الملف يتناول التصعيد في الحرب بين البلدين وخوف بريطانيا من أن تفلت الأمور ويؤثر ذلك على إمدادات البترول، ولهذا فقد عقد لقاء بين الولايات المتحدة وبريطانيا لمناقشة الموضوع، خصوصا عدم وجود استعدادات بريطانية أميركية أو خطة للتدخل. وطالبت بريطانيا بسرية كاملة حول نقاشاتهما، وقال وزير الخارجية البريطاني إنه إذا جرى أي تسريب في أميركا حول المباحثات فإن بريطانيا ستنفي ذلك جملة وتفصيلا.
كما يتناول الملف لقاء الوفد البريطاني مع الملك حسين ومسؤولين سياسيين أردنيين وعسكريين، وغضب الملك من الموقف الأميركي الذي يتهمه بأنه تابع للسياسية الإسرائيلية ويفتقد خطة شرق أوسطية بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي ووضع القوات الأجنبية في لبنان، كما يعتقد الملك أن أميركا «هندست» الثورة الإيرانية من خلال عناصر إيرانية كانت قريبة من الحزب الديمقراطي. وتقول ملاحظات الوفد البريطاني نقلا عن الملك حسين إن نائب الرئيس السوري رفعت الأسد «يغازل» باستمرار الأميركان والإسرائيليين، وإن القضية الفلسطينية لا تعنيه أبدا، وإن الرئيس السوري ونائبه اكتسبا الأموال الطائلة من خلال وجودهم في لبنان. كما يعترف الملك «بسذاجته» عندما دعم التدخل السوري في لبنان. ويبين اللقاء أن الملك يعتقد أنه لا يوجد بديل لرفعت الأسد كخليفة حافظ الأسد، وأن «اللجنة العليا للطائفة العلوية قد باركت هذه الخلافة».
وفي النقاش حول الوضع في الخليج قال الملك إنه عرض إرسال قوات أردنية إذا دعت الحاجة لدعم دول الخليج، ويمكن فقط القيام بذلك إذا كانت هذه الدول استراتيجية تتعامل مع هذا النوع من التهديد والتخريب الداخلي.
* الملك حسين: الولايات المتحدة تفتقد إلى خطة سياسية شرق أوسطية
كما أظهرت وثائق العام الماضي ما كان يهم بريطانيا، وهو عدم خروج أي من الطرفين منتصرا، لا غالبا ولا مغلوبا. لكن التصعيد في الحرب قد يعني فوضى كاملة في المنطقة ويفقد القوى الغربية السيطرة على الوضع، مما قد يؤدي إلى تأثر إمدادات البترول. وهذا ما عبر عنه جون كول السكرتير الخاص لمارغريت ثاتشر في مارس (آذار) 1984 في رسالة لرئيسة الوزراء، محذرا من أن توقف إمدادات البترول بسبب الحرب بين البلدين قد يقحم الولايات المتحدة وبريطانيا في التدخل عسكريا في الحرب وبشكل مباشر دون أن يكون أي من الطرفين قد فكر بها أو حضر لها. وفي نهاية العام عقد لقاء بين الطرفين حول «قواعد الاشتباك» للتحضير لمثل هذا السيناريو، وكتب وزير الخارجية جفري هاو إلى نظيره الأميركي أليكساندر هيغ أن المباحثات يجب أن تبقى قيد السرية بين الطرفين وأن «لا يكون هناك أي تعليقات حول الموضوع من أي جانب».
وبعثت بريطانيا بوفد من العسكريين والسياسيين إلى المنطقة للقاء المسؤولين فيها، في العراق والأردن وسوريا. ويتضمن الملف لقاءات مع الملك حسين في عمان ومن ثم اجتماعهم مع صدام وكذلك وزير خارجيته طارق عزيز في بغداد ورفعت الأسد نائب وشقيق الرئيس السوري حافظ الأسد.
وكتب جوليان آمري وزير الدولة للعلاقات الخارجية رسالة إلى رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر يقيم فيها لقاءاته مع المسؤولين العرب في الشرق الأوسط، يقول بعد المقدمة التي تتضمن تعليقات خفيفة حول بعض القضايا الشخصية: «التقيت مع الملك حسين وولي العهد الأمير حسن في بيت للضيافة، لكن لا أعرف أيهم كان المضيف.. على الرغم من الإشاعات حول صحته، بدا الملك حسين في أحسن حال. وعندما رأيته في المناسبة الثانية كان يستعد لبعض التمرينات على طائرته المروحية قبل التوجه على متنها إلى العقبة للاحتفال بعيد ميلاد زوجته الملكة نور».
* الملك لا يريد إضاعة الوقت مع شولتز
* أولا: الملك مصاب بخيبة أمل من الولايات المتحدة الأميركية. يحترم ريغان، لكنه لا يريد إضاعة الوقت مع شولتز (جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي) ويتخذ نفس الموقف اتجاه مكفارلن (روبرت مكفارلن مستشار الأمن القومي في إدارة ريغان) ووزير الدفاع كاسبر وينبيرغر. حاولت أن أطمئنه بأن الأمور ستتغيير بعد الانتخابات، لكنه قال إنه يشك بذلك.. وكان يأمل كذلك أن يفوز شيمعون بيريس بالانتخابات في إسرائيل، لأن ذلك قد يخلق أجواء للمفاوضات، لكنه مقتنع بأن الفرص ضئيلة جدا لمفاوضات جدية مع إسرائيل في المستقبل القريب.. علاقاته مع ياسر عرفات والسعودية في حالة انحسار، وسوريا تتخذ موقفا عدائيا، وأصدقاؤه الوحيدون العراق ومصر.
ثانيا: الملك واثق بأن العراق لن يهزم في الحرب مع إيران، وأن خطورة المشكلة بالنسبة لنا جميعا هي الوضع الداخلي الإيراني إذا خسر الخميني الحرب مع العراق. ويعتقد أنه يجب على الغرب أن يكون لديه خطة طارئة إذا حلت الفوضى في إيران، فعلينا أن نكون جاهزين للتدخل قبل الاتحاد السوفياتي، ويعتقد أن رهاننا يجب أن يكون على الجنرال أزهري (غلام رضا أزهري الذي عين رئيس للوزراء في آخر حكومة قبل سقوط الشاه) الموجود حاليا في لندن.
* صدام ورفعت الأسد لم يبديا اهتماما بالقضية الفلسطينية
* لقائي مع الرئيس العراقي صدام حسين ووزير خارجيته طارق عزيز جاء بعد الدعوة التي وجهت إلي بطلب من الملك حسين.
العراقيون واثقون من قدراتهم في الدفاع عن بلدهم، لكنهم يطمحون إلى حل سلمي خلال شهور وإلا سيكون هناك «مفاجآت غير محمودة». الرئيس العراقي لم يوضح هذه النقطة، لكن من الواضح أنه يريد إحلال السلام الآن قبل أن تنقلب انتصاراته العسكرية لأسباب غير مرئية وتطورات سياسية أخرى في الشرق الأوسط. الرئيس ووزير خارجيته انتقدا الأوروبيين، خصوصا مبادرة رئيس وزراء إيطاليا أندريوتي، وزيارة المستشار الألماني لإيران، وقرارنا لبيع طائرات مروحية لإيران.
ويقول العراقيون إن الغرب غير قادر على الإطاحة بنظام الخميني من خلال التكتيكات والمؤامرات، ويطالبوننا بأن نضغط على إيران من خلال الوسائل الاقتصادية المشروطة المتاحة لدينا من أجل تشجيع معسكر الحمائم الذي يفضل السلام ضد معسكر الصقور، الذي يريد الاستمرار بالحرب.
هناك اختلاف واضح، قد يكون له دلالات مهمة، بين موقف طارق عزيز المتخوف وموقف الرئيس صدام المتزن اتجاه السوفيات.. لكن، وبسبب ميل البعثيين لتشكيل اللجان، قد جرى عقد اجتماع بعد لقائي مع طارق عزيز، وقدمت النصيحة للرئيس أن يعدل الموقف اتجاه الاتحاد السوفياتي.
هناك نقطتان يجب أن أشير إليهما، لاعتقادي بأهميتهما.
الملك حسين تكلم بحرارة تجاه الرئيس صدام حسين، إلا أن الأخير لم يرد الجميل، على الرغم من أنه كانت هناك مناسبة للتعبير عن ذلك، خصوصا أنني نقلت إليه سلامات خاصة من الملك، وأفصحت له عن مدى دعمه للعراق في حربه مع إيران. الرئيس العراقي، مثله مثل نائب الرئيس السوري، لم يظهر أي حماس للمشكلة الفلسطينية. الملك حسين ما زال مهتما بالقضية الفلسطينية، لكن حتى في عمان نحي الموضوع جانبا في الوقت الحالي. معلومات وزارة الخارجية حول العراق لا تختلف كثيرا عن التقييم العام الذي لمسته في زيارتي، لكن زيارتي إلى النجف أثارت لدي بعض الفضول. حاكم المنطقة أبدى قلقا حول ما يمكن أن يعمله من أجل يبقى الشيعة تحت السيطرة.
* رفعت الأسد «يغازل» الأميركان والإسرائيليين
* في 15 أغسطس (آب) عقد الوزير جوليان آمري لقاء مع الملك حسين في عمان بحضور اللواء زيد بن شاكر من الجانب الأردني والكولونيل نيل مكلين من الجانب البريطاني. أرسل محضر الجلسة في رسالة إلى رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر.
وتقول الرسالة إنه عندما ذكر الوزير آمري لقاءه مع نائب الرئيس السوري رفعت الأسد، علق الملك قائلا إن «رفعت قريب جدا من شقيقه الرئيس، لكنه واجه مشكلات مع الجيش عندما كان شقيقه مريضا، أرسله بعد ذلك إلى جنيف وقام الرئيس بترتيب أمور الجيش الداخلية». ويضيف آمري أن الملك يعتقد أنه لا يوجد بديل لرفعت ليخلف حافظ الأسد، وأن «اللجنة العليا للطائفة العلوية قد باركت هذه الخلافة».
وبخصوص العلاقة مع لبنان والإسرائيليين، قال الملك إنه «لفترة طويلة ورفعت يلعب من الأميركان والإسرائيليين». لكن الملك اعترف أنه «دعم بسذاجة التدخل السوري في لبنان، وأن الرئيس وشقيقه «اكتسب كل منهما الأموال الطائلة جراء هذا التدخل». وكان الملك حسين على دراية تامة بالعداء الذي يكنه له رفعت الأسد. وقال إنه تحدث معه على التليفون بعد أن أرسل رفعت رجل أعمال وسيطا لتحسين العلاقات بينهما، لكن لم تتغير الأمور بينهما.
رفعت الأسد قال لآمري إن «عرفات مجرد بالون يمكن نفخه وتنفيسه في أي وقت تقرره سوريا»، وقال الملك حسين إن للسوريين تأثيرا على عرفات أكبر مما كان معروفا. بعد ذلك انتقل النقاش إلى الموقف الأميركي ومبادرة الرئيس ريغان حول الضفة الغربية. وقال الملك إن الأميركان أبطلوا خطتهم بأنفسهم، لأنهم لم يضغطوا على الإسرائيليين للسماح لبعض وجهاء الضفة الغربية المعتدلين لحضور اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، ولو حضر هؤلاء لكان هناك أغلبية للمعتدلين في المجلس من أجل تمرير المبادرة، كما أنهم لم يضعوا الضغط الكافي على السعودية حتى تضغط هي الأخرى على عرفات من أجل دعم خطة ريغان، «في الواقع عملت السعودية عكس ذلك، فقد شجعته أن لا يقبل الخطة».
وقال الملك: «هذا الهدوء البادي على السطح يكمن تحته غليان وتعصب ديني، قد ينفجر في أي لحظة».
بعد ذلك اتهم الملك الولايات المتحدة بأنها تفتقد سياسة واضحة في الشرق الأوسط، وأنهم فقط يتبعون ما تقوله لهم إسرائيل، التي أصبحت إحدى الولايات الأميركية. إنه يحترم الرئيس ريغان لكنه يمقت الكونغرس الذي عطل صفقة الصواريخ والأسلحة الأخرى للأردن. وكان الملك قد وجه انتقادات للولايات المتحدة لم تكن مقبولة من قبل دول أخرى. كل ما قاله الملك حسين هو أنه «سيحاول الحصول على ما يريد من أسلحة من السوق المفتوحة، وإذا دعت الضرورة فسوف يحصل على ذلك من روسيا». كما أن الملك اعتبر السياسة الأميركية فاشلة تماما في لبنان، وحذرهم إذا أرادوا التدخل في لبنان فعليهم أن يطردوا جميع القوات الدخيلة، بما في ذلك الإسرائيليون والسوريون.
وقال الملك إن إيران من دون أي شك أثارت حفيظة العراقيين بحملاتها الدعائية المعادية وكذلك الغارات المتتالية.
وفي رأي الملك حسين فإنه في البداية قدم السعوديون دعما كبيرا للعراق عندما كان العراق مهددا من قبل إيران، لكن بعد ذلك قل حماسهم، مثل دعمهم للأردن. وقال إنه اكتشف أن السعودية أجرت اتصالات مع إيران. وذهب الملك حسين إلى جدة لبحث الموضوع. ويعتقد الملك أن على العرب الالتفاف حول العراق في حربه مع إيران.. «الحرب ضد إيران تمثل فرصة كبيرة للترويج للوحدة العربية». في اللقاء طرح الوزير آمري سؤالا حول إمكانية فشل إيران في هزيمة العراق، وهل يعني هذا في النهاية سقوط النظام في طهران، وإذا حدث ذلك فإلى أين ستنتهي الأمور، مضيفا أن الاتحاد السوفياتي يشترك مع إيران بحدود طويلة، كما أنه سيستغل الوضع الداخلي الإيراني من خلال وجوده في أفغانستان. وقال الملك إن هذا هو الخطر الحقيقي، وطلب من آمري أن يناقش هذا السيناريو مع الرئيس العراقي عندما يلتقيه في بغداد قريبا. ويعتقد الملك إن النظام الإيراني في وضع لا يحسد عليه، وإن خطر التطرف الديني أصبح حقيقة ولا يحتمل. وبدأ الناس يتحسرون على «أيام الشاه الحلوة». وقال الملك إن إيران تحتاج إلى ملكية، لأنها حكمت دائما من خلال النظام الملكي. لكن الملك أبدى مخاوفه من الشاه الابن، الذي يوده. وقال إنه يخشى أن يكون قد كون بعض الأفكار القديمة التي أخذها من الملك الحسن الثاني. عليكم أن تشجعوه لزيارة الأردن حتى يرى بنفسه كيف ندير الأمور، وعليه أيضا أن يلبي دعوة الملك خوان كارلوس في إسبانيا. ويعتقد الملك الجنرال أزهري في وضع جيد، لأنه بقي بعيدا عن الإيرانيين الآخرين ممن يعيشون في المنفى، وأنه ما زال يتمتع بعلاقات طيبة داخل القوات المسلحة الإيرانية. على الغرب أن يكون لديه خطة جاهزة في حالة تدهورت الأوضاع دخل إيران.
* الملك حسين يعتقد أن أميركا «هندست» الثورة الإيرانية..
* وقال آمري إن الأوضاع الحالية في إيران جعلت الملك يعيد التفكير بما حصل في الثورة الإيرانية، مضيفا أن عناصر في الولايات المتحدة هي التي «هندستها»، بعد أن توصلوا إلى نتيجة إلى أن إيجاد نظام ديني متطرف قد يقف عائقا أمام التمدد السوفياتي أكثر من نظام الشاه. وقال إن الخميني كان محاطا بعناصر عملت في الولايات المتحدة وكانت قريبة من الحزب الديمقراطي.
وفي النقاش الذي دار مع الملك حول الوضع في الخليج قال إنه عرض إرسال كتيبة، أو حتى لواء، إذا دعت الحاجة لدعم المجلس الخليجي، ويمكن فقط القيام بذلك إذا كان لدى هذه الدول استراتيجية تتعامل مع هذا النوع من التهديد والتخريب الداخلي. «الآن لا يوجد لديهم خطة»، قال الملك، ولا يعتقد أنهم سيضعون خطة لمثل هذه الأوضاع، ولهذا لا يمكن للأردن التدخل في الدقيقة الأخيرة. وقال إن الأردن شكل وفدا عسكريا سيغادر قريبا إلى منطقة الخليج لمناقشة الموضوع. وقال الملك إن السعودية تعتقد أنها في وضع مختلف.
ويعتقد الملك حسين أن التطرف الديني في إيران سيشجع التمرد بين المسلمين في الاتحاد السوفياتي، الذين سيشكلون قوة كبرى في الجيش الأحمر مستقبلا.
وقال الملك إنه عمل جهده من أجل التقريب بين العراق ومصر، والآن أصبحت علاقتهما جيدة، مضيفا أن علاقته الشخصية مع الرئيس صدام حسين ممتازة، على الرغم من أن العراق لم يسدد الفواتير الأردنية التي تغطي السنتين الماضيتين. وحول الوضع في إسرائيل، قال الملك إنه أدلى بتصريحات ستساعد بالتأكيد شيمعون بيريس في حملته الانتخابية. وقال إن الهوية العربية في الضفة الغربية مهددة بسبب ضعف السياسة الأميركية التي دعمت سياسات حزب الليكود في كل المناسبات، مضيفا أن جزءا من اللوم يتحمله عرفات الذي لم يعِر هذه القضية أي انتباه، لأنه كان يتعامل فقط مع الحركة الفلسطينية بشموليتها، والتي كان يحصل بسببها على المساعدات المالية.
الحلقة الأولى : ثاتشر تبنت «الواقعية» مع ليبيا.. وتركت «القاتل» يغادر السفارة