هناك صورة مشهورة لنجم مانشستر يونايتد ماركوس راشفورد وهو يقف مع زملائه قبل إحدى مباريات المنتخب الإنجليزي تحت 16 عاماً، عندما تحدق فيها تجد هناك أيضاً مدافع ليفربول الحالي جو غوميز بلمحات وجهه الطفولية، ثم دومينيك سولانكي، الذي كان يبدو في ذلك الوقت بنفس ملامحه وسماته الحالية.
وعندما تنظر إلى الصورة عن قرب وتحدق بها تجد راشفورد بصعوبة وهو يكاد يختفي خلف فتاة صغيرة تقف أمامه. نعم، إنه هو راشفورد بجسمه النحيل وطباعه الهادئة، التي ظل محافظاً عليها خلال الثلاث سنوات التي لعبها مع الفريق الأول بمانشستر يونايتد حتى الآن.
وفي هذه الذكرى الثالثة لانضمامه للفريق الأول، شارك راشفورد في المباراة الهامة لفريقه أمام ليفربول على ملعب «أولد ترافورد» أول من أمس في إطار مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز، والتي انتهت بالتعادل السلبي بين الفريقين قاتل بجدية حتى النهاية رغم تعرضه لإصابة في بداية اللقاء وتحامل على نفسه لأن فريقه فقد تغييراته الثلاثة مبكراً. إن هذه هي نوعية المباريات التي يحبها راشفورد، لأنه دائماً ما يجيد أمام الفرق الكبرى، ويكفي أن نعرف أنه نجح في هز شباك كل من ليفربول وتشيلسي وآرسنال ومانشستر سيتي (مرتين)، ناهيك عن نجاحه في هز شباك توتنهام هوتسبر في مباراتي الدور الأول والثاني الموسم الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبح راشفورد الآن هو الخيار الأول في مركز المهاجم الصريح بنادي مانشستر يونايتد، وتطور مستواه بشكل ملحوظ تحت قيادة المدير الفني الجديد للشياطين الحمر، أولي غونار سولسكاير، وبات من الواضح أن راشفورد بات على أعتاب مرحلة أخرى من التطور الملحوظ في مسيرته الكروية. ومنذ ظهوره لأول مرة وهو شاب ضعيف البنية أمام فريق ميتيلاند، كان من الواضح أنه يمتلك المهارة الكبيرة والرغبة الهائلة في الوجود على الساحة الكروية بكل قوة، لكنه كان بحاجة إلى بعض الوقت من أجل الانطلاق والتألق في عالم الساحرة المستديرة.
كان تأثير سولسكاير، الذي يعد خامس مدير فني يلعب راشفورد تحت قيادته في النادي ومنتخب إنجلترا، كبيراً للغاية على المهاجم الإنجليزي الشاب. فحتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان هناك حديث عن ضرورة رحيل راشفورد عن مانشستر يونايتد حتى يتطور مستواه ويصبح أفضل مما هو عليه الآن. لكن بعد عشرة أسابيع فقط من رحيل المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو وتولي سولسكاير مهمة تدريب الفريق، بات هناك شعور بأن النادي قد نجح في إعادة اكتشاف شيء من أساطيره الخاصة في خط الهجوم وموهبة من المواهب التي عودنا مانشستر يونايتد على تقديمها من آن لآخر. وبالتالي، بات من السهل على أي شخص أن يُجزم بأن ماركوس راشفورد هو الآن أهم لاعب في صفوف مانشستر يونايتد.
كان يتعين على راشفورد أن يعمل جاهداً على استغلال الفرص التي تتاح له. وحتى أول مباراة لعبها مع الفريق الأول بمانشستر يونايتد قبل ثلاث سنوات قد لعب الحظ فيها دوراً كبيراً للغاية، لأنه لم يكن ليشارك في هذه المباراة من الأساس لولا معاناة النادي من مشكلة كبيرة بسبب إصابة 14 لاعباً بالفريق. ولم يكن راشفورد ليلعب مع الفريق الأول بمانشستر يونايتد من الأساس لو كان النادي قد وافق على التخلي عن خدماته قبل وقت قصير من تلك المباراة لصالح نادي كرو على سبيل الإعارة.
ولم يكن راشفورد ليشارك في تلك المباراة لو لم يتعرض الجناح الفرنسي أنطوني مارسيال لإصابة في أوتار الركبة خلال إجراء عمليات الإحماء (قال راشفورد إنه أخبر أمه بألا تزعج نفسها وتحاول مشاهدة المباراة لأنه لن يلعب على الأرجح). وربما لم يكن راشفورد ليتمكن من التوهج بهذا الشكل لو لم يجلس معه المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد (الهولندي) لويس فان غال بين شوطي إحدى المباريات ليطلب منه أن يتوقف عن الركض كثيراً من دون داعٍ وأن يركز على التحرك في أماكن جيدة بالقرب من مرمى الفرق المنافسة.
وقد استمع راشفورد لتعليمات فان غال ونجح في تسجيل هدفين في شوط المباراة الثاني، قبل أن يحرز هدفين مرة أخرى في مرمى نادي آرسنال بعد ذلك بثلاثة أيام في أول مشاركة له مع مانشستر يونايتد بالدوري الإنجليزي الممتاز. كان المدير الفني لراشفورد في فريق مانشستر يونايتد تحت 18 عاماً، بول ماغوينيس، يطلب منه أن يتكيف بصورة أكبر على اللعب في عمق الملعب وأن تكون لديه رغبة أكبر في إحراز الأهداف، وهي التعليمات التي ساهمت في تطور مستوى راشفورد بشكل ملحوظ.
ومنذ ذلك الحين، وكما قال لويس فان غال، بدأ راشفورد عملية متواصلة من التطور، رغم مروره بكل تأكيد بفترات سيئة وأخرى جيدة. لكن الشيء المؤكد هو أن الفترة التي قضاها مورينيو في مانشستر يونايتد قد أعاقت هذا التطور بشكل ملحوظ. وإذا استبعدنا السنوات التي قضاها المدرب البرتغالي في مانشستر يونايتد من مسيرة راشفورد، فإن ذلك يعني أن اللاعب الشاب قد سجل 12 هدفاً في 31 مباراة مع مانشستر يونايتد تحت قيادة أول مدير فني لعب معه قبل مورينيو وآخر مدير فني يلعب معه حالياً.
لكن مورينيو يعد جزءاً كبيراً من هذه القصة، على الأقل لأنه يثبت أن راشفورد قادر على التكيف والبقاء في ظل أصعب الظروف، حيث لم يبدُ اللاعب الشاب منزعجاً في مانشستر يونايتد، حتى عندما أشار البعض إلى أنه لا يتم استغلال مهاراته وإمكانياته بالشكل المناسب والصحيح، وحتى عندما كان مورينيو يعبر عن انزعاجه بطريقة استعراضية فجة بجوار خط التماس عندما كان راشفورد يهدر إحدى الفرص أمام المرمى، ثم يخرج علينا في المؤتمرات الصحافية ليتحدث عن قلة خياراته الهجومية!. لقد أثبت راشفورد أنه يتمتع بشخصية قوية وهي أهم شيء في عالم كرة القدم، لأنه في بعض الأحيان، يكون تمسك اللاعب بفريقه ورفضه التفريط في الفرصة هو أعظم وأهم شيء على الإطلاق.
وكما هو الحال دائماً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن أن يتطور راشفورد خلال السنوات المقبلة؟ وللإجابة على هذا السؤال، يجب أن نشير إلى أنه كان هناك مقارنة خلال الأسبوعين الماضيين داخل مانشستر يونايتد بين راشفورد وبين النجم الفرنسي الشاب كيليان مبابى، صاحب العشرين ربيعاً، وحديث عن المنافسة بينهما خلال السنوات القليلة المقبلة على لقب الأفضل في العالم.
لكن الحقيقة هي أن المقارنة بين النجمين الشابين ليست عادلة على الإطلاق، نظرا لأن مبابى قد أصبح جاهزاً الآن للانطلاق بكل قوة نحو القمة، أما راشفورد فهو مجرد لاعب شاب يبحث الآن عن استغلال فرصة وجود مدير فني مناسب مثل سولسكاير لكي يثبت أنه لاعب من الطراز العالمي، في ظل اعتماد المدير الفني النرويجي على طريقة لعب تعتمد على الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة، مع شن هجمات مرتدة سريعة.
ويقدم راشفورد لمحات فنية رائعة ويستغل اللمسات والتمريرات السحرية لنجم خط وسط مانشستر يونايتد بول بوغبا. وبعدما نجح سولسكاير في تشجيع راشفورد على أن يتعامل مع الكرة كسلاح يهدد به مرمى الخصوم بدلاً من الاحتفاظ به، بدأ اللاعب الإنجليزي الشاب في إظهار مهاراته وقوة تسديداته، للدرجة التي تجعلك تشعر عند مرحلة ما بأنه يرغب في أن يلعب بطريقة النجم البرازيلي نيمار من خلال التلاعب بالمدافعين وخلق الفرص وتسجيل الأهداف.
وقد بدا الأمر خيالياً في بعض الأحيان، والدليل على ذلك أنه عندما ننظر للإحصائيات الخاصة باللاعب في النصف الثاني من الموسم الجاري سوف نكتشف أنه يأتي ضمن أفضل اللاعبين في كل شيء، من حيث صناعة الفرص والأهداف والتمريرات وقطع الكرات والمراوغات. وربما تكون النقطة السلبية الوحيدة في أدائه تتمثل في عدم إجادته لضربات الرأس.
وعندما تشاهد راشفورد وهو يصول ويجول داخل المستطيل الأخضر ينتابك شعور على الفور بأنه ما زال بإمكانه تقديم المزيد والمزيد وما زال أمامه الكثير من أجل التطور والنمو، خاصة أنه يمتلك نفس حماس النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو فيما يتعلق بالعمل بكل قوة في التدريبات، فضلاً عن قدرته على قطع مسافات طويلة بسرعة كبيرة دون كلل أو ملل.
وعلاوة على ذلك، رأينا راشفورد ينتظر بكل حنكة في الجهة اليسرى ثم ينطلق بسرعة فائقة خلف الجناح الأيمن لليفربول ترينت ألكسندر أرنولد في واحدة من أفضل مبارياته على الإطلاق تحت قيادة مورينيو، وهي المباراة التي انتهت بفوز مانشستر يونايتد على ليفربول بهدفين مقابل هدف وحيد قبل عام تقريباً. وربما كان من الممكن أن يظهر راشفورد بنفس الشكل في مباراة فريقه أول من أمس أمام ليفربول، لولا تعرض فريقه لموقف صعب واضطراره لإجراء ثلاثة تغييرات اضطرارية في شوط المباراة الأول بسبب الإصابة، في الوقت الذي كان يبدو فيه راشفورد نفسه مصاباً ويريد التغيير، لكنه اضطر لاستكمال المباراة بسبب نفاد التغييرات الثلاثة.
وقال سولسكاير عقب اللقاء: «تعرض راشفورد لكثير من الضرب، لكنكم تعلمون أنه مقاتل... أنه من مانشستر وهو يعرف ما يعنيه ذلك. كان يجب أن نبقيه في الملعب لأننا كنا قد استنفدنا التغييرات الثلاثة».
وقد أثبت راشفورد أنه أحد أهم لاعبي مانشستر يونايتد هذا الموسم، الذي كثر الحديث خلاله عن إمكانية رحيله إلى برشلونة أو ريال مدريد، لكن «الفتى الذهبي» لمانشستر يونايتد يتحدى فكرة الفوضى التي سيطرت على النادي بعد اعتزال المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون، ويرفض أن يُجرد ناديه من أسلحته ومن كل ما هو جيد، وقرر البقاء لكي يثبت أن النظام الذي يمتاز به مانشستر يونايتد على مدار سنوات طويلة فيما يتعلق بإنتاج اللاعبين الرائعين من فرق الناشئين بالنادي لا يزال قائماً وقادراً على منافسة الغريم التقليدي مانشستر سيتي.
راشفورد فتى مانشستر يونايتد الذهبي يتلألأ من جديد
يبدو في أفضل حالاته بعد رحيل مورينيو ومرور ثلاث سنوات على أول ظهور له مع الفريق الأول
راشفورد فتى مانشستر يونايتد الذهبي يتلألأ من جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة