عُقد روسية ـ تركية أمام «اتفاق أضنة» و«مثلث الشمال» السوري

الأمم المتحدة تقترح ستة أسماء على قائمة «الضامنين» في اللجنة الدستورية

ازالة آثار الدمار في حي صلاح الدين في حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
ازالة آثار الدمار في حي صلاح الدين في حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

عُقد روسية ـ تركية أمام «اتفاق أضنة» و«مثلث الشمال» السوري

ازالة آثار الدمار في حي صلاح الدين في حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
ازالة آثار الدمار في حي صلاح الدين في حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

تكثفت الاتصالات بين موسكو والمبعوث الدولي الجديد غير بيدرسون للاتفاق على تغيير ستة أسماء في قائمة «المجتمع المدني» التي اقترحتها الدول «الضامنة» الثلاث لعملية آستانة - سوتشي (روسيا، وتركيا، وإيران)، وتشكيل اللجنة الدستورية السورية، باعتبار أن هذا هو «الإنجاز» الوحيد للقمة الثلاثية الأخيرة في سوتشي.
وتناولت قمة الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، والإيراني حسن روحاني في المنتجع الروسي الأسبوع الماضي، ثلاثة ملفات: اللجنة الدستورية السورية، والمنطقة الأمنية شمال شرقي سوريا، ومستقبل «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حلب الغربي وحماة الشمال واللاذقية الشرقي. وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط»: إن العُقد لا تزال قائمة في ملفي «المنطقة الأمنية» وإدلب، اللذين تم ترحيلهما إلى ما بعد الانتخابات المحلية التركية في نهاية مارس (آذار) المقبل، مقابل تقدم جزئي في اللجنة الدستورية.

- اللجنة الدستورية
أظهرت موسكو «انفتاحاً» بقبول ترشيح بيدرسون ستة أسماء إلى القائمة الثالثة الروسية - التركية - الإيرانية التي تضم 50 مرشحاً، إلى جانب قائمتي الحكومة والمعارضة التي تضم كلاً منهما خمسين مرشحاً. وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أمس: «يجري حالياً تنسيق أسماء المرشحين في القائمة الثالثة للجنة الدستورية، التي يفترض أن تضم ممثلين عن المجتمع المدني»، مشيراً إلى أن «الأمم المتحدة تصر على استبدال 6 مرشحين سجلت أسماؤهم في القائمة الأصل. نأمل أن تنتهي العملية في أسرع وقت ممكن».
كانت دمشق رفضت قائمة وضعها المبعوث الدولي السابق ستيفان دي ميستورا، وضمت 50 اسماً من ممثلي المجتمع المدني. وتقدمت الدول «الضامنة» في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لائحة بديلة وافقت عليها دمشق، لكن دي ميستورا رفضها قبل ترك منصبه، خصوصاً أنها لم تشمل أسماء اشتغلت على الدستور السوري في السنوات الأخيرة، وهي مختصة به.
وبقيت قائمة «الضامنين» الثلاثة على طاولة المداولات إلى أن بلغ الأمر أن اقترحت موسكو على المبعوث الدولي الجديد تغيير ستة أسماء، الأمر الذي فعله قبل أيام.
وبحسب مسؤولين غربيين ومعارضين سوريين، فإن بيدرسون، الذي سيقدم إحاطة إلى مجلس الأمن خلال أيام ويزور بروكسل خلال ساعات، أبلغ محاوريه بأنه متمسك بثلاثة أمور: تنفيذ المهمة الأممية الموكلة إليه بموجب القرار 2254، وبحث موضوع «الحكم»، وتشكيل لجنة دستورية وأهمية عملها في «بيئة محايدة»؛ الأمر الذي فسره معارضون بأنه يتناول المعتقلين والعمل السياسي والدور الحيادي لأجهزة الأمن والجيش.
وكان الرئيس بشار الأسد قال في كلمة قبل أيام: «الدستور هو مصير البلد، وبالتالي هو غير خاضع لأي مساومات أو مجاملات وأي تهاون فيه قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب نفسها». وأضاف: إن دور الأمم المتحدة محل ترحيب ما دام يحترم سيادة البلاد. ووصف مسؤولي المعارضة الذين تم اختيارهم للجنة الدستورية بأنهم «عملاء» تركيا.
بموجب عملية آستانة ومؤتمر الحوار السوري في بداية العام الماضي، تكفلت موسكو تسليم دي ميستورا مرشحي الحكومة، في حين تولت تركيا تسليم قائمة مرشحي المعارضة إلى دي ميستورا الذي كانت أوكلت إليه مهمة تشكيل «القائمة الثالثة». ولوحظ أن واشنطن بدأت في الفترة الأخيرة تدعم تشكيل اللجنة الدستورية بموافقة دي ميستورا.

- اتفاق أضنة
حضر موضوع الانسحاب الأميركي من شرق سوريا، على طاولة القمة الثلاثية في سوتشي الأسبوع الماضي. كان هناك «ترحيب حذر» من الدول الثلاث، لكن الملف الأهم كان هو بحث «ملء الفراغ»؛ إذ إن الرئيس بوتين اقترح على إردوغان تفعيل «اتفاق أضنة» بين أنقرة ودمشق بعد انسحاب أميركا من سوريا، خياراً بديلاً من عمل تركيا مع أميركا لإقامة «منطقة أمنية».
بحسب المصادر، فإن الرئيس إردوغان رفض تضمين الإشارة إلى «اتفاق أضنة» في بيان سوتشي الأخير، حيث جرى الاكتفاء بترحيب كل من الرئيسين بوتين وإردوغان في شكل انفرادي بتنفيذ الاتفاق.
ويسمح «اتفاق أضنة» الذي يعود إلى عام 1998 بقيام الجيش التركي بملاحقة «حزب العمال الكردستاني» بعمق خمسة كيلومترات شمال سوريا، وتشغيل خط ساخن بين أجهزة الأمن، وتعيين ضباط أمن في سفارتي البلدين.
وقالت المصادر: إن هناك نقطتي خلاف حول «اتفاق أضنة»: عمق التوغل التركي وطبيعة التنسيق بين أنقرة ودمشق. تريد تركيا أن يكون عمق التوغل يوازي المعروض عليها أميركياً، أي 28 - 32 كيلومتراً شمال سوريا وليس خمسة كيلومترات كما تقترح موسكو. في المقابل، تصر روسيا على قيام علاقات سياسية بين أنقرة ودمشق، في حين يرفض الجانب التركي «التطبيع السياسي» مع دمشق قبل الحل السياسي، لكنه يوافق على «تعاون أمني» بين الأجهزة المختصة.
ولا تزال أنقرة تترك خيار «المنطقة الأمنية» قائماً في محادثاتها مع واشنطن، حيث وصل إلى العاصمة الأميركية وفد عسكري تركي لإجراء مزيد من المحادثات لحل العقد القائمة: مصير «وحدات حماية الشعب» الكردية، عمق التوغل التركي، حماية هذه المنطقة، الانتشار على الحدود.

- «مثلث الشمال»
لم يحصل الرئيس بوتين على ما أراد من قمة سوتشي لجهة إعطاء شرعية لقيام قوات الحكومة السورية بـ«قضم» مناطق في شمال غربي سوريا. وبحسب المصادر، فإن الوفد التركي رفض الإشارة المباشرة في البيان الختامي إلى «هيئة تحرير الشام»، إضافة إلى رفضه الحديث في شكل واضح حول القيام بدوريات مشتركة في الشمال.
لكن الضغط السياسي الروسي مستمر على أنقرة؛ إذ إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في ميونيخ قبل أيام: إن قمة سوتشي أقرت مبدأ «الخطوة خطوة» لمعالجة ملف الشمال، وإنه لا بد من «القضاء على بؤر الإرهاب». كما أكد بوغدانوف أمس «حتمية العملية العسكرية ضد الإرهابيين في إدلب وإنهاء سيطرتهم على المنطقة». وزاد: «إنه أمر لا مفر منه؛ لأن أولئك الذين لا يتخلون عن الإرهاب، ينبغي بالطبع القضاء عليهم».
ومن المقرر أن يجتمع مسؤولون عسكريون وأمنيون وأتراك للاتفاق على خطوات محددة، بينها موضوع الدوريات المشتركة. أنقرة ترفض ذلك، لكنها موافقة على «دوريات متوازية» بحيث تسير الدوريات الروسية في جانب مناطق الحكومة، في حين تنتشر دوريات الجيش التركي في مناطق المعارضة. ولوحظ قبل يومين أن الجيش التركي اتخذ إجراءات في نقطة مراقبة تابعة له في شمال حماة، بينها إنارة القاعدة، في إشارة إلى بقائها.
وتواصل قوات الحكومة شن غارات على مناطق عدة في شمال غربي سوريا، خصوصاً على خان شيخون ومعرة النعمان، وسط أنباء عن ضغط من دمشق للسيطرة على الطريق الرئيسي بين حماة وحلب الذي يمر بخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، إضافة إلى توقعات لـ«قضم» في مناطق بين جسر الشغور واللاذقية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.