روائع لرواد الفن التشكيلي المصري تُعرض للمرة الأولى

تُظهر جمال الريف والأحياء العتيقة عبر المدرسة التأثيرية

د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
TT

روائع لرواد الفن التشكيلي المصري تُعرض للمرة الأولى

د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري

في عودة حميمة إلى المدرسة التأثيرية المصرية، التي تسودها لوحات غنية بزمانها الدافئ وعالمها الخاص، والعالقة بمشاهد مصرية في بدايات القرن العشرين ومنتصفه، يطالعنا «غاليري ليوان» بالقاهرة بمعرضه المقام حالياً بعنوان «رواد الفن التشكيلي»، الذي يحتضن روائع فنية لم يُعرض معظمها من قبل لثلاثة من الرواد الذين تجمع بينهم التأثيرية والمصاهرة معاً، وهم يوسف كامل، وكامل مصطفى، وحسني البناني، حيث تنتمي الأعمال لمجموعات خاصة بالأسرة ولبعض المقتنين.
يستطيع زائر المعرض أن ينهل من تاريخ الفن المصري، الذي ربما من الصعب التواصل معه سوى في المتاحف، خصوصاً ما يرتبط بالتأثيرية؛ تلك المدرسة الفنية التي انطلقت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر في فرنسا، وجذبت إليها بحضورها الطاغي بعض الفنانين المصريين.
مصطفي عز الدين أحمد، صاحب غاليري «ليوان» يقول لـ«الشرق الأوسط»، «معظم اللوحات لم يشاهدها الجمهور من قبل، حيث بقيت في دوائر مغلقة تقتصر على مجموعات خاصة، لا سيما أعمال الرائد يوسف كامل، الذي يكاد يقتصر تواصل المتلقي مع فنه عبر ما تضمه المتاحف الفنية، لذلك جاء المعرض مفاجأة فنية حتى بالنسبة للأساتذة الأكاديميين في كليات الفنون». ويضيف: «قمت بجهد متواصل خلال فترة طويلة كي أقنع الأسر بالموافقة على عرضها أمام الجمهور، ولحبهم للفن ولهؤلاء الرواد الذين استقوا من أعمالهم المعلقة في بيوتهم جمالاً وحنيناً قد وافقوا».
ويصف د. يوسف كامل نجل الفنان كامل مصطفي، وحفيد الرائد يوسف كامل، لـ«الشرق الأوسط»، المعرض، بأنه «يمثل المحاولة الأولى لإلقاء الضوء على التأثيرية التي مضى عليها وقت كبير لم يلتفت إليها أحد، حيث يتجه المشهد التشكيلي المصري الراهن إلى اتجاهات كثيرة تبعدنا عن هذا المسار في ظل الاهتمام بالحداثة وما بعد الحداثة».
ويتابع يوسف: «ما يزيد من أهمية المعرض أنه يضم عدداً كبيراً من الأعمال لثلاثة من أهم رواد التأثيرية معاً، إلى جانب أن به تذكيراً بالمدرسة الانطباعية المصرية في أقوى مراحلها وأبهى صورها، ومن جهة أخرى لا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة للأسرة أنه يذكرنا بالرحلة الفنية للجد والأب وزوج الخالة على السواء، لا سيما أن الأعمال التي يضمها المعرض تعبر عن مختلف المراحل الفنية التي خاضها الفنانون الثلاثة، إلى جانب صور شخصية نادرة لهم أثناء الرسم في الأتيليه الخاص بهم، استعارها الغاليري من ألبوم العائلة».
ويوضح يوسف: «يضم المعرض 17 عملاً ليوسف كامل، و17 عملاً لزوج ابنته الفنان كامل مصطفى، و11 عملاً لزوج ابنته الآخر الفنان حسني البناني، ولم يسبق عرض أعمال للرواد بهذه الضخامة من قبل في معرض واحد».
ويعد المعرض بمثابة تحية فنية لجذور التشكيل المصري، فيه يتعرف الزائر على قصة أحد خريجي الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة سنة 1911، وقصة أول مرة يتم فيها تخصيص بعثات للفن التشكيلي المصري في وقت مبكر من تاريخه.
وفي المعرض تلتقي بأعمال يوسف كامل (1891 ــ 1971) في تأثرها بالانطباعية الأوروبية، ثم الانطباعية التعبيرية المصرية، ثم مرحلته الفنية الأخيرة حين ضعف بصره.
وخلال ذلك كله، يستمتع المتلقي بلوحات تجسد الطبيعة التي عشقها، وصورها، متناولاً الحياة الهادئة البسيطة للفلاحين والحقول والحيوانات والطيور، إلى جانب الأحياء القديمة بالقاهرة، وبراعته في تحقيق التوافق بين رحابة مساحات ألوانه وثراء لمسات فرشاته وأشعة الضوء الساقطة على اللوحات.
ومن أعمال يوسف كامل إلى زوج ابنته كامل مصطفى (1917 ــ 1982) نتعرف على ملامح مرحلة فنية أخرى من تاريخ الفن المصري، يتابع د. يوسف حديثه: «وجّه الفنان القدير محمود سعيد أبي فنياً عقب اكتشاف موهبته مصادفة، إذ نصحه بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا، وأرسله بخطاب توصية إلى صديقه (جدي) يوسف كامل، وبعد أن تخرج كامل مصطفى من المدرسة، أتيح له السفر بعدها إلى إيطاليا، حيث تتلمذ على يد فنانين مرموقين منهم كارلو سيفيرو ودانتي ريتشي».
وفي المعرض لوحات تعرف بغزارة إنتاج كامل مصطفى، ما بين مشاهد من روما رسمها الفنان أثناء بعثته إليها جنباً إلى جنب مع مشاهد من القرى المصرية والقاهرة وضواحيها في منتصف القرن العشرين، التي جسدها بحس تأثيري خاص، ولا يقل أهمية عن ذلك مجموعة البورتريهات التي برع فيها، والبيئة السكندرية الساحلية التي ينتمي إليها، حيث البحر والصيد وبناء السفن. وتثير اللوحات شغف المشاهد لزيارة المتاحف المصرية ليقف على قدرته المميزة في تجسيد الحكايات التاريخية.
وعندما ينتقل الزائر للمعرض المستمر حتى 7 مارس (آذار) الحالي، إلى أعمال حسني البناني (1912 - 1988) فإنه يكون قد انتقل إلى متعة الحياة في الريف المصري، وبهجتها، حيث تتراقص الألوان على سطح لوحاته، وتلمس معنى مقولته التي كان يرددها دوماً أمام أسرته: «لا أحب أن أقلب اللوحة دراماً»، في إشارة إلى البعد عن المشاهد الحزينة، ويلحظ المتلقي إلى أي مدى برع في تقديم مناظر جميلة من البيئة المصرية إلى حد أنه نجح أن يزيح المناظر المنسوخة عن الأوروبيين من جدران كثير من قصور وبيوت الأسر الأرستقراطية في مصر في هذه الحقبة، لتتربع مكانها لوحاته ذات الطابع المصري الأصيل.



«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
TT

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية ومحطة أساسية لسواها في المنطقة.

الدورة الرابعة التي ستُقام ما بين الخامس والرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) هذا العام تحتوي على عشرات الأفلام العربية أو ذات الإنتاجات العالمية التي قام سينمائيون عرب بتحقيقها.

هذا ما يجعل المهرجان ثرياً بتلك الإنجازات العربية (أو العربية المشتركة فيما بينها أو مع دول غربية) التي باتت تهدف لأن تشترك في المهرجان السعودي سواء داخل المسابقة أو خارجها.

نافذة عريضة

في المسابقة الأولى وحدها هناك تسعة أفلام عربية الإخراج من أصل 20 فيلماً يتنافسون على الجوائز الأولى. لجانبها أفلام من الهند ومنغوليا والولايات المتحدة وهولندا والنمسا وفرنسا وسويسرا وكثير منها، بدوره، إنتاجات أوروبية مشتركة بات من الصعب التفرقة بينها على أساس الحصص المالية التي وفّرتها كل دولة، مما يحد من جدوى التصنيف.

أفلام المسابقة نافذة بانورامية على ما قامت لجنة الاختيار بانتخابه ليدخل هذا القسم المهم من أقسام المهرجان (كلها في الواقع ذات أهمية لكن يبقى لهذا القسم رونقه الخاص).

يتطرق الفيلم السعودي «صيفي» للمخرج وائل أبو منصور إلى أحداث تقع في عام 2000 حول رجل تثقل عليه الديون فيعتمد للحيلة لسدّها دون نجاح.

من الفيلم السعودي الطويل «صيفي» (البحر الأحمر)

اللبناني مهدي فليفل يشترك في فيلمه «إلى عالم مجهول»، الذي يتناول مصائر لبنانيين وسوريين في المهجر يخططون للوصول، بأي طريقة ممكنة، إلى ألمانيا.

فيلمان مصريان لافتان هما «سنو وايت» لتغريد أبو الحسن و«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور. فيلم جزائري مضاف إلى هذه التشكيلة بعنوان «بين وبين» لمحمد لخضر تاتي وفيلمان تونسيان هما «عائشة» لمهدي م. برصاوي و«الذراري الحمر» للطفي عاشور.

المخرج عدي رشيد يقدّم باسم العراق فيلمه الجديد «أناشيد آدم» وهو من الأفلام التي شاركت السعودية المتعددة في إنتاجها هذا العام.

من الفيلم المصري «سنو وايت» (البحر الأحمر)

أفلام قصيرة ملهمة

لا يجب أن تلهينا كل هذه الأفلام الطويلة (والعديد سواها) عما رصفه مهرجان «البحر الأحمر» في مجال مسابقة الفيلم القصير الذي يحتوي على 26 فيلماً متنوّعاً آتية من مضارب مختلفة.

فمن المبكر جداً معرفة ما يكفي حولها وعما قد يكون أفضلها، فإن التنويعة الواردة في ملخصات تلك الأفلام تشي باختيارات لمواضيع حرّة ومنفتحة توظف الفيلم القصير لاكتشاف الهوية الفنية الطموحة كما تتبدّى كتمهيد للنقلة الموعودة صوب الفيلم الطويل، بالنسبة لكثيرين على الأقل.

فيلم «ملكة» فيلم سعودي عن العلاقة الخاصة بين فتاة صغيرة اسمها سلمى وجدتها التي تقوم بسرد حكايات تأخذ الفتاة إلى عالم خيالي رحب. أحد تلك الحكايات ستؤدي لانطلاق الفتاة بحثاً عن دواء شافٍ لجدتها.

فيلمان لبنانيان في هذا البرنامج هما «فزر» لراني نصر. هنا رجلان صديقان لكن كل منهما لديه وجهة نظر سياسية مختلفة. أولهما عصام الذي غضب أهل القرية عليه عندما قام بمهاجمة محافظ البلدة لأن هذا قتل قطته. الآخر يشاركه الشعور لكنه لن يتخلى عن موقفه الخاص.

الفيلم الثاني من مخرج برهن عن موهبته هو كريم الرحباني. الفيلم بعنوان «آخر واحد» والموضوع يطرق باب وحدة رجل حزين يحاول اكتشاف لذّة الحياة من جديد ويفشل.

في «القرية» للتونسي أنيس بن دالي موضوع صعب نأمل إن يكون اجتاز صعوبته بسلام: قرية لا يسكنها إلا الأولاد اليتامى أو الذين تخلى عنهم أولياؤهم وكيف أن أحدهم يكتشف في شخصه مشاعر الأبوّة.

وهناك موضوع آخر يميل إلى الغرابة آت من الكويت وعنوانه «الإشارة» حول ذلك الرجل الواقف عند الإشارة الكهربائية وعيناه تتطلعان إلى السماء. تمر الدقائق ثم الساعات وهو ما زال في مكانه بلا حراك، مما يثير الجدل ليس من حوله فقط، بل المتاعب من قِبل من لم يتعود أن يرى شخصاً يبحلق في السماء طويلاً.

تطوّر مشهود

خارج هذا السرب... من الأفلام هناك فيلم مصري ثالث في قسم «اختيارات عالمية» بعنوان «الفستان الأزرق» لجيلان عوف (من إنتاج محمد حفظي الذي يكاد أن يكون فارس السينما المستقلة الوحيد في مصر منذ سنوات).

في برنامج «روائع عربية» هناك مزيد من الأفلام السعودية من بينها «هوبال» لعبد العزيز الشلاحي و«ليل نهار» لعبد العزيز المزيني و«سلمى وقمر» لعهد كامل (إنتاج سعودي - بريطاني مشترك). إلى ذلك يوجد فيلم سعودي - جزائري (التعاون الثاني في عامين بعد فيلم «الملكة الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان عنواري).

عنوانه «الصف الأول» وهو الفيلم الجديد من المخرج الجزائري مرزاق علواش الذي يصوّر أفلامه ما بين فرنسا والجزائر في وقت ازدادت فيه هجرة السينمائيين المغاربة إلى الدول الأوروبية كما اتضح من خلال الإنتاجات الكثيرة التي غمرت المهرجانات العربية والدولية.

هذا واحد من بضعة أمور يضعها المهرجان السعودي موضع بحث لمن يرغب في المزيد عن معرفة اتجاهات السوق العربية. من الأمور الأخرى، اختيارات المخرجين من المواضيع التي كثيراً ما تتنوّع، وكثيراً ما تصب في الغاية ذاتها، وهي خطف جوائز أولى في أي من المهرجانات التي تعرض فيها.

مسألة تقييم هذه الإنتاجات بميزان واحد فيه نوع من التعسّف ولو أن هناك منها عدداً لا بأس به من تلك التي تجاري سياسات السوق التجارية التي يطلبها الشريك الأوروبي.

الأمر الأهم في كل ذلك، أن السعودية تمد يدها للمشاركة في تمويل أفلام عربية (مصرية، عراقية، أردنية، لبنانية ومغاربية... إلخ) في الوقت الذي تنجح في بناء سينماها الخاصّة، وهو ما يؤكد أن السينما السعودية كسبت معركتها مع السوق المحلية فقط، بل في المهرجانات الدولية («مندوب الليل» للمخرج السعودي علي كلثمي المعروض حالياً في مهرجان Asia World Film Festival في لوس أنجليس) أيضاً.

إلى ذلك، أكّدت أن هناك من المواهب من سيواصل النهوض بهذه السينما إلى مصافات أعلى في هذه البيئة الفنية الملائمة التي تشهدها المملكة.