دراما إنسانية فجّرها «حادث الجرار»

بينما كانت تقترب عقارب ساعة محطة مصر من العاشرة صباحاً، كان عدد من المسافرين بالمحطة يستعدّون لركوب قطار الإسكندرية، بينما كان يهمّ ركاب بعض الخطوط الأخرى بالنزول من القطارات التي وصلت لتوها إلى المحطة المركزية بقلب القاهرة من الصعيد، وآخرون كانوا يجلسون على مقاعد الانتظار على رصيف 4 و5 و6 في انتظار قطاراتهم. في الوقت نفسه كان يتشاجر سائق جرار بالمحطة مع زميل له، بعد احتكاك وقع بين جرّاره وجرّار زميله.
مشاهد متباينة وقصص درامية مختلفة لأشخاص جاءوا من أقاليم متنوعة كان لكل منهم أجندة يومية، وصراعات اجتماعية متفاوتة، وأحلام وطموحات تشبه التي يتم سردها في الفضاء الدرامي، لم يجمع بينهم سوى وجودهم في نقطة تصادم الجرار بجدران المحطة العتيقة، وبدا الجرار كأنه انتحاري قرر الانتقام من كل هؤلاء الضحايا في لحظة واحدة. انفجار الجرار المحمل بنحو 3 آلاف لتر من السولار أحرق عدداً من هؤلاء الركاب، وقضى عليهم في الحال، بينما عرّض آخرين للشواء البطيء، ما جعلهم يصرخون ويدورون حول أنفسهم، وكأن عقارب الزمن توقفت عند هذا المشهد الدرامي النادر.
هذه الواقعة الحقيقية المؤلمة التي وقعت في محطة مصر، صباح أول من أمس، تشبه مشاهد سينمائية مصرية تعرضت بشكل مباشر إلى حوادث القطارات التي اعتادتها مصر في السنوات الأخيرة، ولعل أقرب تلك النماذج إلى الحادث الأخير فيلم «ساعة ونص»، الذي تدور أحداثه حول حادث قطار تدهور على سكَّته، سارداً مجموعة من الحكايات الإنسانية لركابه، مستغرقاً في ذلك ساعة ونصف الساعة، وانتهى بهم الحال جميعاً إلى الموت في الحادث.
نادية صبور ووسام حفني سيدتان رائدتان في مجال الأعمال الخيرية، من أعضاء نادي روتاري، ساقهما القدر ليكونا ضمن ضحايا حادث القطار الذي وقع أول من أمس (الأربعاء)، وأسفر عن مقتل 22 شخصاً وإصابة 43 آخرين، خلال عودتهما من مهمة إنسانية تطوعية شملت مدينتي الأقصر وأسوان، شاركتا فيها بافتتاح أول مستشفى عائم يجوب النيل لعلاج مواطني الصعيد، بحضور وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد. وبعدما استقلت السيدتان قطار الصعيد المتجه للقاهرة، وعقب نزولهما، وقع حادث القطار، وتفحمت جثتاهما. ونعى نادي روتاري السيدتين، أمس، وأكد أنهما من رواد العمل العام والتطوعي، وساهمتا في إنشاء مشروعات خيرية كثيرة لصالح الفقراء والمحتاجين.
أسرة كاملة مكوّنة من 6 أفراد، كانت تستعدّ للسفر إلى الإسكندرية لحضور حفل زفاف أحد الأقارب، لقي اثنان منها حتفهما في الانفجار، وجرح 4 بإصابات خطيرة، وبينما بذل خال الضحيتين جهوداً كبيرة لتسلُّم جثث طفلَي شقيقته، فإنه وجد صعوبة كبيرة في ذلك، ودخل في نوبة بكاء شديدة أمام مشرحة زينهم، بعد تعرّض شقيقته وزوجها لجروح خطيرة.
المسعف خالد محمد عبد المنعم، ابن محافظة الشرقية، وقف ينتظر القطار المُتجه إلى بلده داخل المحطة، كي يعود إلى ولديه محمد وحمدي، بعد يوم طويل من العمل، لكن الجرار باغته بسرعة تقترب من 80 كيلومتراً في الساعة، وأصيب في الحال بنسبة حروق 85 في المائة، ونقل إلى المستشفى، وتوفي في اليوم التالي من وقوع الحادث.
بطاقة رقم قومي، فقد صاحبها عبد الشافي محمد إسماعيل، البالغ من العمر 19 عاماً، ابن محافظة كفر الشيخ، الأمل في العثور عليها بعد فقدانها في القاهرة، وقام باستخراج أخرى بدلاً منها، وفوجئ بنشرها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي على أنه ضمن المصابين في الانفجار، لكنه أكد في تصريحات صحافية أنه سليم وليس ضمن ضحايا الحادث، لأنه يعمل حالياً بإحدى مزارع طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي.
خلّف انفجار الجرار دماراً هائلاً في المكان، وقضى على عدد من السيدات والرجال، وعُثر على أطفال بمفردهم لم يُستدلّ بعد على أهاليهم، ويقوم رواد مواقع التواصل والمواقع الإخبارية بنشر صورهم للمساعدة في الوصول إلى أسرهم. ومن بين تلك الصور نشر المتابعون صورة لطفل عمره أقل من عامين، عُثر عليه بمحطة مصر بمفرده بعد الحادث.
كما نشروا صورة لبطاقة رقم قومي تحمل اسم إبراهيم خلف محمد من الجيزة، وهي لأحد المتوفين، ولم يُستدل على أهله، وموجود بالمستشفى القبطي برمسيس، بالإضافة إلى صورة لسيدة تدعى إنعام محمد كانت في محطة مصر وقت وقوع الحادث، ولا تزال مفقودة.
في السياق نفسه، تمكّن خبراء الطب الشرعي بمشرحة زينهم من التعرف على هوية صاحبة أول جثة متفحمة في حادث قطار محطة مصر، وهي السيدة إيفون عياد، بعد جهود مضنية بذلها أفراد أسرتها للتعرف على مصيرها.