هجرة آلاف الأطباء العراقيين بسبب ضعف الأجور والتهديدات

الحكومة تستجيب لمطالب أصحاب المهن الصحية... وإدانة دولية للعنف ضدهم

TT

هجرة آلاف الأطباء العراقيين بسبب ضعف الأجور والتهديدات

أعلنت وزارة الصحة العراقية، أمس، عن هجرة آلاف من الأطباء وأصحاب المهن الصحية نتيجة ضعف الأجور والتهديدات والمضايقات العشائرية التي يتعرضون لها، فيما أدانت منظمة الصحة العالمية العنف الذي تواجهه الكوادر الطبية والعاملون في الحقل الصحي، وأعربت مفوضية حقوق الإنسان العراقية عن قلقها وآسفها حيال قضية هجرة الأطباء.
وقرر مجلس الوزراء العراقي، أمس، زيادة مخصصات أصحاب المهن الصحية بنسبة 30 في المائة‏ من الراتب الاسمي، ورفع التسكين (إجراء إداري يوازي إيقاف الترقية المستحقة للموظف)، بعد أيام على إضرابات واحتجاجات قام بها الموظفون في المجال الصحي.
وكشف الناطق باسم وزارة الصحة سيف البدر عن «هروب وهجرة آلاف الأطباء وأصحاب المهن الصحية خارج البلاد خلال السنوات الأخيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليست لدينا إحصاءات دقيقة بشأن أعداد الأطباء وبقية الكوادر الصحية الذين غادروا البلاد، لكن المؤكد أنهم بالآلاف».
ورأى أن «الأهم من مسألة هروب وهجرة الأطباء والكوادر الصحية، هو البحث عن طبيعة الأسباب التي أدت إلى تلك الخسارة المؤسفة في الطاقات الوطنية»، مشيراً إلى أن «انخفاض مستوى الأجور والتهديدات المتواصلة من الأهالي والعشائر للأطباء من بين أبرز الأسباب التي تدفع بالطبيب العراقي للهجرة».
ولفت إلى أن «الأطباء وبقية الكوادر الصحية يتعرضون بشكل يومي لاعتداءات تبدأ باللفظ والشتم، إلى التهديد العشائري والقتل»، مشيراً إلى أن «الهجرة انعكست سلباً على الواقع الصحي في البلاد؛ إذ نعاني اليوم من نقص كبير في الملاكات الطبية والتمريضية، لذلك نسعى إلى استقطاب الأطباء المهاجرين من أصحاب الخبرات».
وشهد عقد التسعينات من القرن الماضي هروب أعداد كبيرة من الأطباء خارج العراق نتيجة الأوضاع المعيشية القاسية التي فرضها الحصار الاقتصادي الدولي عقب غزو الكويت في 1990، ولم يتوقف مسلسل الهجرة بعد الغزو الأميركي في 2003. وهجرة الأطباء أحد أوجه أزمة الرعاية الصحية المتفاقمة في البلاد التي تعاني أيضاً من قلة المستشفيات التخصصية والمراكز الصحية الاعتيادية، إلى جانب النقص في الأدوية والمعدات.
وفي مقابل شكوى الأطباء والكوادر الطبية من الاعتداءات والتهديدات المتكررة، يشكو قطاع معتبر من العراقيين من سوء أداء بعض الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية، إلى جانب الأجور المرتفعة التي يتقاضاها الأطباء في المستشفيات والعيادات الخاصة.
وأدانت منظمة الصحة العالمية بشدة، أمس، الاعتداء الذي وقع أخيراً على طبيب في مستشفى «آزادي» التعليمي بمحافظة كركوك. ودعا القائم بأعمال ممثل المنظمة في العراق الدكتور أدهم رشاد إسماعيل، في بيان، السلطات في العراق إلى «ضمان سلامة العاملين الصحيين والمرافق الصحية وحرمة الرعاية الصحية»، عادّاً أن «مثل هذه الهجمات تشكّل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي وتحرم السكان الأكثر ضعفاً من الأطفال والنساء وكبار السن من حقهم في الحصول على الخدمات الصحية الأساسية».
ويشير بيان المنظمة الدولية إلى تعرض الأطباء وموظفي الرعاية الصحية في العراق إلى اعتداءات متكررة. وذكرت المنظمة أنها سجّلت في عام 2018 وحده نحو 42 اعتداءً على العاملين في الحقل الصحي؛ من أطباء وغيرهم.
وكانت وزارة الصحة أعلنت في 18 فبراير (شباط) الحالي، عن تعرض الطبيب المقيم الدوري في مستشفى «آزادي» مناف رافع ياسين، لاعتداء من أحد مرافقي مريضة تخطت السبعين. وذكر بيان للوزارة أن «حالة المريضة كان ميؤوساً منها، وأحد مرافقيها كانت ممرضة تعمل في نفس المستشفى، وقد صرحت بوفاتها حتى قبل إعلان الطبيب عن ذلك»، مشيراً إلى أن «أحد المرافقين للمريضة انهال على الطبيب بالضرب والشتم بعد إعلان الوفاة». وأظهرت صورة نشرتها الوزارة ياسين وهو يعاني من آثار كدمات شديدة على وجهه.
إلى ذلك، أعربت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، أمس، عن قلقها وأسفها من الأرقام والإحصاءات الخطيرة المتعلقة بهجرة الأطباء العراقيين. وطالب عضو المفوضية علي البياتي في بيان بـ«وقفة حقيقية من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع للحد من هذه الظاهرة؛ إذ لا يمكن أن تعمل المؤسسة الطبية من دون وجود الطبيب كونه الأساس، بالإضافة إلى الكوادر المهمة الأخرى أيضاً».
وعدّ أن «السلبيات الموجودة في القطاع الصحي لا يتحملها الطبيب وحده، إنما أسبابها كثيرة؛ أهمها عدم وجود نظام صحي حديث، وقلة المؤسسات الصحية وإمكاناتها وكوادرها الصحية والطبية، إضافة إلى قلة التخصيصات المالية في الميزانيات السنوية كافة لهذا القطاع، والفساد المستشري، وضعف الرقابة». وشدد على ضرورة تفعيل قانون حماية الأطباء والمادة «230» من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، الذي «يعاقب بالسجن ما لا يقل عن سنة كل من يقوم بالاعتداء على الطبيب أو الموظف أثناء تأدية واجبه».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.