مدن الجزائر تخرج في مظاهرات رفضاً لترشح بوتفليقة للرئاسة

بينما يعتزم أنصار الرئيس تنظيم مظاهرات مضادة

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع عنابة ضد ترشح بوتفليقة (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع عنابة ضد ترشح بوتفليقة (أ.ف.ب)
TT

مدن الجزائر تخرج في مظاهرات رفضاً لترشح بوتفليقة للرئاسة

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع عنابة ضد ترشح بوتفليقة (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع عنابة ضد ترشح بوتفليقة (أ.ف.ب)

عجزت التعليمات الموجهة لأئمة مساجد الجزائر، التي تخضع لمراقبة شديدة من طرف الحكومة، عن ثني عشرات الآلاف عن الخروج أمس إلى الشوارع بعد صلاة الجمعة، تعبيرا عن رفضهم لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، فيما علمت «الشرق الأوسط»، أن حزب الأغلبية والنقابة المركزية، المواليين للرئيس، يُحضرَان لمظاهرة ضخمة للرد على رافضي التمديد للرئيس.
وأثناء خطبة الجمعة أمس، اجتهد مئات الأئمة الموظفين بوزارة الشؤون الدينية في التحذير من «الفتنة»، ومن «مخاطر التلاعب باستقرار البلاد» و«العصيان المدني»، ومن «التوجه إلى مصير مجهول». لكن دون جدوى.
فبعد نصف ساعة من انتهاء الصلاة، خرج آلاف الأشخاص إلى «ساحة أول ماي» في قلب العاصمة، وحي باب الوادي، الذي عاش الانتفاضة الشعبية الشهيرة عام 1988، أو ما تسميه السلطة «أحداث الربيع الجزائري»، التي مهدت لسقوط نظام الحزب الواحد، وبداية التعددية الحزبية والإعلامية.
وخلال مسيرات أمس، وقعت مشادات وتدافع بين قوات الأمن والمتظاهرين، عندما حاولوا التوجه إلى قصر الرئاسة بحي المرادية الواقع بأعالي العاصمة. وأطلقت قوات مكافحة الشغب قنابل مسيلة للدموع، أغمي على إثرها عدد من المتظاهرين.
ورفع المحتجون، الذين فاق عددهم 10 آلاف بحسب تقدير صحافيين غطوا الحدث، شعارات معادية للرئيس وأفراد عائلته، منها «الشعب لا يريد الرئيس ولا السعيد»، شقيق بوتفليقة وكبير مستشاريه، والذي ينسب له مراقبون سلطات كبيرة استحوذ عليها، حسبهم، منذ أن أصيب الرئيس بالعجز قبل سبع سنوات. كما ندد المتظاهرون في حي باب الوادي بـ«العصابة المحيطة بالرئيس، التي تتحدث باسمه وتتخذه رهينة»، في إشارة إلى مسؤولين حكوميين يروجون لـ«الولاية الخامسة»، ويرددون يوميا في الإعلام بأن الرئيس «حقق للجزائر إنجازات»، وأنه «لا بد أن يكمل المسيرة».
وأكثر المسؤولين الذين استفزوا المتظاهرين، حسبما جاء في الشعارات المرفوعة، رئيس الوزراء أحمد أويحيى، وتصريحاته لفضائية فرنسية بأن «الشعب مبتهج بترشح رئيسه لولاية خامسة، وقد كان يترقب هذا الحدث بشغب».
ولم تقتصر المظاهرات الغاضبة على العاصمة فحسب؛ حيث نظم الآلاف مسيرات حاشدة بكل مدن الشرق، وخاصة قسنطينة (500 كلم شرق العاصمة)؛ حيث قدر ملاحظون عدد المتظاهرين الذي سأروا في هدوء بنحو 20 ألفا. وتقدم المشهد لافتة كبيرة كتب عليها «لا لحكم العصابة».
وفي مدينة الذرعان غير البعيدة عن الحدود التونسية، وقعت ملاسنة حادة بين إمام مسجد وبعض منظمي المسيرة. وقد حدث ذلك عندما اعتلى الإمام المنبر، وحاول إقناع المصلين بعدم الانضمام إلى المظاهرة، بدعوى أنها «تخدم أجندة أجنبية». ومما جاء على لسان الإمام أن «قوى أجنبية تحاول تفجير ربيع عربي جديد في الجزائر، بعدما فشلت في تنفيذ خطتها عام 2011». وعندها صاح شاب في وجهه، وطالبه بـ«التوقف عن تخويفنا»، ما خلف فوضى واضطرابات في المسجد، ولم يتمكن الإمام من أداء خطبته، بعد أن خرج المصلون إيذانا ببدء المسيرة.
وفي غرب البلاد شهدت كل الولايات، بما فيها تلمسان الحدودية مع المغرب، والتي ينحدر منها بوتفليقة، مسيرات حاشدة ضد ترشح الرئيس.
واللافت أن قوات الأمن لم تعترض طريق أي مسيرة، باستثناء تلك التي كانت متجهة إلى قصر الرئاسة، وهو أمر غير مألوف ويوحي بأن السلطات سمحت بالمظاهرات لغرض معين، قد يكون، حسب بعض المراقبين، رسالة إلى الخارج، مفادها أن الجزائر «تعيش لحظة تاريخية ديمقراطية، تختلف فيها الآراء والمواقف حيال انتخابات الرئاسة». ولم يسبق أن واجه بوتفليقة رفضا شعبيا بهذا الحجم والحدة، منذ أن وصل إلى سدَة الحكم قبل 20 عاما.
ومما زاد حدة الغضب الشعبي، مشاهد بثها التلفزيون الحكومي، الليلة ما قبل الماضية، للرئيس وهو يحضر تنصيب رئيس «المجلس الدستوري» العائد إلى هذا المنصب، الطيب بلعيز. حيث ظهر الرئيس وهو يتابع مراسم التنصيب بنظرات تائهة في المجهول، وأمامه رئيس «المحكمة العليا» سليمان بودي، يتلو اليمين، ورددها بعده بلعيز، الذي يعرف بولائه الشديد للرئيس. وقد عبر عن هذا الولاء بعد تأديته اليمين؛ حيث قال إن «أفضال الرئيس علي كبيرة، لأنه ولاني المناصب السامية». وقضى بلعيز 10 سنوات وزيرا للعدل ثم للداخلية، ثم رئيسا «للمجلس الدستوري»، وبعدها وزيرا مستشارا لدى الرئيس.
من جهة أخرى يتوجه معاذ بوشارب، زعيم «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية)، إلى وهران (غرب) اليوم للقاء مناضلي الحزب، الذي يرأسه «شرفيا» بوتفليقة. وذكرت مصادر من الحزب أن بوشارب بحث مع أمين عام النقابة المركزية، عبد المجيد سيدي السعيد تنظيم «مظاهرات مضادة لإبهار العالم».
ويرتقب أن يتم ذلك بعد عودة الرئيس من رحلة علاج جديدة إلى سويسرا، مقررة غدا حسب بيان لرئاسة الجمهورية، الذي قال إن الأمر يتعلق بـ«فحوصات طبية دورية»، دون تحديد مدتها.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.