«داعش» يمثل تهديداً رغم اندحاره في سوريا والعراق

دراسة شاملة حول 759 سعودياً من التنظيم اعتمدت على وثائقه الداخلية

TT

«داعش» يمثل تهديداً رغم اندحاره في سوريا والعراق

أظهر تقرير سعودي نشر مؤخراً أن انهيار تنظيم داعش الإرهابي في معاقله في كلٍ من العراق وسوريا، لا ينهي المخاطر المحدقة التي يشكلها التنظيم في العالم، وخاصة بالنسبة للدول التي يعود إليها المقاتلون.
ويدرس التقرير حالات نحو 760 حالة لأعضاء في التنظيم الإرهابي يحملون الجنسية السعودية، أو من المقيمين في المملكة، وصدر في فبراير (شباط) الحالي وقدمه الدكتور عبد الله بن خالد بن سعود الكبير مدير إدارة البحوث، ورئيس وحدة الدراسات الأمنية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، والذي يعمل أستاذا مساعدا في كلية العلوم الاستراتيجية في جامعة نايف العربية للعلوم.
وتعتمد الدراسة على عدد من الوثائق التي تم تسريبها من حوزة التنظيم في سوريا. وخضعت الوثائق للتحليل. ويذكر التقرير أن الحدود التركية مثلت المعابر لمئات المقاتلين السعوديين الذين انخرطوا في صفوف التنظيم في كل من العراق وسوريا.
وتقدم الدراسة، وهي الأولى من نوعها عن الدواعش السعوديين أو المقيمين في السعودية، جوانب مهمة في بيئة التنظيم وطرق التجنيد، والدوافع وراء الانضمام لـ«داعش»، كما ألقت الضوء على الجوانب الحياتية للمنتسبين للتنظيم.
تستهل الدراسة بأنه في مطلع عام 2016، تم تسريب كم ّ هائل من وثائق سرية تحتوي على ثروة من المعلومات عن المجندين الجدد الذين سعوا للانضمام إلى ما يسمى «الدولة الإسلامية» تنظيم داعش في سوريا، إذ انضمت الغالبية العظمى من الأفراد الذين وردت أسماؤهم في هذه السجلات إلى تلك المنظمة الإرهابية في عامي 2013 و2014. يضيف الباحث أنه نادرا ما تتاح فرصة الاطلاع على الوثائق الداخلية للجماعات الإرهابية التي يعتمد بقاؤها على السرية التامة، وهذا ما يجعل للوثائق المشار إليها قيمة وأهمية بالغتين.
وتقدم الدراسة بحثا تحليليا معمقا للوثائق المسربة عن (759) من مقاتلي «داعش» القادمين من السعودية - مواطنين ومقيمين - الواردة أسماؤهم في تلك الوثائق، كما تقدم معلومات مهمة من صميم ملف تجنيد السعوديين في تنظيم داعش.
هدفت الدراسة إلى تحليل سجلات «داعش» مركزة على المجندين من السعودية والذين يعدون غنيمة كبرى للجماعات والمنظمات الإرهابية.
توصلت الدراسة إلى أن أغلب المقاتلين من السعوديين هم من فئة الشباب الذين يشكلون جيلا جديدا من الجهاديين السعوديين، مع ملاحظة أن الجزء الأكبر منهم ليسوا مراهقين ولا معزولين أو منبوذين اجتماعيا.
أيضا لم تتركز مجموعة المقاتلين «الدواعش» في منطقة محددة فقيرة أو ساخطة، حيث قدم المقاتلين من المناطق الـ13 الإدارية في السعودية، مع ملاحظة أن منطقة كالقصيم قدمت أكبر عدد من المقاتلين «الدواعش» وبفارق كبير بالنسبة لعدد المقاتلين لكل 100 ألف مواطن ومقيم في المنطقة.
وبعد تسريب الوثائق الذي حدث في عام 2016 حصل عدد من وسائل الإعلام والمراكز البحثية على الوثائق، بما في ذلك المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينغز كوليدج لندن التي عمل فيها الدكتور عبد الله بن خالد بن سعود الكبير باحثا زائرا لمدة عام ونصف. ويضيف: «تعد هذه الدراسة، بصورة عامة، وثيقة الصلة بهذا الشأن، لأن آيديولوجيات التطرف لا تزال قادرة على الظهور والازدهار ما دامت الظروف التي أدت إلى بروزها في المقام الأول، مثل السياسات الطائفية، والاضطرابات السياسية، وحالة عدم الاستقرار، لا تزال قائمة».
أشار الباحث إلى دراستين سابقتين عن الجهاديين، قدمت إحداهما عن تنظيم داعش، حيث درست المقاتلين المنضمين إليه خلال العامين 2007 و2008، واعتمدت على خزينة معلومات أطلق عليها اسم «وثائق سنجار». والدراسة الثانية كانت عن «الجهاد في المملكة العربية السعودية»، التي قدمها توماس هيغهامر وشملت دراسة السيرة الذاتية لـ539 شخصا شاركوا في أعمال العنف بين عامي 1980 و2006.
ذهب الباحث إلى أن التفسير الأول للإقبال على الانضمام إلى «داعش» ربما يكون في الحالة التنظيمية التي ظهرت بعد عام 2011 والتي اكتسبت زخما في منطقة القصيم تحت شعار «فكوا العاني». كما ربط التفسير الثاني بدور شبكات التواصل الاجتماعية ودور المقاتلين الأوائل الذين انخرطوا في الصراع في سوريا، في حين ربط التفسير الثالث بالجهاديين السلفيين المؤثرين في المنطقة. في جانب المرحلة العمرية لفت الباحث إلى أن البيانات العشرين التي يطلبها التنظيم من المقاتل الجديد التي من ضمنها تاريخ الميلاد وتاريخ الدخول فإن 88 من إجمالي 759 الذين تمت دراستهم لم يقدموا هذه المعلومات.
في هذا الجانب استعرض الباحث خمس عينات؛ هي «دواعش» سوريا بين عامي 2013 و2015 الذين كانت أعمارهم في حدود 23.9 سنة، والجبهات السابقة - الجهاد الأفغاني مثلًا - كان المتوسط العمري للجهاديين 20 سنة، بينما كان المعدل العمري لأعضاء تنظيم القاعدة بين عامي 1996 و2001 في حدود 22 سنة، أما معدل أعمار أعضاء «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية بين 2002 و2006، فقد كان 27 سنة، وأخيرا معدل أعمار المنضمين إلى الجماعات الجهادية في العراق بين عامي 2003 و2005 كان 23 سنة. أظهرت البيانات أن ما يقرب من 87 في المائة من العناصر السعودية التي انضمت إلى «داعش» خلال الفترة بين عامي 2014 و2015 كانت دون سن الثلاثين سنة، وكانت نسبة غير المتزوجين بين عينه السعوديين 73 في المائة، بينما كانت نسبة المتزوجين 18 في المائة، و9 في المائة غير محدد، في حين أن النسب في التنظيم بشكل عام 60 في المائة غير متزوجين و30 في المائة متزوجون. وأكبر منطقة من حيث المنشأ الرياض بـ262 مقاتلا «داعشيا»، تلتها منطقة القصيم ومكة بـ134 لكل منهما، وأقل المناطق كانت نجران والحدود الشمالية بخمسة مقاتلين لكل منهما.
كشفت الدراسة أيضا أن 71 في المائة من العينة بأكملها زعموا أن لديهم معرفة دينية بسيطة، كما أن 58 في المائة من العناصر السعودية أجابوا أنهم كذلك، أيضا كشفت الدراسة أن ثمانية في المائة من السعوديين طلبة علم شرعي، بينما تراجعت إلى خمسة في المائة لدى المقاتلين الأجانب القادمين من السعودية، أيضا كشفت الدراسة أن مقاتلا «داعشيا» واحدا ليس متعلما، بينما 27 شخصا لم يتم تحديد مستواهم التعليمي، في حين كان الغالبية ممن أكملوا التعليم العام حيث بلغ عددهم 337، تلاهم الحاصلون على البكالوريوس بـ119 مقاتلا، والمنسحبون من التعليم الجامعي 150 مقاتلا، والدراسات العليا كان نصيبها خمسة مقاتلين «دواعش»، والتعليم المتوسط كان نصيبه 46 «داعشيا»، و12 فقط كانت حصيلتهم التعليمية المرحلة الابتدائية.
تطوع 625 من عينة الدراسة أي بمعدل 82 في المائة ليكونوا مقاتلين، بينما حدد 71 من الأفراد (9 في المائة) توجههم بوصفهم (استشهاديين)، و44 أي 6 في المائة تطوعوا للعمليات الانغماسية، بينما واحد في المائة فضلوا دورا غير قتالي.
من بين 759 سعوديا في مجموعة البيانات، حدد 670 تواريخ دخولهم إلى سوريا، و583 ذكروا اسم المهرب أو كنيته، بينما حدد 706 اسم أو كنية المجند الذي زكاهم، بينما حدد 84 في المائة منهم نقاط الدخول، التي تركزت على الحدود السورية - التركية، شملت تل أبيض وأعزاز، وجرابلس - كلس، والراعي، والريحانية، واللاذقية.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».