«محطة مصر»... شريان تاريخي شاهد على حوادث دموية

محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة (رويترز)
محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة (رويترز)
TT

«محطة مصر»... شريان تاريخي شاهد على حوادث دموية

محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة (رويترز)
محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة (رويترز)

وسط أصوات صراخ عالية ودخان الحرائق، شهدت «محطة مصر»، وهي محطة القطارات الرئيسية بالقاهرة، أكثر حوادثها مأساوية اليوم (الأربعاء)، بعد أن انحدر جرار بمحطة القطارات الرئيسية واصطدم بالصدادات الخرسانية بنهاية الرصيف رقم ٦ بالمحطة ما تسبب بحريق أودى بحياة 25 شخصا، وخلف نحو 50 مصاباً.
وتعتبر «محطة مصر» أو «محطة رمسيس» كما تعرف، شريانا رئيسيا في حياة المصريين، حيث تربط محطة القطارات المركزية بين محافظات مصر المختلفة وصولا إلى قلب العاصمة بالقاهرة، إذ تنقل ما يقرب من 500 مليون راكب سنويا، بمعدل 1.4 مليون راكب يوميا.
وتستقبل العاصمة المصرية بشكل يومي أعدادا كبيرة من مختلف المحافظات في أرجاء مصر، يسعون وراء أحلامهم، ومسؤوليتهم الحياتية، بين البحث عن فرصة عمل وسط صخب المدينة، أو السعي وراء «لقمة العيش» على مختلف المسافات. ويعتبر استخدام القطارات عاملا أساسيا في التحرك والوصول إلى وجهتهم. وتقع محطة القطارات في أشهر ميادين القاهرة «ميدان رمسيس»، الذي يعد من أشهر معالم المدينة، والذي يقع به الكثير من المقار الحكومية والمحاكم القضائية والبنوك بقلب العاصمة المصرية.
وكان يطلق على محطة مصر في الماضي اسم «باب الحديد» ومنه استلهم المخرج المصري يوسف شاهين فيلمه الشهير باب الحديد والذي تدور أحداثه بداخل المحطة، واستخدمت الدراما المصرية مشهد «محطة مصر» بجدرانها العريقة وحركة البشر بداخلها والتي لا تهدأ على مدار اليوم، كونها «نقطة النور» وبداية طريق النجاح لأبطال السينما القادمين من نواحي مصر.
وتعد خطوط السكك الحديدية في مصر ثامي أقدم خطوط حديدية في العالم بعد إنجلترا، وأول خطوط سكك حديدية يتم إنشاؤها في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث يعود تاريخ إنشائها إلى أواسط القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1853. وكان مبنى هذه المحطة قد تم تشييده عند افتتح أول خط سكة حديد في مصر في نفس عام البناء، لنقل الركاب ما بين القاهرة والإسكندرية، ثم جرى توسعة المبنى مرتين، الأولى عام 1892. والثانية عام 1955، وذلك وفقا الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
ودخلت مصر في عهد الخديوي إسماعيل عصر قطارات المدن، عندما تم مد خط قطارات يربط بين محطة سكك حديد مصر في قلب القاهرة بضاحية حلوان (جنوب القاهرة) خلال الفترة من 1870 حتى 1872.
وسرعان ما انتشرت في القاهرة خطوط قطارات المدن (الترام) وتولت إدارته شركة بلجيكية وأيضا شركة فرنسية وأصبحت هذه القطارات وسيلة المواصلات العامة الأولى في عاصمة مصر خلال الربع الأول من القرن العشرين.
وأثناء الحرب العالمية الأولى بدأ الإنجليز يفكرون في إقامة خط للسكك الحديدية يربط بين مصر وفلسطين لخدمة المجهود الحربي. وبالفعل بدأ العمل في بناء الخط من القنطرة شرقا على الضفة الشرقية لقناة السويس وحتى غزة. واكتمل البناء عام 1918.
وكان اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914 - 1917 وبعدها اندلاع الحرب العالمية الثانية 1940 - 1945 قد أدى إلى ازدياد أهمية السكك الحديدية لدى البريطانيين لاستخدام تلك الخطوط في نقل العتاد والذخائر الجنود واعتمادها الرئيسي على تلك الخطوط في النقل.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952 اهتمت حكومة الثورة بتطوير تلك الخطوط وإمدادها بالعربات لنقل المواطنين وأدى الاهتمام ببناء السد العالي إلى الاهتمام بخطوط السكك الحديدية في نقل أدوات البناء اللازمة والمهمات للعاملين في هذا المشروع الضخم.
واستمر الاهتمام بتطوير المحطة التاريخية إلى الوقت الحالي، وكان آخرها في عام 2011 حين انتهت الحكومة المصرية من تطوير البهو الداخلي للمحطة وإضافة لمحات فرعونية على أعمدتها الداخلية.
ولكن لم يشفع هذا التطوير في استمرار حوادث القطارات التي شاهدتها مصر منذ تسعينات القرن الماضي حتى الآن والتي كان أشهرها ما يعرف إعلاميا بـ«قطار الصعيد» في عام2009.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».