اجلاء المدنيين يعجل انهاء «داعش» شرق الفرات

«الشرق الأوسط» تسجل الدمار في شوارع قرية الباغوز

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» على أطراف الباغوز شرق الفرات (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» على أطراف الباغوز شرق الفرات (الشرق الأوسط)
TT

اجلاء المدنيين يعجل انهاء «داعش» شرق الفرات

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» على أطراف الباغوز شرق الفرات (الشرق الأوسط)
مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» على أطراف الباغوز شرق الفرات (الشرق الأوسط)

استأنفت طائرات التحالف الدولي تحليقها في سماء قرية الباغوز الواقعة شمال شرقي سوريا، وقصفت ليل الأربعاء - الخميس الماضي مجدداً مواقع يتحصن بها مقاتلو تنظيم داعش في آخر جيب يسيطرون عليه.
ومنذ أسبوع كانت «قوات سوريا الديمقراطية» أوقفت عملياتها العسكرية ضد التنظيم تفادياً لسقوط ضحايا، وتتهم عناصره باستخدام المدنيين دروعا بشرية بما فيها أسر المقاتلين أنفسهم، لكنها شنت هجوماً ليلة أمس واستهدفت نقاطا عسكرية بالجهة الشرقية من القرية، وأرسلت عشرات الشاحنات الكبيرة لإجلاء من بقي من المدنيين الراغبين في الخروج.
وقال عدنان عفريني المسؤول العسكري في «قوات سوريا الديمقراطية»: «منذ أسبوع وللمرة الأولى يخرج عشرات المدنيين العالقين من بينهم بعض المقاتلين سلموا أنفسهم للقوات»، وشوهد وصول 45 سيارة نقل كبيرة إلى أطراف قرية الباغوز ليلة أمس، وأكد عفريني: «قمنا بإدخال شاحنات نقل كبيرة إلى الباغوز لإخراج من تبقى هناك ونقلهم لنقطة آمنة خاصة بتجمع الفارين، وبعد التأكد من هوياتهم وتفتيشهم بشكل دقيق سنقوم بنقلهم إلى مخيم الهول شمالاً». وتعمد «قوات سوريا الديمقراطية» إلى توقيف الرجال الذين يشتبه بانتمائهم إلى التنظيم لدى فرارهم من الباغوز، وتفصلهم عن النساء والأطفال الذين ينقلون إلى مخيمات للنازحين في شمال شرقي البلاد. وأشار عفريني إلى خروج مقاتلين أجانب مع دفعة الهاربين سلموا أنفسهم ليلة أمس دون تحديد عددهم أو جنسياتهم.
فيما سحبت قوات التحالف الدولي قاعدة راجمة الصواريخ التي كانت تصوب قاذفاتها نحو الباغوز من عرض الصحراء تقع بالقرب من حقل التنك النفطي، أما قاعدة المدفعية الفرنسية في الجانب العراقي لم يعد يسمع صوتها، في إشارة إلى قرب انتهاء العمليات القتالية وتفاديا لعدم سقوط المدنيين.
داخل الباغوز وأثناء التجول بين شوارعها وأزقتها تبدو مظاهر الدمار وحدها شاهدة على حدة المعارك العنيفة، بهدف السيطرة على أبنية استراتيجية أو مواقع هامة. حيث يمكن رؤية بعض المنازل التي أصبحت أثراً بعد عين ولم يتبق منها سوى الأطلال، أما التي نجت من القصف فلم تسلم أبوابها ونوافذها جراء ضغط الانفجارات بالمناطق المحيطة بها، فيما تركت قاذفات الصواريخ وهاون المدفعية حفراً كبيرة اخترقت عمق الأرض، ودمرت جسوراً وطرقا رئيسية تحيط بها أبنية مدمرة وهياكل سيارات وشاحنات متفحمة.
في نقطة عسكرية لا تبعد سوى أمتار قليلة من الخط الأمامي للجبهة، يتجمع العشرات من مقاتلي «قوات سوريا الديمقراطية»، ينتظرون إشارة من قائد المجموعة لإعلان الهجوم الأخير والقضاء على تنظيم داعش شرق نهر الفرات، ولدى حديثه نقل أبو زهرة وهو مقاتل عربي من مدينة منبج، أنّ المعركة الأخيرة والحاسمة استقطبت أبناء المناطق المتضررة من التنظيم المتشدّد طوال السنوات الماضية، وقال: «يتحدرون من الرقة وحلب والحسكة. الجميع يقاتل تحت راية واحدة، كما يتلقون الأوامر من قيادة واحدة، والهدف القضاء عسكرياً بشكل نهائي على (داعش)».
ودفعت الهجمات العسكرية الأخيرة فرار نحو 40 ألفاً من المنطقة الخاضعة لسيطرة التنظيم، بحسب قياديين من «قوات سوريا الديمقراطية»، ويرجعون تأخر حسم المعركة بانتظار إيجاد حل للمدنيين العالقين، إلا أن حركة الخروج توقفت خلال الأيّام القليلة الماضية.
وباتت الباغوز خالية من سكانها، حيث كان يسكنها قبل بدء المعركة بشهر سبتمبر (أيلول) العام الماضي، أكثر من 50 ألفا بحسب شهادات مدنيين فروا منها خلال الأيّام الماضية. وفي الأحياء الواقعة في أطراف البلدة انهار سقف كثير من المنازل أو خلعت أبوابها والشبابيك من شدة الانفجارات، أما المتاجر والمحال التجارية فقد تعرضت للدمار والبعض منها سوّي بالأرض، ولم يتبق منها سوى الأطلال. لكن المشهد يبدو صادماً أكثر في مركز البلدة، وتحديداً في ساحتها حيث جرت معركة محتدمة جداً للسيطرة على أبنية استراتيجية لطرد عناصر «داعش» من آخر جيب يسيطرون عليه شرق الفرات، وبات من الصعب التفريق بين منزل ومتجر، بعد أن تحول معظمها إلى جبال من الأنقاض، وتناثرت أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء ولم تعد صالحة لتشغيلها مرة ثانية.
وقالت سيدة تدعى وداد تبلغ من العمر (42) سنة تتحدر من مدينة الموصل العراقية، وقد تمكنت من الخروج مع دفعة جديدة قبل يومين، من القرية المحاصرة من جهاتها الأربعة، إن «النساء والرجال يقاتلون بشراسة. معظم هؤلاء انتحاريون يلبسون أحزمة ناسفة. شاهدت الكثير من الحالات كانت ترغب في الخروج قتلت أمام الجميع دون رحمة»، وكانت تنتظر في نقطة آمنة الانتهاء من عمليات التفتيش المعقدة قبل ترحيلها إلى مخيم الهول شمالاً.
وأوضح مصطفى بالي، مسؤول المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، إنّ الفارين يتحدثون عن وجود المئات من المدنيين محاصرين هناك، الأمر الذي دفعهم إلى إيقاف العمليات القتالية وقصف الطيران الحربي التابع للتحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش منذ أيّام، وقال: «سيؤثر هذا بشكل مباشر على سير المعركة وحسمها. قواتنا ملتزمة أخلاقياً بعزل المدنيين عن الاشتباكات، وتتعاطى بحذر مع هذه المعركة، ونعلم أن (داعش) يحتمي بهؤلاء المدنيين ويتخذهم دروعاً بشرياً»، وبلغ عدد الفارين منذ بداية المعركة نحو 40 ألفاً، بحسب بالي.
وبدت آثار الدمار وحدها طاغية على مركز القرية التي أصبحت مكسوة بالحطام، حيث دارت معارك عنيفة بين الطرفين، إلا أنّ الجرافات شقّت طريقها وسط تلك الأزقة، في حين لا توجد أي علامات لوجود مدنيين أو حياة داخل الباغوز. وكان بعض المقاتلين العسكريين من «قوات سوريا الديمقراطية»، يتجولون متناوبين على حراستها، أما الأصوات الوحيدة التي كانت تُسمَع فهي هدير الطيران الحربي التابع للتحالف الدولي، وأصوات انفجار العبوات التي تفككها فرق إزالة الألغام.
إلى ذلك، غادرت نحو 15 شاحنة تقل رجالاً ونساءً وأطفالاً، أمس (الأربعاء)، البقعة الأخيرة لـ«داعش»، في خطوة توحي بأن حسم قوات سوريا الديمقراطية للمعركة ضد المتطرفين المحاصرين باتت وشيكاً.
وعند أحد مواقع قوات سوريا الديمقراطية قرب بلدة الباغوز، حيث بات التنظيم محاصَراً في مساحة تقدّر بنصف كيلومتر مربع، أُحصي خروج نحو 15 شاحنة تقلّ عشرات الرجال من البلدة بمواكبة من قوات سوريا الديمقراطية.
وشوهد رجال في الشاحنات كان بعضهم يخفي وجهه، بالإضافة إلى نساء وأطفال بينهم فتيات صغار محجبات.
وقال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي: «لدينا وحدات خاصة لإجلاء المدنيين، وبعد أيام عدة من المحاولة، استطعنا إخراج أول دفعة اليوم (أمس) بنجاح».
ولم يتضح عدد الذين خرجوا، أمس، وما إذا كان بينهم مقاتلون من التنظيم. وأوضح بالي: «لا نعرف ما إذا كان بينهم دواعش، سنعرف ذلك في نقطة التفتيش»، مؤكداً في الوقت ذاته استمرار وجود مدنيين في الداخل قائلاً: «نستطيع رؤيتهم بالعين المجردة».
وتنقل قوات سوريا الديمقراطية الخارجين إلى نقطة فرز قرب الباغوز، يتم فيها جمع معلومات شخصية والتدقيق في هويات الواصلين، قبل أن يُنقل المشتبه بانتمائهم للتنظيم إلى مراكز تحقيق، بينما تقل شاحنات النساء والأطفال من عائلاتهم إلى مخيمات في شمال البلاد.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.