المخابرات الإسرائيلية تتوقع انفجاراً عنيفاً في الضفة على أبواب الانتخابات

TT

المخابرات الإسرائيلية تتوقع انفجاراً عنيفاً في الضفة على أبواب الانتخابات

حذرت عدة أوساط أمنية في إسرائيل، وفي مقدمتها «الشاباك»، من خطر تدهور الأوضاع في الضفة الغربية والسجون الإسرائيلية، وربما أوسع من ذلك، على شفا الانتخابات البرلمانية (الكنيست)، التي ستجري في 9 أبريل (نيسان) القادم. وقالت هذه الأوساط، إن هناك تطورات في الآونة الأخيرة في عدد من الملفات الحارقة فلسطينياً، مثل التوترات داخل أقسام الأسرى في السجون الإسرائيليّة، والمعارك حول المسجد الأقصى، واعتقال رجال دين ونشطاء من «فتح»، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الفلسطينيّة، والأوضاع في قطاع غزة، تعتبر بمثابة «قنبلة موقوتة» من الممكن أن تحدث زلزالاً في الساحة الانتخابيّة في إسرائيل.
وحذّر أحد المسؤولين، أمام المحرر العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، من أن هذه التطورات تنذر بتصعيد جديد: «من المرجح أن يكون خلال الأسابيع الستّة المتبقيّة حتى الانتخابات». وقال بلهجة نقد واضح لرئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، إن نتنياهو اتخذ قراراً بقطع الأموال عن السلطة الفلسطينية لحسابات حزبية انتخابية، وإنه يستبعد أن يستطيع نتنياهو التراجع عن قرار المجلس الوزاري والسياسي المصغّر (الكابينيت) بهذا الشأن. وقد عزا ذلك إلى أن المعركة الانتخابيّة في أوجها، وتصوير نتنياهو من قبل منافسيه السياسيين على أنه «ضعيف أمام الفلسطينيين». وأكد المسؤول أن قرار اقتطاع الأموال اتّخذ رغم المعارضة الشديدة من رؤساء الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، الذين حذّروا من تبعات القرار.
وذكر قادة الأمن أن القرار الإسرائيلي «أثار غضباً عارماً في الضفّة الغربيّة، وسط خشية من عدم القدرة على دفع السلطة لرواتب موظّفيها، ما يعني عدم قدرتهم على دفع مستحقّات البنوك». كما حذّروا من أن تطال تبعات القرار قطاع غزة: «لأن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أعلن، بالفعل، أنه سيقتطع جزءاً من الأموال التي اقتطعتها إسرائيل من الأموال المخصّصة لقطاع غزة؛ حيث يظهر تأثير كل تخفيض بالمساعدات بشكل فوري، في الوقت الذي أعادت فيه حركة حماس السماح بعودة الاحتكاكات مع الاحتلال في قطاع غزة».
أما بخصوص الحراك الذي تشهده الحركة الأسيرة، فحذّر المسؤولون من تأثيراته المحتملة، سواءً داخل السجون أو داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينيّة «التي يتبارى أفرادها فيما بينهم لدعم الأسرى، معلنين أنهم سيتبرعون بمبالغ مالية من رواتبهم للأسرى» في السجون الإسرائيليّة.
كذلك فإن الأوضاع داخل أقسام السجون الإسرائيلية تلتهب، وهي أبعد ما تكون عن الهدوء، بحسب رأي المسؤولين الأمنيين. وشدّدت مصلحة السجون الإسرائيليّة، بتوجيهات من وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، التضييق على الأسرى، بذريعة مكافحة «الهواتف المحمولة التي يملكها الأسرى السياسيون»، الذين يمنعهم الاحتلال من حيازتها، فبدأ السجانون بنصب أجهزة تشويش على الإرسال داخل أقسام الأسرى السياسيين.
وفي سجن النقب الصحراوي، يتصاعد توتر شديد، والأسرى يعلنون الاعتصام والتمرد، والقوات الخاصة تستعد لقمع حراكهم.
وكان الأسرى قد خرجوا لحملة احتجاج على ظروف اعتقالهم، وأضرم أحدهم النار في نفسه، بسبب نقله للعزل الانفرادي. واقتحمت وحدات القمع التابعة لمصلحة السجون قسم «5» في السجن، وأعلنت أنها تستعد لاقتحام بقية الأقسام.
وكشف هرئيل أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أمر بداية الشهر الجاري بالتجهز تدريجياً لحرب في قطاع غزة، فيما بدأ الجيش الإسرائيلي، أمس الاثنين، تدريباً عسكرياً مفاجئاً لقيادة الأركان، للتعامل مع الأوضاع في غزة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.