيني، وأحد أكثر المشاكسين ثقافياً، وبذلك انثلم بيان 69 البيان الشعري الأشهر في العراق، والذي فتح شهية الشعراء فيما بعد أنْ يتصارعوا ويسرعوا بكتابة البيانات، ها هو أحد فرسانه يترجل عن صهوته.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.