صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

توقعات بتمدد في أفريقيا وإيران ونشاط باليمن

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
TT

صراع «داعش» و«القاعدة» يُثمر تكتيكات جديدة

هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)
هجوم «داعش» على مقر وزارة الخارجية بليبيا في ديسمبر الماضي (الشرق الأوسط)

شهد عام 2018 صراعات بين تنظيمات العنف، خصوصاً «داعش» و«القاعدة»، في أفريقيا ودول كثيرة، ومن المرجح أن يشهد 2019 تكتيكات حديثة، وبروز بؤر جديدة للإرهاب والصراع... ومع هذه الاحتمالات، تتجدد التساؤلات حول مستقبل التنظيمات الإرهابية في أفريقيا، وأفغانستان، وإيران، واليمن، وليبيا، وسوريا، والعراق، وأوروبا. الخبير الأمني العميد خالد عكاشة، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في مصر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا صراع على الاستحواذ، لكن لم يشهد تقاتلاً بين التنظيمين، مضيفاً أن «داعش» سوف يتوجه في 2019 إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية في العراق، كنوع من التكتيكات الجديدة، وسوف يتوسع في إيران، ليفتح جبهات جديدة «لشحن بطاريات» عناصره.
وفي هذا الصدد، رصدت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه في 2019، ستظل مصادر التهديد الإرهابي مُركزة حول «داعش»، و«القاعدة» وفروعها، و«طالبان» بأفغانستان، و«بوكو حرام» في غرب أفريقيا... فلا يزال «داعش» يتصدر قائمة تنظيمات الإرهاب الأنشط، فمن الأول من يناير (كانون الثاني) حتى منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2018، نفذ «داعش» 450 عملية هجومية تسببت في قتل 2788، بينما احتلت «طالبان» المرتبة الثانية بـ207 عمليات، و1524 قتيلاً.

التمدد الأفريقي

وعن تمدد «داعش» و«القاعدة» وتنظيمات الإرهاب في أفريقيا، قال العميد عكاشة إن «ملامحه بدأت تظهر وفق مؤشرات قوية في نهاية 2018. وقد أشارت إلى احتلال (الشباب) الصومالية المرتبة الثانية في مؤشر الإرهاب العالمي الذي تصدره أستراليا، وهو الأبرز على مستوى العالم، ويعتمد على عدد العمليات التي قامت بها الحركة، والضحايا، ونقاط التمدد، وأوضحت وقوع أكثر من عملية في دولة مجاورة، فضلاً عن الحزام الأخضر جنوب الصحراء، وكل المناطق الشمالية أصبح بها قدر عالٍ جداً من التهديد، من (داعش) و(القاعدة)، و(بوكو حرام)، وخروج فصيل من الحركة بايع (داعش)، وآخر بايع (القاعدة)، بالإضافة إلى استعادة فرع (القاعدة) في بلاد المغرب العربي لسطوته ببعض الأماكن، حيث عاد للواجهة، مع احتمالات تمدده، ما لم يتم العمل على مجابهته».
وحول تمدد الإرهاب إلى الحدود المغربية - الأفريقية، وتصدر أفغانستان كبؤرة للإرهاب، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن تبرز منطقة الحدود المشتركة بين المغرب والساحل الأفريقي، كنقطة ساخنة للنشاط الإرهابي في 2019، فضلاً عن أن هناك تحالفات وطيدة بين التنظيمات الإرهابية ومجتمعات الرعاة من الفولاني والبدو الطوارق، وربما يكون المقر الرئيسي لمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمس في موريتانيا التي تكافح الإرهاب هدفاً جذاباً لنشاط التنظيم الأكبر هناك، وهو جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، كما ستظل مالي القاعدة التنظيمية للجماعة وإحدى أهم بؤر نشاطها.و«نصرة الإسلام والمسلمين» جماعة مسلحة تابعة لـ«القاعدة»، تأسست مطلع مارس (آذار) عام 2017، من خلال اندماج حركات «أنصار الدين»، و«كتيبة المرابطين»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«كتائب ماسينا».
أما أفغانستان، فكانت صاحبة العدد الأكبر من العمليات الإرهابية والضحايا في 2018، وهو اتجاه سيتعزز على الأرجح في 2019، خصوصاً أن أفغانستان تشكل حاضنة إرهابية، سواء لحركة «طالبان» الأكثر فتكاً في العامين الماضيين، أو «ولاية خرسان»، التي بلغ متوسط عدد ضحاياها في كل عملية نفذتها خلال عام 2018، نحو 51 ضحية (17 هجوماً أوقع 872 قتيلاً).
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع أن تكون المنافسة بين «داعش» و«القاعدة» متواصلة، فلن يقف أي منهما على شفا الانكسار، وليس من المحتمل أن يقبل أحدهما بشرعية الطرف الآخر في السنوات المقبلة، وهو ما من شأنه أن يبقي الانقسام بينهما.
وأضاف عكاشة أن صراع «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا له ملمح توافقي، مع تقاسم النفوذ الجغرافي، فهو صراع على الاستحواذ، ينطوي على قدر من الهدوء الذي يسمح لهما بالتمدد، ومنافسة بلا اقتتال، وهذا هو الأخطر، لأنه يمنح لهما مساحات للتمدد. وقد برز هذا المؤشر في واقعة الفصيل «الداعشي» الذي خرج من «بوكو حرام»، وتقاسم العمل مع «القاعدة» في نيجيريا، وهو انفصال هادئ، من دون اختناقات، ولم يرصد أي اقتتال، لافتاً إلى أن «هذا التنافس بين (داعش) و(القاعدة) لم يتسبب في ضعف أي من التنظيمين».

تخوم صحراوية

أما عن استمرار «داعش» في العراق، وعودته لسوريا من جديد، فقال العميد عكاشة إن 2019 لن يشهد ملامح انحسار لـ«داعش»، قدر ما هو تغيير في الشكل عبر سيطرته على الأرض، بعد خسائره؛ لكن وفق تكتيكات جديدة، حيث يتوجه إلى المناطق النائية والتخوم الصحراوية، خصوصاً أن المكون العراقي والسوري يساعد التنظيم على ذلك، لأن عناصر «داعش» تعرف هذه المناطق جيداً للتحرك فيها، وسوف يغير تكتيكاته من سيطرة، إلى عمليات إغارة، وعمليات خاطفة سوف تستمر، فضلاً عن أن «داعش» سوف يستمر في لملمة قدراته، فمؤشرات تراجع عملياته ربما تكون خادعة لا تدل على هزيمة للتنظيم، فالتنظيم لديه فترات صعود وهبوط.
دراسة المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أكدت أن «داعش» لا يزال يزعم قيامه بمعظم أنشطته في سوريا والعراق، فمن أصل الهجمات الـ467 التي زعم التنظيم مسؤوليته عنها بجميع أنحاء العالم في سبتمبر (أيلول) 2018، تم تنفيذ 228 من هذه الهجمات في العراق، كما أن ثمة مؤشرات على زيادة نشاط «داعش» حول ديالي وكركوك. أما عن عودة نشاطه في سوريا، فقالت الدراسة إنه من المحتمل أن يعود النشاط الداعشي في شمال وشرق سوريا لعاملين أساسيين: الأول، أنه ما زال هناك 15 ألف مقاتل «داعشي» في سوريا، وفقاً للبنتاغون، والثاني أن الانسحاب الأميركي قد يشتت جهود قوات سوريا الديمقراطية (وهي طليعة قوات مكافحة «داعش» هناك) في معركتين: إحداهما عسكرية ضد تركيا، والأخرى سياسية بالأساس ضد النظام السوري.
وحول وجود «داعش» في إيران، قالت الدراسة إنه من المتوقع أن يشهد عام 2019 مزيداً من الهجمات الإرهابية بإيران، وذلك لعدد من الأسباب، منها أن استهداف إيران بات جزءاً من استراتيجية «داعش» الحالية لاحتضان وتطوير بنيته التحتية المسلحة، فضلاً عن أن توجيه «داعش» ضربات مؤثرة ضد إيران، بالتوازي مع انحسار سيطرته في العراق وسوريا، قد يكون بمثابة تحول دعائي قد يُعزز من موقف «داعش» في مواجهة غريمه «القاعدة».
ويؤكد العميد عكاشة أن التنظيم يبحث عن جبهات جديدة يفتحها تعوضه عن الجبهات القديمة التي خسر فيها الأرض، ويسعى إلى «شحن بطاريات» أعضائه وعناصره، خصوصاً أن التنظيم لم ينفذ داخل إيران أي عمليات إرهابية، وسوف يلعب على نغمة الشيعي والسني في إيران، ويقدم نفسه من جديد، وهو انقلاب على إيران، يتوازى مع حالة الاستنفار العام في المنطقة ضدها.

صراعات مفتوحة

اليمن، ومصر، وليبيا، كانت محاور مهمة خلال الدراسة التي أكدت أن «داعش» و«القاعدة» دخلا في صراع مفتوح باليمن، بعد انتهاء حالة التعايش بينهما منذ يوليو (تموز) الماضي. فخلال الفترة من يوليو حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقع أكثر من مائة قتيل إثر الصراع بينهما، ومن المرجح أن يشهد الصراع حسماً لصالح «القاعدة»، ليهيمن على المشهد مرة أخرى، وينزوي «داعش» هناك. وفي مصر، حالت التكتيكات المتبعة من قبل السلطات في حملتها لمواجهة الإرهاب دون أن تتحول سيناء إلى الوجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب العائدين من سوريا والعراق، إلا أن ذلك لا ينفي أن خطر تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» ما زال قائماً، حيث من المتوقع أن يظل التنظيم نشطاً قادراً على تنفيذ هجمات خلال 2019، مع احتمالات تنفيذه عمليات في الداخل، وبما يتجاوز مناطق نفوذه التقليدية في سيناء. وأوضحت الدراسة أنه مع استمرار حالة الفوضى في ليبيا، سوف تظل الحدود الغربية مع مصر مُعرضة للاختراق، وتسلل بعض العناصر الإرهابية التي قد تتعاون مع بعض «الخلايا النائمة» في صعيد مصر لتنفيذ عمليات في وادي النيل.
وتشن قوات الجيش والشرطة المصرية عملية أمنية كبيرة في شمال ووسط سيناء منذ 9 فبراير (شباط) 2018، لتطهير تلك المنطقة من عناصر متطرفة موالية لـ«داعش»، وتعرف العملية باسم «سيناء 2018».
وعن ليبيا، أشارت الدراسة إلى أن الجنوب الليبي تتقاطر عليه تنظيمات قاعدية و«داعشية» متناحرة، لكن يصعب على «داعش» التوسع، خصوصاً في الجنوب، لاعتبارات قبلية، ونشوء ترابطات قاعدية مع الجريمة المنظمة بالمنطقة، وإن كان ذلك لا ينفي أن تظل ليبيا منصة لوجيستية للإرهاب لإطلاق هجمات تستهدف دول الجوار العربي أو الأفريقي أو أوروبا، خصوصاً مع احتفاظ «داعش» بكيانات من قبيل «لواء الصحراء».
وفيما يتعلق بزيادة لجوء «داعش» إلى التطبيقات التكنولوجية المشفرة مرة أخرى، واتساع استخدام الطائرات المسيرة، قال العميد خالد عكاشة، وهو مدير عام المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذي أعد الدراسة: «هذه بعض الحلول التي يحاول التنظيم من خلالها تطوير إمكانياته، وهي تعكس حيوية التنظيم، وأنه لا يستسلم للهزيمة، ويحاول أن يستحدث أنماطاً وأسلحة جديدة، ولدى صفوفه قدرات للتطوير، وهو يتفوق فيها على (القاعدة)».
وأكدت الدراسة أنه من المتوقع توسع «داعش» في تعزيز ترسانته من الطائرات المسيرة في 2019، لا سيما أن التنظيم بدأ توظيف هذه الطائرات في الهجمات الإرهابية لأول مرة في عام 2016، بقاعدة الطبقة في سوريا، ومن المحتمل أن تحاول جماعات إرهابية تطوير التقنيات والأساليب التي تستخدمها المنظمات العابرة للحدود، وذلك عن طريق شراء هذه التقنيات من شركات غربية متخصصة.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم الاحتياطات الأمنية التي خفضت عدد العمليات الإرهابية وضحاياها في أوروبا (17 قتيلاً في 2018، مقابل 168.81 قتيل في عامي 2017 و2016)، فإنها تواجه مخاطر في 2019، من جهتي ليبيا والنساء العائدات من مناطق الصراع في سوريا والعراق، نظراً لاحتمال توظيفهن في عمليات إرهابية، في الوقت الذي يصعب فيه على الرجال تنفيذها، أو قيامهن بتجنيد آخريات في بلدانهن الأصلية، أو كحلقة وصل لوجيستية مع «إرهابيين» في العراق وسوريا.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».