تجاذب روسي ـ إيراني يدفع ثمنه السوريون

تجاذب روسي ـ إيراني يدفع ثمنه السوريون
TT

تجاذب روسي ـ إيراني يدفع ثمنه السوريون

تجاذب روسي ـ إيراني يدفع ثمنه السوريون

قائمة الطوابير التي اعتاد السوريون الوقوف الطويل فيها للحصول على المواد الأساسية اللازمة للمعيشة، انضم إليها طابور جديد مخصص لاستخراج البطاقة الذكية، التي فرضتها حكومة دمشق كشرط للحصول على كمية محددة من البنزين والمازوت بالسعر المدعوم. وبرغم أن الضائقة ليست جديدة فإن العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضت على إيران مطلع أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أدت إلى «تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية بين إيران وروسيا» يدفع السوريون ثمنها، بحسب متابعون للشأن السوري.
ونظام البطاقة الذكية يعتبر تحديثاً إلكترونياً للبطاقة التموينية الورقية التي سبق وفرضها نظام الأسد الأب على السوريين، ضمن برنامج الاقتصاد الاشتراكي، ليحصل بموجبها المواطن على مخصصات شهرية من المواد التموينية الأساسية كالزيت والسكر والأرز وغيرها بأسعار رمزية. ولا تزال ذاكرة السوريين تحتفظ بصورة الطوابير على أبواب المؤسسات الاستهلاكية في الثمانينات من القرن الماضي للحصول على مخصصاتهم حين كان التقشف العنوان الأبرز لاقتصاد الأسد الأب.
مشروع البطاقة الذكية الذي بدأت حكومة النظام تطبيقه خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كشف العمق الذي وصلت إليه الضائقة الاقتصادية في البلاد. ومع تفاقم أزمة الوقود والطاقة، فقد بات واضحا أن لا حلول مرتقبة في المدى المنظور، سيما وأن خطاب رئيس النظام بشار الأسد الأسبوع الماضي أكد على أن «التحدي الأساسي هو تأمين المواد الأساسية الذي تواجهه صعوبات يفرضها الحصار»، مشبهاً ما سماه «معركة الحصار» بالمعارك العسكرية «كر وفر». وتبع ذلك تصريحات حكومية عززت مخاوف السوريين من طول أمد الأزمة، فبعد الخطاب الرئاسي، ارتفع سعر ليتر المازوت في السوق السوداء من 350 إلى 550 ليرة ولم يعد متوفراً. كما ارتفع سعر الغاز ليتجاوز سعر الأسطوانة في السوق السوداء الثمانية آلاف ليرة. أما الكهرباء فتضاعفت ساعات التقنين، وأصدرت وزارة الكهرباء بياناً تطلب فيه من السوريين مزيداً من الصبر والتحمل، وقالت إنها تقدر معاناتهم، وبررت زيادة ساعة التقنين بالعقوبات الاقتصادية. وقالت إن «زيادة حدة الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب الجائرة... المفروضة على قطاع الطاقة خاصة، أدت إلى توقف واردات مادة الفيول المخصص لتوليد الكهرباء، إضافة إلى انخفاض درجات الحرارة بما يعادل من 5 إلى 7 درجات عن معدلاتها مقارنة بالأعوام الخمسة السابقة، وبالتالي ارتفع الاستهلاك بنسبة تجاوزت الـ90 في المائة». وأهابت بالسوريين «تقدير الظروف التي تمر بها البلاد عامة وقطاع الطاقة خاصة».
ومع أن العقوبات ليست جديدة على سوريا، فإن الذي استجد بحسب ما قاله خبير اقتصادي في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، هو العقوبات الاقتصادية الأميركية التي فرضت على إيران مطلع أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ما أدى إلى «تغير قواعد اللعبة الاقتصادية بين إيران وروسيا» يدفع السوريون ثمنها. ومع أن الدعم الإيراني والروسي للنظام لم يتوقف، فإنهما لم يتدخلا لحل أزمة الطاقة والمشتقات النفطية التي تدفع حاضنة النظام الشعبية إلى «حافة الغليان» بحسب الخبير الاقتصادي الذي أشار إلى بدء الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بحملة اعتقالات تطال أصحاب التعليقات «السلبية» على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في مدن الساحل السوري، معقل مؤيدي النظام والخزان البشري لقواته. وقال الخبير إن إيران تعرقل وصول الغاز إلى سوريا «لعدم قدرة النظام على سداد قيمة القروض الائتمانية التي منحتها له». كما لا تبدي روسيا تعاونا مع النظام في مجال توريد الغاز عبر البحر سيما وأن قواعدها البحرية على الشاطئ السوري «للضغط عليه لتقديم مزيد من التنازلات لصالحها على حساب علاقته مع إيران».
وأكد الخبير أن المواطن السوري يدفع ضريبة «إفلاس النظام»، وضريبة «التجاذب الروسي - الإيراني» الذي سيشدد الخناق على عنق النظام السوري. خاصة أن «روسيا لن تفوت الفرصة لاستثمار العقوبات على إيران لصالحها، فمع فرض العقوبات الأميركية، وقعت إيران مع شركة زاروبزنفت الروسية عقدا في طهران بقيمة 742 مليون دولار لزيادة إنتاج النفط في حقلين غرب إيران. وفي سوريا تعمل روسيا على تحجيم الدور الإيراني العسكري والاقتصادي، من خلال لجم الميليشيات الشيعية والفرق العسكرية المدعومة من قبل إيران، واقتصادياً من خلال الاستحواذ على العقود السيادية في مجالات النفط والطاقة وصناعة الفوسفات والإسمنت واستبعاد إيران منها، وذلك في الوقت الذي كشف فيه المتحدث باسم لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان الإيراني، محمد مهدي مفتح، عن اقتراض حكومة روحاني خمسة مليارات دولار من روسيا لمشاريع تنموية.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».