ترمب و«أوروبا القديمة» ... أين تقف النمسا؟

ينظر البعض في الاتحاد الأوروبي للميثاق الذي يدعمه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على أنه مسودة مضادة لأوروبا «القديمة»، وهو تعبير اشتقه وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد، ليصف به دولتي ألمانيا وفرنسا اللتين اتخذتا موقفاً منتقداً للغزو الأميركي للعراق. وتؤكد دعوة الرئيس الأميركي للمستشار الشاب في فيينا على أن النمسا قد اكتسبت حضوراً دولياً في ظل قيادة المستشار النمساوي سيباستيان كورتز، الذي بدأ زيارة لواشنطن. كما أن هذه الدعوة، كما جاء في تحقيق لوكالة الأنباء الألمانية، تشير إلى أن ترمب يرفع من شأن دول تجسد من وجهة نظره «نموذجاً مضاداً للمحور الألماني - الفرنسي الذي ظل هو السائد حتى الآن»، حسب المستشار السياسي النمساوي، توماس هوفر، الذي يرى أن كورتز أدرك تحديات القارة كما يفهمها ترمب، خصوصاً في ضوء قضية الهجرة.
حسب عالم ترمب السياسي، فإن القرب من الشعبويين، حيث إن الحزب التحرري النمساوي شريك في الائتلاف الحكومي، لا يضر. وفي هذا السياق، قال السفير الأميركي لدى النمسا، ريتشارد غرينيل، في صيف عام 2018 مشيرا للمستشار النمساوي البالغ من العمر 32 عاما: «أعتقد أن سيباستيان كورتز نجم روك».
يميل ترمب لأولئك الذين يفككون كل ما هو متماسك، فهو على سبيل المثال كثير الثناء على الحكومة البولندية التي تتعرض للشجب من قبل بروكسل بسبب عوارها الديمقراطي، كما أنه يشيد أيضاً بالرئيس المجري فيكتور أوربان الذي يتبنى موقفاً ناقداً للاتحاد الأوروبي. وفي بريطانيا يتعاطف ترمب بشكل أو بآخر صراحة مع الذين يؤيدون خروجاً غير منظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لأن الصفقة التي تم التوصل إليها بين بريطانيا والاتحاد «رائعة للاتحاد»؛ ذلك التكتل الذي يروق لترمب تشبيهه بالصين. كان نايجل فاراج، أحد الآباء الروحيين للخروج، أول سياسي غير أميركي يتحدث معه ترمب عقب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
يندرج كورتز بخطاباته المعادية للهجرة، ضمن القادة الأوروبيين المعجب بهم ترمب، حتى وإن كان كورتز من القادة المعتدلين داخل الاتحاد الأوروبي، وكانت بلاده من الشركاء الذين لا يزالون موضع ثقة داخل الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية على الصعيد السياسي. والنمسا، مثل بولندا والمجر، إحدى الدول الأعضاء في «مبادرة البحار الثلاثة»، وهو اتحاد للدول الأحدث عضوية بالاتحاد الأوروبي في المنطقة القريبة من بحر البلطيق وبحر الشمال والبحر الأدرياتيكي.
يمكن لجزء من الأعضاء أن يستفيدوا كثيراً من ربط سياسة الطاقة والسياسة الأمنية التي ينتهجها ترمب، مما يجعلهم في منافسة من نوع ما مع الدول الكبيرة بالاتحاد الأوروبي.
من جانبه، وصف كورتز الرئيس الأميركي قبل زيارته للبيت الأبيض بأنه «يتبنى سياسة خارجية نشطة وناجحة جداً»، وقال في تصريح لصحيفة «دي بريسه أم زونتاغ» النمساوية إنه ينظر بشكل إيجابي جداً لجهود ترمب من أجل إيجاد حل سلمي في شبه الجزيرة الكورية.
يلتقي كورتز برئيس دولة يقاسمه بعض القناعات السياسية، ولكن أسلوبه يختلف بشكل واضح عن أسلوبه «فبينما ترمب عدواني وشرير ومهين، فإن كورتز رزين وموضوعي»، حسبما يرى هوفر. ويرفض كل من ترمب وكورتز الهجرة غير الشرعية. كان للمستشار النمساوي دور بارز في إغلاق طريق الهجرة عبر دول البلقان، ويتبنى سياسة مقيدة لحركة اللاجئين في البحر المتوسط.
يعارض ترمب هجرة مواطني أميركا اللاتينية للولايات المتحدة، رافضاً بشدة آراء كثير من الخبراء، بل والإحصاءات المجردة بهذا الشأن. وهناك قاسم مشترك آخر يجمع ترمب وكورتز، وهو القرب من إسرائيل «حيث ينظر للمستشار على أنه وجه جديد وصديق لا بد منه لإسرائيل» حسبما يتردد في دوائر حكومية بالنمسا.
يذكر أن قرار الرئيس الأميركي أحادي الجانب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأميركية للقدس، كان قراراً واضحاً وفي الوقت نفسه مثيراً للجدل في الصراع بالشرق الأوسط. وقالت مصادر مطلعة في الحكومة النمساوية إن اللقاء الثنائي المقرر بين ترمب وكورتز في البيت الأبيض سيستغرق نحو 20 دقيقة، وسيعقبه لقاء موسع بممثلين آخرين عن الحكومتين، سيركز على قضايا تجارية، وهي قضايا مفخخة بالفعل، حيث إن لدى النمسا مصالح اقتصادية في تطوير خط «نورد ستريم2» الألماني - الروسي لنقل الغاز الروسي - الأوروبي عبر بحر البلطيق، وذلك من خلال شركة «OMV» النمساوية للطاقة. ولكن ترمب يريد الحيلولة بأي شكل دون إتمام المشروع، وذلك لإضعاف روسيا اقتصادياً.
أما فيما يتعلق بالتجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن أوروبا لم تجد غير كورتز، الذي ينظر إليه في كثير من الأحيان على أنه متمرد، ليخفف من وطأة النزاع مع أميركا، حيث أكد كورتز قبيل لقائه ترمب أن المساهمة في ألا تزداد ديناميكية الحرب التجارية بين الجانبين، أحد الأهداف الرئيسية لرحلته.