«التبْراع»... نساءٌ على أجنحة الشعر

دراسة في الشعر النسائي الحساني للباحثة المغربية العالية ماء العينين

«التبْراع»... نساءٌ على أجنحة الشعر
TT

«التبْراع»... نساءٌ على أجنحة الشعر

«التبْراع»... نساءٌ على أجنحة الشعر

صدر للباحثة والأكاديمية المغربية، العالية ماء العينين، كتاب «التبراع... نساء على أجنحة الشعر... دراسة في الشعر النسائي الحساني»، عن «فضاءات للنشر والتوزيع» بالأردن. لكن ماذا يعني «التبراع»؟
تقول ماء العينين، التي تدرس «الأدب الأندلسي» و«النقد القديم» بجامعة محمد الخامس بالرباط: «لقد عايشت (التبراع) كإبداع حساني خاص بالمرأة منذ أن بدأت أشعر بتباشير انتمائي لعالم الأنثى الحسانية. استمتعت بكلماته وأجوائه وموسيقاه وحكاياته الساحرة المدهشة التي لا تنتهي. وبدأت التفكير فيه كنص للتأمل والقراءة منذ سنة 2000 في أول لقاء علمي قدمت فيه قراءة حول (التبراع) في معهد الدراسات الأفريقية. بين مد وجزر، نشأت بيننا علاقة خاصة جعلته من أكثر الموضوعات التي أشتغل عليها، ارتباطاً باسمي على محرك (غوغل)».
في تقديمها لكتاب ماء العينين، كتبت الباحثة والأكاديمية المغربية زهور كرام، تحت عنوان «قصيدة التبراع... نحو الوعي بفسيفساء الإبداع الشعري المغربي»، أن موضوع «التبراع» يجعلنا أمام «تجربة خاصة بالتعبير النسائي المغربي»، مشيرة إلى أن متعة الاكتشاف «تعبُر بنا في حقول معرفية متعددة، يتداخل فيها الشعري بالثقافي والسوسيولوجي والتاريخي بالجغرافي».
ورأت كرام أن «الاقتراب من قصيدة (التبراع) هو اقتراب من سياق ثقافي اجتماعي رمزي معين. لا نقرأ شعراً عادياً تبدعه النساء في جلساتهن ويأتي مختلفاً عن المألوف في النظم، إنما نتعامل مع شكل تعبيري، ينظُم الشعر رؤية نسائية، فيساهم بذلك، في تعبيد الطريق أمام فهم المجتمع، وتعاقداته الاجتماعية، ومكتسباته الثقافية والتاريخية... كما أن موضوع (التبراع)، يتيح لنا التعرف على الجغرافية والثقافة الحسانيتين، وعبرهما، نلتقي بخصوصيات السياق المحلي، الذي بفضل دعمه التاريخي والعلمي والثقافي، مكن المرأة من إمكانات حقوقية واجتماعية جعلتها، في قلب الحياة العامة، وداخل منظومة مفهوم المواطنة».
في هذا السياق، تذكر كرام بعض مظاهر هذه المكتسبات، ومن ذلك «تقديم تعريف مفهومي لشعر (التبراع)، باعتباره نوعاً - شكلاً شعرياً نسائياً مغربياً، يخص المرأة الحسانية، دون أن يعني ذلك، عدم كتابة المرأة في الأنواع الشعرية الأخرى».
أما ماء العينين، فذكرت في معرض مقدمتها للكتاب، إنها ركزت على جانبين اثنين، لم يأخذا حظهما من البحث والاهتمام، وهما أولاً، الإبداع النسائي في الشعر الشعبي أو الشفوي عموماً، من خلال تجربتين إنسانيتين إبداعيتين، واحدة محلية وأخرى إنسانية، ويتعلق الأمر بـ«عروبيات فاس» و«شعر نساء البشتون»، وثانياً المرأة في فضاء الثقافة الحسانية، وهو جانب قالت إن أهميته تأتي في كونه يلقي الضوء على المبدعة باعتبارها إنسانة وعنصراً اجتماعياً.
وتناولت الباحثة الجذر اللغوي لكلمة «التبراع»، الذي «يحيلنا على معنيين مختلفين. الأول من فعل برع، وهو كما ورد في (اللسان) من بَرَع، يَبرُع، بُروعاً وبراعة، وبَرُعَ فهو بارع، ويعني، أتَمّ في كلّ فضيلة وجمال، وفاق أصحابه في العلم وغيره، وقد توصف به المرأة، ومنه (البَريعة)، وهي المرأة الفائقة الجمال والعقل. والمعنى الثاني، دائماً حسب (اللسان) من فعل (تبرّع)، أي أعطى من غير سؤال أو تفضَّل بما لا يجب عليه. يقال فعلت ذلك متبرعاً أي متطوعاً».
واستعرضت المؤلفة مفهوم «التبراع» لدى الباحثين، وكيف يحتوي على العناصر الأساسية المكونة للمادة الشعرية من أسلوب تصوير وأنغام وأجراس موسيقية، إذ هو ليس شعر القصائد والمطولات، بل هو شعر الوحدات، إذ إن كل «تربيعة» على وحدتين تؤلفان سطراً واحداً هو «التبراع»، فيما المرأة «المتبرعة» «تجاوزت الأشكال التعبيرية الشعرية المعروفة والمألوفة في المجتمع (الفصيح والعامي) لتصطفيه مستودعاً لأخاليجها... أحاسيسها الوجدانية ولتحتكره لنفسها»، على حد قول الباحث الحسن ولد الشيخ.
وتتبعت المؤلفة أصول «التبراع»، مستعرضة آراء الباحثين، مشيرة في هذا الصدد، مثلاً، إلى رأي أحمد ولد حبيب، الذي يرى أن نشأته ما زالت «محل خلاف بين الباحثين»، وكيف أن بعض الباحثين يرون أنه «أصل الشعر الحساني»، قبل أن يتخلى عنه الرجل الحساني، بالتدريج بعد أن تنوعت أشكال تعبيره، و«لكنه ما مات ولا اختفى نهائياً، بل غدا أداة التعبير الشعري لدى المرأة».
وانتهت ماء العينين، في كتابها، إلى أنه يبقى «من المغالطة الحكم على (التبراع) على أنه مجرد غزل نسائي في الرجل»، مشددة على أن «التبراع» كصورة رومانسية وأحاسيس يغلب عليها طابع المعاناة والألم، في إطار يبدو أقرب إلى الغزل العذري كما عرفناه في تراثنا العربي القديم، مشيرة، في هذا الصدد، إلى «نماذج تجاوزت هذا الإطار الرومانسي إلى البحث أو التطلع إلى شكل واقعي ومحدد للعلاقة مع الآخر». كما تحدثت عن النماذج التي يغلب عليها «طابع الحنين والتأمل، وأحياناً الاستغفار»، مشيرة إلى «عقدة الذنب التي تشعر بها المرأة حيال رغبتها في الانطلاق والتعبير عن ذاتها بحرية أكبر»، ولذلك فهي «غالباً ما تعود إلى نفسها لكي تطلب من الله المغفرة على ما تعتبره أخطاء في حق نفسها ومجتمعها ودينها»، قبل أن تستدرك، بالقول إن «التبراع اهتم أيضاً بمواضيع أخرى كشفت عن تفاعل المرأة الحسانية مع ما يحدث في العالم العربي من مستجدات مؤلمة في عمومها، وكأن المرأة تريد أن تبعث رسالة تقول فيها بأن الحب الذي هو المحرك الأساسي لشعرها، ليس بالضرورة حب الرجل فقط، بل إن حب الوطن، والانتماء القومي والإسلامي والإنساني، من أشد أنواع الحب». وللباحثة مجموعة من الأبحاث والدراسات في الأدب والنقد والثقافة الشعبية، منشورة أو قيد الطبع، بينها «ديوان الشيخ محمد الإمام... جمع تحقيق ودراسة»، و«ثقافة الصحراء... مقالات في الأدب والتاريخ والثقافة الشعبية»، و«الشعر النسائي الحساني».



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».